عبد الله عمران.. معتقل مصرى لأجل غير مسمى بالولايات المتحدة

العدد الأسبوعي



فى سجن غير رسمى لإدارة الهجرة والجمارك

مأساته بدأت برفضه العمل مخبراً للمباحث الفيدرالية


انتهى حلم المواطن المصرى، محمد عبد الله عمران، ببناء حياة جديدة لنفسه فى الولايات المتحدة بالاعتقال من مقر عمله فى نيو هامبشاير فى أغسطس 2012، عبر وكلاء إدارة الهجرة والجمارك، بموجب مذكرة توقيف لاختراقه شروط التأشيرة السياحية.

وحسب موقع إنترسبيت الأمريكى، أثار إلقاء القبض عليه مغامرة قانونية ساهمت فيها مقاومته لمحاولات الوكالة لترحيله إلى مصر، الأمر الذى أسفر عن وضعه لسنوات فى حجز مخصص للمهاجرين.

نشر الموقع تحقيقا عن هذا الحجز الذى يضم الآلاف من المهاجرين، وكشف كواليس التعامل مع هؤلاء المهاجرين من قبل السلطات الأمريكية.

قضية المصرى محمد عبدالله عمران، نموذجاً لما يتعرض له المهاجرون من ضغوط ومحاولات استغلال، حسب الموقع، وتعد قضيته غير عادية لأنها تنطوى على ادعاءات بأن مكتب التحقيقات الفيدرالى حاول تجنيده كمخبر.  

كانت البداية مع معلومة تزعم أن جهازه المحمول يحتوى على تعليمات لبناء أسلحة الدمار الشامل، لكن التحقيقات لم تسفر أبداً عن أى تهم.

فى عام 2015 أدين بتهمة اتحادية، وهى الفشل فى مغادرة البلاد بعد مقاومة محاولتين من قبل إدارة الهجرة والجمارك لترحيله، وفى كلتا المناسبتين رفض الصعود على متن الطائرة، وبعد قضاء عقوبة بالسجن لمدة 6 أشهر، نُقل إلى مركز احتجاز تابع للقطاع الخاص فى لويزيانا.


1- احتجاز إلى أجل غير مسمي

فى حين أنه من غير الواضح عدد الأشخاص الذين ما زالوا رهن الاعتقال لدى إدارة الهجرة والجمارك بعد مقاومة الترحيل، فإن قضية عبد الله عمران تشير إلى القضية الأوسع نطاقا المتعلقة باحتجاز المهاجرين دون وضع حد زمنى محدد، ويعد عمران من بين مجموعة من المعتقلين المحتجزين فى سجن الوكالة إلى أجل غير مسمى، ورفضت  إدارة الهجرة والجمارك تقديم بيانات حديثة حول عدد الأشخاص المحتجزين فى هذا الحجز المطول الخاص، ولكن فى السنة المالية 2015، حين اعتقلت إدارة الهجرة والجمارك أكثر من 355 ألف شخص، تم احتجاز حوالى 3.166 منهم لأكثر من عام ، بما فى ذلك 169 شخصاً لأكثر من 3 سنوات، و32 شخصاً لأكثر من 5 سنوات، و5 أشخاص لأكثر من 8 سنوات.

كما تكشف بيانات السجلات العامة، أن المحتجزين بمراكز الاحتجاز الربحية، تم احتجازهم لفترات أطول، ومراكز الاحتجاز الربحية هى السجن الذى يهدف إلى الربح، وهو مكان يتم فيه احتجاز الأفراد أو حجزهم جسديا بواسطة طرف ثالث يتم التعاقد معه من قبل وكالة حكومية، وعادة ما تدخل شركات السجون الخاصة فى اتفاقيات تعاقدية مع الحكومات التى تنقل السجناء إلى هذا المرفق الخاص، ثم تدفع بدلا يوميا أو شهريا، إما لكل سجين فى المرفق، أو لكل مكان متاح، سواء كان مشغولاً أم لا، ومن بين الذين تم احتجازهم لمدة تزيد على خمس سنوات حتى عام 2015 ، تم ترحيل 10 منهم فى نهاية الأمر، وظل 9 رهن الاحتجاز فى نهاية العام، أُفرج عن 4 منهم  بشروط، ومات واحد.

بموجب التفويض القانونى الخاص بإدارة الهجرة والجمارك، لا يمكن للوكالة احتجاز الأفراد إلا أثناء تعليق جلسات الترحيل، أو لتفعيل عملية الترحيل، ويجب على إدارة الهجرة والجمارك الإفراج عن أى شخص محتجز لمدة تزيد على 6 أشهر بعد إصدار أمر الترحيل النهائى ما لم يتم اعتبار الشخص تهديداً للسلامة العامة، أو أن هناك احتمالا كبيرا للترحيل فى المستقبل المنظور»، لكن هذا لا ينطبق على أفراد مثل عبد الله عمران، حيث فشلت عملية ترحيله.

تقول قالت إميلى ريو، أستاذة مشاركة فى كلية الحقوق بجامعة جنوب كاليفورنيا، إن المحاكم الخاصة بالهجرة بطيئة للغاية، وهناك أيضا العديد من المعتقلين الذين صدرت بحقهم أوامر ترحيل نهائية، وتعجز الحكومة الأمريكية عن ترحيلهم عادة لأنهم يأتون من بلدان لا تمتلك الولايات المتحدة معها أى اتفاقيات لإعادة التوطين، أو دول فى حالة حرب مع عدم وجود حكومة عاملة.

ولأن إجراءات الهجرة مدنية، وليست إجرامية، فإن المحتجزين فى مراكز احتجاز المهاجرين لا يحق لهم تعيين محامين من قبل المحكمة، وينتهى الأمر بالكثير منهم بتأخير قضاياهم طواعية، وبالتالى تمديد فترة احتجازهم فى الوقت الذى يحاولون فيه تقديم أموال للحصول على محام خاص.

وقال متحدث باسم إدارة الهجرة والجمارك، إن متوسط مدة الإقامة يعتمد على عدة عوامل، بما فى ذلك مدة إجراءات الهجرة والطعون، وما إذا كان الفرد يمتلك هوية، ووثائق سفر ضرورية.

وأضاف المتحدث أن معالجة القضايا والطعون الجارية، وتفعيل عمليات الترحيل الصعبة هى الأسباب الرئيسية لمزيد من الإقامات.

وتقدر إدارة الهجرة والجمارك أن عدد المحتجزين سوف يقفز إلى معدل يومى يزيد على 50 ألف شخص هذا العام، وقد طلبت من الكونجرس زيادة ميزانيته وفقا لذلك.

وتبلغ تكلفة إعالة شخص واحد فى مراكز احتجاز المهاجرين 126 دولارا فى اليوم، وقد لاحظ النقاد أنه ليس من قبيل المصادفة أنه فى نظام يحتجز فيه 70 % من المعتقلين فى مرافق خاصة، يزداد عدد المعتقلين، كما تتزايد مدة الاحتجاز، وحسب إميلى ريو: «هذا الحافز لتحقيق الربح أدى فى واقع الأمر إلى زيادة احتجاز المهاجرين فى العقود الأخيرة». وفى عام 2001 صدر حكم قضائى بأنه لا يمكن احتجاز الأفراد الذين لم تتمكن الحكومة من ترحيلهم إلى أجل غير مسمى.


2- قصة محمد عمران

حسب موقع إنترسبت، تعكس قضية محمد عبد الله عمران، بعض النتائج الأكثر إرباكاً فى نظام احتجاز المهاجرين غير الفعال، وقد وصل عمران إلى الولايات المتحدة بتأشيرة سياحية فى عام 1999، وفى عام 2003 تقدم بطلب لتغيير وضعه بعد زواجه من مواطنة أمريكية، لكنه فشل فى الحصول على الجنسية بعد انتهاء الزواج.

وبحسب  إدارة الهجرة والجمارك، وافق عمران على مغادرة البلاد طواعية فى عام 2007، لكنه فشل فى القيام بذلك وأصدر القاضى أمرا نهائيا بالترحيل فى ذلك العام، وفى عام 2012 اعتقله ضباط إدارة الهجرة والجمارك من مكان عمله، وتم استجوابه فى وقت لاحق من قبل عملاء إدارة الهجرة والجمارك والمباحث الفيدرالية، الذين أعطوه خيارين: أن يصبح مخبرا يتجسس على مجتمعات الشرق الأوسط فى الولايات المتحدة، أو يواجه الترحيل إلى مصر.

محاولة الإف بى آى الضغط على مهاجر كى يعمل مخبراً لدى الجهاز، أمر معتاد وليس غريبا على الوكالة الأمنية الأمريكية.

قال عبد الله عمران إنه لا يستطيع أن يقبل مثل هذا العرض، كما أكد أنه ليس لديه أى مشكلة فى الإبلاغ عن أى شيء سيئ سيحدث إذا كان يعرفه بشكل مسبق، لكنه فى نفس الوقت لا يمكن أن يساعدهم فى حبس الناس ومن ثم محاكمتهم ووضعهم فى السجن، وقد رفض مكتب التحقيقات الفيدرالية التعليق على هذه القصة.

بعد اعتقاله بفترة وجيزة، وجه إلى عبد الله عمران تهمة الادعاء الكاذب بالتمتع بالجنسية الأمريكية من أجل الحصول على وظيفة، وازدادت قضيته  تعقيدا عندما ادعى أحد عملاء إدارة الهجرة والجمارك فى إحدى المحاكم أن رفيق سكن عمران أفاد بأن لديه ملفات على جهازه المحمول حول كيفية تصنيع أسلحة كيماوية ونووية.

كانت هذه الادعاءات استفزازية على وجه الخصوص، لأن عبد الله عمران كان يعمل فى شركة تصنيع التوربين التى تعمل بموجب عقد مع العديد من الوكالات الحكومية الأمريكية، ويدعى أن هذه الادعاءات كانت محاولة لتشويه سمعته بعد رفضه أن يصبح مخبرا.

فى فبراير2014 اتُهم عبد الله عمران بتهمتين، هما رفض الترحيل ومقاومة إدارة الهجرة والجمارك، وقد أدين فى فبراير 2015 وحكم عليه بالسجن لمدة 6 أشهر قبل إعادته إلى إدارة الهجرة والجمارك.

فى صيف 2015 تلقى «عمران» مكالمة هاتفية من شقيقه فى مصر لإبلاغه أن والده الذى رآه آخر مرة فى عام 2008 قد وافته المنية. ويقول عمران إنه حاول الانتحار وأضرب عن الطعام مرتين للاحتجاج على احتجازه، بالإضافة إلى المعاملة المسيئة التى قال إنه تعرض لها فى حجز إدارة الهجرة والجمارك، كما قدم عددا كبيرا من الدعاوى القضائية، وكتب إلى أعضاء مجلس الشيوخ يناشدهم الاهتمام بقضيته وما يصفه بـ «الكراهية والتعصب والتمييز» الذى عاشه منذ اعتقاله.