عادل حمودة يكتب: عودة هتلر وموسولينى بهوية ترامب وأردوغان وبوتن والأسد

مقالات الرأي



تحذير أحمر فى كتاب جديد يثير اهتمام العالم

حاكم البيت الأبيض ضد حرية الصحافة واستقلال القضاء ويدعم التعذيب ووحشية الشرطة ويسخر من حرية الصحافة والإعلام


لو كانت الديمقراطية إمرأة ساحرة تغرى من يراها بأن يتبعها دون مقاومة ليعيش معها فى نعيم فإن الفاشية عجوز شمطاء تمتص دم كل من يقع تحت ضرسها ولا تتركه إلا جثة هامدة تحترق فى الجحيم.

بإعدام بنيتو موسولينى رميا بالرصاص يوم 28 أبريل 1945 بجوار محطة وقود فى ميلانو وبانتحار أودلف هتلر بعد يومين فى مخبئه تحت أنقاض مدينة برلين التى دمرتها الحرب العالمية الثانية بدا وكأن الفاشية قد ماتت.

وبنهاية تلك الحرب التى اشعلتها النازية فى ألمانيا وقتلت 73 مليونا من الأبرياء سعت الدول الناجية منها إلى تكريس الديمقراطية ونشرها عبر قيم الحرية والمساواة وحقوق الإنسان وسيادة القانون وبسقوط حائط برلين وتفكك الإمبراطورية الشيوعية ووصول حكومات منتخبة إلى السلطة فى غالبية دول العالم بدا أن الفاشية التى ماتت قد دفنت إلى غير رجعة.

ولكن فى زمن «البوتكس» السياسى الذى نشهده فى الميديا بقدرتها الهائلة على تزييف الحقائق أصبحت «البوصة عروسة» وعادت الفاشية من جديد متوارية وراء مكياج كثيف مضلل جعل من الصعب التفرقة بينها وبين الديمقراطية واختلط الأمر على الجميع.

على أن خبيرة فى كشف زيف عمليات التجميل السياسية مثل مادلين أولبريت لم تتردد فى تحذير العالم من حالة الخلط بين الجمال الطبيعى للديمقراطية والجمال الزائف للنظم الشمولية فى كتابها الأخير الذى حمل عنوانه كلمة واحدة: «الفاشية».

أولبريت التى كانت أول امرأة تتولى منصب وزير خارجية للولايات المتحدة ولدت قبل ثمانين سنة فى براغ عاصمة تشيكوسلوفاكيا بأسم مارى كوربولوفا وعانت بسبب يهودية والدها من النازية التى قتلت جدتها فى أحد معسكرات المحرقة وأجبرت عائلتها على الهجرة أكثر من مرة حتى استقرت فى الولايات المتحدة.

لسعتها نيران الفاشية منذ صغرها فلم تكف عن كشفها مهما توارت أو تنكرت على طريقة الذئب الذى خدع الفتاة البريئة بارتداء ثياب الجدة كما فى حكاية «ذات الرداء الأحمر».

لم يكن من الصعب على أولبريت نزع الغطاء الديمقراطى عن فاشية رؤساء وصلوا للسلطة عبر صندوق الانتخاب ثم فرضوا على شعوبهم حكما قاسيا مثل رجب أردوجان فى تركيا ونيكولاس مادورو فى فنزويلا ويانوش أدير فى المجر وأندريه دودا فى بولندا وقبلهم دونالد ترامب الذى يوصف بأول رئيس مناهض للديمقراطية فى التاريح الحديث للولايات المتحدة ولعله السبب المباشر وراء خروج الكتاب.

ما أن دخل ترامب البيت الأبيض حتى بدأت قرارته الفردية تفرض نفسها بعيدا عن المؤسسات الديمقراطية والمثل العليا الأمريكية مثل المساواة وعدم التمييز والعدالة الاجتماعية والفضائل المدنية وفى وقت ما هاجم السلطة القضائية وسخر من الميديا ودافع عن ممارسة التعذيب وتغضى عن وحشية الشرطة وحث أنصاره على تخويف الآخرين ووضع المخالفين سياسيا فى قائمة الخونة ولم يتردد فى توجيه الشتائم للمهاجرين وبلدان المنشأ لملايين الأمريكيين ليرسم علامة الفاشية على نظامه مستلهما تصرفات من سبقوه من ديناصورات حكم الفرد.

وغالبا ما تتناقض تصريحاته مع الحقيقة وهو يتعمد ذلك بهدف تعميق الانقسامات الدينية والطائفية والعرقية.

إن الأنظمة الفاشية مزيج من النزعة القومية المتصاعدة مصحوبة باشمئزاز من حكامها لتغطية ما يعانون من عجز فى قدرتهم على الإنجاز وتحقيق الرفاهية لشعوبهم وفشل فى القضاء على الفساد المستشرى فى حكوماتهم.

أما نقطة التحول من الديمقراطية إلى الفاشية فتبدأ بتقويض حكم القانون وفرض وجهة النظر الرسمية على القضاء بجانب تخريب حرية الصحافة وتوجيه الميديا لتمجيد «الزعيم» وتجاهل أخطائه والإيمان بأنه ملهم من السماء يحمل إليه الوحى الخطط والخطابات مثل كيم جونج أون فى كوريا الشمالية وقبله صدام حسين فى العراق ومعمر القذافى فى ليبيا.

ويمشى على طريقهم بسرعة مذهلة فيلاديمير بوتين الذى انتخب لفترة ست سنوات أخرى سيفكر خلالها فى حيل مبتكرة ليظل فى السلطة منافسا الرئيس الصينى شى جين بينج الذى مجلس الشعب فى بلاده بأن يحكم حتى آخر نفس فى حياته لكنه يظل أفضل من بشار الأسد الذى دمر بلاده وسحق شعبه ليظل رئيسا مهما كان الثمن.

إن البقاء فى الحكم فترات طويلة مهما كانت المبررات يسبب فسادا متنامى الأضرار سنة بعد أخرى وفى هذه الأثناء تعزز الفاشية مكانتها وتلتهم مثل وحش لا يشبع ما يصادفها من حريات عامة وخاصة.

وترى أولبريت فى ترامب أوجه تشابه بهتلر.. كل منهما جاهل سياسيا.. لم يطالع كتابا أدبيا.. لم يشاهد مسرحا.. يجيد الغوغائية.. يثير مشاعر البسطاء.. يحرض على نعرات التعصب.. يعتقد بعصمة نفسه من الخطأ.. يستهين بالآخرين.

والأخطر أن الجميع قلل من شأن هتلر وترامب.. لكن سرعان ما أدركوا أنهما يتحكمان فى كل شئ.

وهناك تشابه آخر بين ترامب وجوزيف مكارثى السيناتور الذى أفزع بلاده بوهم الشيوعية مما أفقدها الكثير من المواهب والكفاءات ولكن رغم أن السياسيين المحترفين لم يقدروا على مواجهة الغوغائية التى نجح فى فرضها عليهم.

الشىء نفسه تكرر مع ترامب فقد أفرغ وزارة الخارجية من الدبوماسيين ولم يعد لدى الولايات المتحدة الخبراء الذين يفهمون السياسية الخارجية وتركت قشة فى مهب الريح تحركها تصريحات متعجلة ومستهترة للرئيس الذى لا يعرف أين تقع لتوانيا؟ أو الفرق بين التوراة والقرآن؟ أو تأثير المسيحية الصهوينية فى القضية الفلسطينية.

إن ذلك السمسار المقامر القى بالكفاءات حارج البيت الأبيض ولم يثق إلا فى جون بولتون مستشارا للأمن القومى الجديد وهو من الصقور الأكثر تشددا فى وظيفة تتطلب المرونة دائما وهو ما جعل أولبريت «عصبية ومتوترة للغاية كلما نظرت إلى ماضيه».

لقد لعب بولتون دورا مؤثرا فى إلغاء قرار الأمم المتحدة الذى ساوى بين الصهيونية والعنصرية ودعم بقوة غزو العراق ويتبنى استراتيجية الحروب الوقائية ويدعو دائما لاستخدام القوة العسكرية ويعارض انضمام الولايات المتحدة للمحكمة الجنائية الدولية حتى تتصرف بلاده بهمجية دون محاسبة.

ومثل العديد من الناس تشعر أولبريت بالذهول لأنه فى ضوء إخفاقات ترمب لم يندد قادة الحزب الجمهورى بسياساته مضيفة: «إنهم لم يفعلوا شيئا ولا أعرف السبب».

ولو كانت الحرية قيمة أمريكية سامية حرصت الولايات المتحدة على حمايتها خارج حدودها مما جعل منها قوة عظمى فإن ترامب خرج بمبدأ انعزالى يقضى بأن «كل أمة مسئولة عن نفسها» فأعطته أوروبا ظهرها وتراجع السلام فى الشرق الأوسط وتوترت العلاقات التجارية المستقرة مع الصين وامتد التوتر إلى الدول المجاورة مثل المكسيك بعد إهانتها وتحول التوتر إلى انتقام من الشركاء التجاريين الرئيسيين بفرض سياسة الحماية على الواردات وفرض رسوم جمركية عليها فعاملوه بالمثل وفقد ملايين الأمريكيين وظائفهم المعتمدة على التصدير.

أجبر الولايات المتحدة على التخلى عن دورها الأخلاقى مما يبعث عن القلق أن يقوم ترامب بافتعال أحداث لن يستطيع هو ولا أحد فى إدارته السيطرة عليها.

ويبدو أنه لا يرتاح إلا للحكام الاستبداديين مثله فرغم كل الهجوم الذى يشنه على بوتين فإن ترامب لا يخفى إعجابا فاضحا به وربما كان بوتين هو مثله الأعلى فى الحكم.

لقد أصبحت الديمقراطية الأمريكية بالتأكيد فى مفترق طرق.. لأول مرة على الإطلاق يضع مؤشر الديمقراطية الذى تنشره مجلة «إيكونوميست» الولايات المتحدة فى فئة «الديمقراطية المعيبة» ويعتقد واحد من كل خمسة أمريكيين (و23 % من الجمهوريين) أن الحكم العسكرى سيكون أفضل للبلاد من حكم ترامب.

وعلى غير المتوقع تحولت وسائل التواصل الاجتماعى التى برع ترامب فى استخدامها من دعم الديمقراطية إلى دعم الفاشية بتضليل مستخدميها بمعلومات خاطئة أثرت سلبا على الحياة السياسية بعد أن أصبحت بديلا للأحزاب التى تعمل بجدية وثقة.

لقد اعترف مارك زوكربيرج مؤسس شركة فيسبوك ورئيسها أمام لجنتى القضاء والتجارة فى الكونجرس بأنه سرب معلومات 87 مليون مستخدم دون علمهم إلى شركة « كامبريدج اناتاليكا « التى استأجرها ترامب خلال حملته الانتخابية ونجح من خلالها فى بث أخبار كاذبة لصالحه أوصلته على غير المتوقع إلى البيت الأبيض.

واعتبر زوكربيرج ما حدث خطأ كبيرا واعتذر عنه ولكن اعتذاره لم يوقف جنون ترامب بالفاشية على حساب الديمقراطية بكل التبعات الداخلية والخارجية.

هنا تتساءل أولبريت: «هل سنتمكن من إيقاف ترامب قبل فوات الأوان؟».

وتلحق السؤال بآخر: «ما الذى يجب علينا القيام به؟».

فى البداية لابد من الدفاع عن الحقيقة من خلال الصحافة الحرة التى ليست عدوا للشعب الأمريكى وإنما حامية له.

ولابد من تعزيز مبدأ «لا أحد فوق القانون» ولا حتى الرئيس.

وينبغى أن يقوم كل فرد بدوره فى تنشيط العملية الديمقراطية بتسجيل ناخبين جدد والاستماع باحترام إلى من نختلف معهم والترويج للمرشحين الأفضل وتجاهل المشورة الساخرة القائلة: «لا يوجد شئ يمكننا القيام به».

ويجب علينا أن نفكر فى تعريف «العظمة» فهل يمكن لدولة ما أن تستحق هذه الصفة بالموائمة مع الطغاة؟.

تجيب أوبريت: «بالنسبة لى لا يكمن جوهر العظمة فى الرخام الذى نضعه فى ردهات المؤسسات السياسية أو فى العروض العسكرية على الطريقة السوفييتية وإنما فى أن نكون أمة وإنما إثراء حياة المجتمع بالحقوق والحريات وهو النموذج الذى يتوق إليه المحرومون فى العالم ولا ينبغى لأحد مهما كان تشويهه ولو كان يحكم البيت الأبيض.