د. رشا سمير تكتب: موسم صيد العشاق.. الحب والخيانة وأشياء أخرى

مقالات الرأي



للعلاقات وجوه عدة، وللحب آلاف المسميات، وحين ترتبط الأقدار.. تكثر الحكايات، وحين تكثر الحكايات.. يقف الأبطال وراء الفُرص لاقتناص القلوب الحائرة. الحب رجل وامرأة، الحب هو الميثاق الذى ترتبط به أقدار البشر، وحين يتحول الحب إلى حالة من العشق، ويدخل العشق منطقة الزواج، تتحول المشاعر إلى حالة من الصمت، وتدخل الأحاسيس ثلاجة الجمود الزوجى، ويدفع الاعتياد طرفى العلاقة إلى البحث عن علاقات أكثر سخونة.


فهل يبقى الحب أبدا هو حالة للاحتياج النفسى، أم يدخل أحيانا إلى منطقة الاحتياج الجسدى؟.

كتب الأدباء ورسم الفنانون وحكى الشعراء، عن قصص حب انتهت بالفراق وأخرى انتهت بالانتحار أو الطلاق، لكن لم يكتب أحد عن قصص الحب التى انتهت بالزواج، لأن الزواج هو تلك الحالة الباهتة والمساحة الرمادية التى تنتقل إليها العلاقات العاطفية فتُسقط عن الأيام حبكتها المثيرة، والذنب فى ذلك دائما وأبدا مُلقى على عبء حمل الحياة الثقيل، والاعتياد القاتل على كل الأفعال بل وأحيانا ردود الأفعال. هل يقتل الزواج الحب؟.. الإجابة من وجهة نظرى...لا، بل نحن نقتله وتبقى أيدينا مخضبة بدمائه كلما حاولنا الهروب منه إلى علاقة جديدة، بل نحن نسجنه فى بئر سحيقة ونخنق أنفاسه ليموت، بل نحن نبتعد عن المعانى الجميلة ولا نبحث سوى عن الماديات الرخيصة.

السؤال هنا: هل حين يدُب الملل فى العلاقة بين الرجل والمرأة تُصبح الخيانة مبررة؟، هناك مائة وجه للخيانة، وهناك ألف سبب لها، فهناك بشر يستمتعون بالخيانة، لمجرد رد الصفعة، وهناك من يمارسونها لضعف نفوسهم، هناك امرأة تفتح بابا للرجال، وهناك من تُبقيه مواربا، وهناك رجل يدفع المرأة لهذا الطريق، وهناك رجل وامرأة يلتقيان على هذا الطريق دون ترتيب.


1- موسم الصيد من جديد

كتبت منذ أسابيع مقالا بعنوان (موسم صيد الرجال)، عن المرأة التى تقتنص الفرصة لتصطاد رجلا فى يد أخرى، أو وهى فى يد رجل آخر، جاءنى من بعده عشرات المكالمات، فهذه رأت نفسها فيه، وتلك لمحت اسم صديقتها بين السطور، بينما ظنت أخرى أنه إسقاط عليها!. وبعث إلى الأصدقاء برسائل عدة تحمل استفسارات وتلميحات: أتقصدين نُهى أم تقصدين سُهى أم هى ندى أو ربما عُلا؟

الحقيقة العارية هي أن المُريب يكاد أن يقول خذونى، والحقيقة الأكثر إفزاعا هى أن القصة الواحدة تليق بآلاف البشر، فالأحداث واحدة وإن اختلفت الأسماء، ببساطة لأن للخيانة وجه واحد لآلاف الأشخاص!

ومن هنا قررت أن يكون للحوار جزء ثان وثالث وربما رابع، لأن أقلامنا هى الأداة الوحيدة القادرة على تعرية البشر أمام أنفسهم، وعلى كشف مجتمع ما زال ينكر أن الخطيئة هى مانشيت لصفحته الرئيسية!.


2- سؤال وبداية

طرحت سؤالا على صفحتى بـ«الفيسبوك»، وانتظرت الإجابات، السؤال كان:

من هو الطرف الذى يقود دفة الخيانة الرجل أم المرأة، كيف تبدأ الخيانة، وما دوافع ومبررات هذا الفعل الفاضح فى نظر كل المجتمعات والأديان؟.

كتب الكثيرون، واستحى آخرون من الكتابة علنا، فآثروا أن تكون إجابتهم بمكالمة تليفونية، وقرر البعض أن الحكي عن طريق رسالة نصية تتوارى بعيدا عن عيون الفيسبوك تجنبهم الانتقادات، وقررت أنا أن أكتب عن أشخاص وحكايات عشناها ونعيش معها كل يوم من واقع تلك الردود.


3- مبررات أبناء آدم

عادة ما يُتهم الرجل بالخيانة، ويبقى السؤال الحائر، هو ذاك الذى وجهته إلي إحدى صديقاتى الفنانات: ماهو تعريفك للخيانة، وهل من الممكن أن نوجه تهمة الخيانة لرجل تمنى امرأة وهو بجوار زوجته، أو أخذته أحلامه فقط إلى أحضانها؟!

الحقيقة ومن وجهى نظرى، أن الخيانة تبدأ بفكرة وتنتهى بتنفيذها، وبإلقاء اللوم على الطرف الآخر وهو برىء من الملامة، لكن الخيانة بالنظرة والكلمة لا تُصبح خيانة إلا لو دخلت فى خانة «التمادى» بل هى بداية.

الرجل دائما وأبدا له ألف مبرر، بحوار واحد لا يتغير:

«أشعر بالوحدة مع زوجتى، فقد أهملتنى منذ أنجبت طفلنا الأول،كل ما أتمناه أن أجعلها سعيدة، أسعى دائما لاصطحابها لرحلات وخروجات وترفض لأنها تحولت إلى كائن كئيب، أهملت نفسها وزاد وزنها، وأصبحت طوال الوقت تشكو، كل اهتمامها للأطفال والمطبخ ونظافة البيت، أعود إلى المنزل كل يوم لأجدها تغط فى النوم ولو حاولت الاقتراب منها تشكو من الإرهاق الشديد من العمل ومذاكرة الأولاد، وأنا لا أجد من يتفهم مشاكلي واحتياجاتى، أشعر وكأننى مجرد ماكينة لطبع أوراق البنكنوت».

هذا هو الحوار المعتاد المتفق عليه، المتكرر كأنه شريط سينما يسترجعه الرجل فى حالتين: إما لكي يوقع زميلاته فى شباكه وإما لكى يبرر خيانته أمام أصدقائه وأقارب زوجته!.


4- مبررات بنات حواء

المرأة الخائنة هى عادة بعقلية الرجال، تبحث عن اللهو والتغيير والسعادة حتى لو كان الطريق إليها مفروشاً بالأشواك، ربما أن القفز من سفينة الرتابة الزوجية بورقة شرعية من عند المأذون هى الحل الأسهل والأكثر احتراما من استمرارها فى طريق يجعل من شريك حياتها (مُغفلا) ويجعل منها إيرما لادوس!.

ويكون حوارها لتبرير فعلتها هو: «لا يستطيع أن يتفهم احتياجاتى كامرأة، لا يستطيع أن يصل إلى قلبى، لا يهتم سوى بعمله، يتهمنى بالأنانية لمجرد أننى أذهب لدروس اليوجا وأسافر مع صديقاتى وأترك الأولاد مع المربية، وما عيب المربية؟ إنه يحاول أن يلغينى ويلغي طموحاتى، أبحث عن رجل يشاركنى نفس اهتماماتى، يشاركنى ركوب الخيل وحفلات عمر خيرت، رجل محب للحياة وليس رجلا كئيبا لا يفكر سوى فى معدته التى يشكو دائما من كونها خالية لأننى لست من مرتادى المطبخ، مال المطبخ ومال الحياة الزوجية؟، أريد أن أعيش الحياة كما تمنيتها معه وصدمنى بكآبته وروتينه القاتل، لقد حاد بنا الطريق وأنا الضحية».


5- ثلاثة سيناريوهات لخطأ واحد

من تلك الجُمل المعتادة تبدأ الخيوط الأولى للخيانة التى تتشابك لتصنع الحدث الجلل، نظرة فكلمة فهمسة فابتسامة ففنجان من القهوة، وتنتقل حالة البوح المؤقت إلى حالة من الاعتياد على البوح كل يوم تؤدى للسخط الدائم.

عادة ما تنتهى تلك التمثيلية السخيفة بسيناريو واحد من ثلاثة، إما:

أن تسقط العلاقة فى فخ الخطيئة ويصبح الخطأ مشتركا وتنتهى علاقة الحُب ورسائل الغرام التى تجرى عليها الأصبع لتحذفها كل ثانية من على المحمول، إلى فراش الحُب وهو الفراش الذى تقل برودته بتكرار الخطيئة، وتنتهى الحكاية.

الغريب حقا هو أن سقوط الرجل بين أحضان المرأة المتزوجة فى الماضى كان يعنى نهاية تلك العلاقة حيث تتحول مشاعر الحبيب مع الوقت تجاهها إلى الاحتقار والشك، ويتبدل الزمان ليصبح نفس الرجل الذى كان ينظر إلى السيدة التى تخون زوجها على أنها عاهرة هو ذاته الذى يقبل الزواج منها غير مُدرك بأنه سوف يشرب من نفس الكأس يوما ما!

السيناريو الثانى، هو تحول العلاقة إلى إعلان زواج فقط لقطع الألسنة، وهنا ترتدى الزيجة مع الوقت نفس قناع الزيجة الأولى، شكوى وململة واعتياد وطلبات ومسئوليات مع القليل من الشك، فتقع الزيجة الثانية محل الأولى، وعادة ما تنتهى بالطلاق.

أما السيناريو الثالث، فهو الأكثر نجاحا، فى مجتمعاتنا الشرقية، وخصوصا المصرية، ففى الأونة الأخيرة انتشرت الزيجة الخالية من المسئوليات، الزيجة التيك أواى أو زيجة نصف الوقت الخفيفة، وهى ببساطة عبارة عن اتفاقية بورقة عند المأذون تسمح للطرفين أن يستمتعا بمميزات الزواج دون تبعياته لأنه فى النهاية يكون زواج بنصف المشاكل وكل المميزات.

فالزوج والزوجة كلاهما فى بيته، ويتقابلان فى أوتيل أو شقة مفروشة، يومين أو ثلاثة أيام على الأكثر، بلا تبعيات ولا التزامات ولا مشاحنات، إنها زيجة تتسم بالفرفشة، أشبه بما يتم فى المجتمعات الأوروبية، ولكنه بورقة شرعية، زيجة يرحب بها الأصدقاء فى العلن وينتقدونها فى الخفاء!.


6- دفعنى للخيانة

اعترضت إحدى صديقاتى على ما كتبته وردت علي بكلمات مفادها أننا تعودنا الحجر على حرية الآخرين، فهل نعرف ما مبررات أى امرأة لخيانة زوجها؟، وأخبرتنى أن استحالة عشرة الرجل تجعل زوجته تبحث عن حضن آخر وأحيانا يكون إهماله لها هو السبب دون أن يشعر، فيكون هو الدافع لارتكابها الخيانة، وسألتنى: وماذا لو كانت لا تملك سقفا آخر أو مكاناً تآوى إليه؟ وماذا لو لم تمتلك المال الكافى لتستقل عنه ماديا وتطلب الطلاق؟

وجهة نظرها قد تحمل الكثير من الحقيقة المُرة ولكن، هل هى مبرر كافى للخيانة؟!

هل تغيرت النظرة؟

هل تغيرت نظرة الناس للخيانة، لأننا أصبحنا فى مجتمعات أكثر تحررا وأكثر تقليدا للغرب؟، لا أعتقد.

هل أصبح من السهل اليوم تقبل خيانة الرجال والنساء على حد السواء أو إيجاد مبررات لهما؟ لا أعتقد، فالخيانة هى الخيانة، منذ أن طمع قابيل فى زوجة هابيل فقتله.

وما زالت المرأة بكل أسف تتحمل تبعية تلك الخيانة بشكل أكبر، حتى بعد كل التطور والتحرر، فهى سمحت له، ودعته بعينيها، ولم تصده، وتركت أبناءها، ولم تحاول أن تغير علاقتها بزوجها.. فى النهاية ستظل الخيانة موسما دائما لصيد العشاق.