الاعلامي طارق ابوزينب يكتب: محنة العيش مع قاسم سليماني

ركن القراء





لا يخفى على أحد ـ متابعاً او قارئاً أو سياسياً  ـ اللهجة الفوقية التي أطل بها قاسم سليماني وهو قائد فيلق من فيالق الحرس الثوري الكثيرة الأسماء والتي تفضي الى مسالك مذهبية متعرجة. ولا يُخفى على أحد أيضاً الدلالات البالغة في الشريط المبثوث والمُسرب عن قصد عبر وسائل التواصل الاجتماعي والذي أحصى فيه انتصار الفيلق اللبناني في الحرس الثوري الإيراني ، أي حزب الله، بغالبية برلمانية صارت تمكنه من التحكم بلبنان .

قد يقول قائل ، وهو مُحق، ان العرض الإيراني السليماني ليس جديداً فقد سبقه استعراضات عديدة في قلعة حلب السورية وبغداد العراقية، وكلها كانت تعلن انتصارات ميدانية لجمهورية تقاتل خارج حدودها  . لكن ما يستدعي بحثه وتعيين أثره السياسي هو ان المُفاخرة الإيرانية هذه عن لبنان والتي لاقت ردوداً محدودة التأثير والأثر لا تلغي واقعة من وقائع البلد الأساسية. فالرجل استدل بالمنطق الحسابي على لوح خشبي وكأنه في محضر جمع من التلامذة ليحصي الغالبية الإيرانية بلبوسها اللبناني. هو يعرف تماماً ان مدخل الصواب الى السياسية يكون من جادة الرياضيات ومعادلاتها الدقيقة. وإذ يُحتسب هذا الأمر للرجل الموسوم اسمه بدورات العنف المتنقلة، فان ما يُحتسب على غيره السكوت عليه وعلى عراضاته حتى البكم.

ولهجة المفاخرة التي يردها البعض إلى متعلقات خارجية تتصل بانتظار ايراني لما ستؤول إليه عملية الحوار مع الإدارة الأميركية الجديدة، لا تخفي أدوارها وتأثيراتها الحاسمة في التصدع اللبناني حول ما إذا كان لبنان سيستمر كساحة وصندوقة بريد ، أو إذا كان هناك من بيننا ما زال يصر على الدفاع عن لبنان وانتسابه الأصلي إلى عروبة حديثة شديدة الصلة بالحداثة والتطور ويعبر عنها نموذجان: الأول سعودي بشخص ولي العهد الامير محمد بن سلمان، والآخر اماراتي بشخص ولي العهد الشيخ محمد بن زايد  ويريدان للبنان العيش في الجانب الذي تقيم فيه الدول الناجحة، بدلاً من حالنا الراهن الرديء واقامتنا المستدامة في جانب الدول الفاشلة التي لا تحصي سوى قوانين العقوبات والتضييق علينا من كل حدب وصوب، لا لشيء إلا لسبب اختطاف الدولة ونظامها البرلماني الجمهوري الديموقراطي ووضعها في الحاضنة الفارسية.



في الهمس بين اللبنانيين ثمة سخافة سياسية ترد كلام "لواء الحروب المتنقلة" قاسم سليماني إلى اعتباره مجرد استعراض لفظي لا يستدعي موقفاً جذرياً تُستعاد من خلاله السيادة اللبنانية. حتى أسئلة من نوع: كيف يجروء سليماني على ذلك؟ لماذا سكت المعنيون بـ "حسبة ببيدر سليماني" عن تصنيفهم تحت راية حزب الله وتالياً نظام الملالي في طهران؟ أسئلة تبدو ممنوعة ، أو حتى أنها محظورة لأن كلفة الإجابة عليها مُكلفة للبلد وأهله جميعاً. الواضح ان هذه الأسئلة ستبقى ممنوعة ومسكوتاً عنها، ومن يملك الإجابة عليها لا يريد إعلانها. لكن كُتل برلمانية من مختلف المناطق اللبنانية تُصادر وتُختطف من دون اعتبار لنظام سياسي كامل كان يدعي خلال الأيام القليلة قبل الانتخابات البرلمانية انها ستحدد مستقبل البلد ، فهذا صار يستدعي من اللبنانيين التفكر والتفكير بمعنى ان يُعلن من أحد سراديب جمهورية الملالي وبعيدا عن أي منطق سياسي . ذلك ان مثل هكذا استعراض اجراه سليماني يستكمل صورة الرجل العُنفية والقمعية المُصادرة حتى لحق الشعوب بتقرير مصيرها. ومثل هكذا خلاصة لا تُقرأ فقط من زاوية الجغرافيا المترامية بين بيروت وطهران، بل أيضاً من زاوية السياسة ومتنها الذي راح يضيق على اللبنانيين ويغامر بروابطهم مع عالمهم العربي وفي المقدمة منه المملكة العربية السعودية وهي نقطة التقاطع والتوازن في العلاقات العربية ـ العربية.

النقاش هذا يقع في صلب السياسة اللبنانية وليس متعلقاً بمفاخرات إيرانية يجريها "لواء الحروب المُتنقلة" قاسم سليماني . الجنرال حدد سعر اللبنانيين الذي شقوا عصا الطاعة بـ 200 مليون دولار لم يقل لنا كيف أحصاها؟ ومن ولاه حق بخس إرادة اللبنانيين الديموقراطية الرافضة للهيمنة الإيرانية بعد قرينتها السورية؟ هو يقول ان الانتخابات أفضت إلى ربحه هو وخسارتنا نحن . هذه معادلة تعلمها منذ ان شاطرتنا "8 آذار" أدارة البلاد منذ العام 2005 ،ثم احتكرت قرارنا السيادي باحتكارها قرار الحرب والسلم في العام 2006 مرورا بالثلث المعطل الذي سمته "ثلثاً ضامناً" من دون تحديد نوع الضمان وبوجه من.

هنيئاً لكل الكتل التي صُنفت "تابعة" لحزب الله وصمت آذان اللبنانيين بالحديث عن بناء دولة جديدة بدلاً من تلك التي سقطت في آتون الإفلاس المالي والسياسي. ففي دولة تحكمها غالبية برئاسة قاسم سليماني لا حق للاعتراض، ولا حق لنا للغضب. فواحد من هذين الأمرين او كلاهما يرشحان استمرار حيواتنا إلى أسئلة ولا تعود حقاً.

هذا كله يعرفه اللبنانيون من كل المشارب والاتجاهات . ومع ذلك، اتى استعراض سليماني ليعلن عملياً وقوع لبنان في الأسر الفارسي ، ولم يعد هناك من قدرة تمنع الوجود الإيراني المباشر والحاسم ، وخير دليل استبدال ختم جوازات سفر الإيرانيين بأوراق دخول . لقد بدا ان الانتخابات لم تكن على مستقبل لبنان. ذلك ان هذا المستقبل مُحتجز . وكلام "لواء الحروب المتنقلة"  أظهر إطمئناناً عنده يبعث على قلق مميت عندنا ويضعنا في محنة العيش مع قاسم سليماني.