عادل حمودة يكتب: هل تنتهى احتجاجات رفع الأسعار فى الأردن بإعلان دولة فلسطينية عاصمتها عمان؟

مقالات الرأي



سؤال خبيث يطرحه خبراء سياسيون فى إسرائيل: هل تنتهى احتجاجات رفع الأسعار فى الأردن بإعلان دولة فلسطينية عاصمتها عمان؟

يطالبون الولايات المتحدة بإسقاط النظام بقرار إدارى من ترامب وإجلاء العرب عن الضفة الغربية إلى الضفة الشرقية ومنح اللاجئين حق العودة ولكن للأردن

تولى الملك عبدالله (الثانى) حكم الأردن يوم وفاة والده الملك حسين فى 7 فبراير 1999 ولكنه يحتفل بجلوسه على العرش يوم 9 يونيو من كل عام وسط أنوار مبهرة تضىء عاصمة بلاده عمان وألعاب نارية تلعلع فى سمائها إلا أنه هذا العام واجه حكمه مأزقا صعبا بتظاهرات حادة مضادة للضرائب الجديدة التى فرضتها حكومته سرعان ما تحولت إلى مطالب سياسية محرجة.

ولشدة الأزمة هذه المرة فإنه فى حاجة إلى أكثر من موهبته الشهيرة فى التكيف مع الواقع وهى موهبة لاحظت تمتعه بها عندما التقيته فى قصر «رغدان» بعد نحو العام على توليه العرش وأهديته أحد كتبى السياسية.

ويومها عرفت أنه يتلقى دروسا فى اللغة العربية ليجيد التحدث بها بعد أن عاش سنوات طويلة من حياته فى بريطانيا للدراسة العسكرية (كلية سانت هيرست) وفى الولايات المتحدة للدراسات الدبلوماسية العليا (جامعة جورتاون) كما أنه أجرى تعديلات فى مناصب الأمراء بما يضمن الاستقرار وفى الوقت نفسه كان زواجه من رانيا الياسين (الملكة رانيا) الفلسطينية الأصل دعما لوحدة الشعب الذى يشكل الفلسطينيون نسبة مؤثرة منه بجانب أنها تلعب دورا بارزا فى الحياة الاجتماعية والثقافية ساعده عليه دراستها فى الجامعة الأمريكية وقت أن كانت مطلة على ميدان تحرير القاهرة.

لكن «واقعية الملك» التى تضاعفت خلال 20 سنة من حكمه لم تسعفه هذه المرة وهو يواجه تظاهرات النقابات العمالية والمهنية الرافضة لزيادة أسعار الكهرباء والبنزين والمياه والسجائر وخدمات الموبايل بنسب تتراوح ما بين 23.5% و5.5% بجانب ضريبة إضافية فى حدود 4% لجنى نصف مليار دولار بجانب الحصول على قرض بمليار دولار من صندوق النقد الدولى الذى وضع روشتة الدواء المر منذ عامين لتخفيف العجز فى الموازنة العامة ولتخفيض الديون التى وصلت إلى 94% من قيمة الدخل القومى وأدت إلى صعود نسبة البطالة إلى 18.4% النصف على الأقل لحملة الشهادت الجامعية فيما يعرف بالبطالة المتعلمة الواعية والخطرة التى يضعف وجودها من حجم الطبقات الوسطى ويقلل من دورها فى النمو والتغيير والتحديث.

وزاد من السوء وجود مليون ونصف المليون لاجئ سورى فى الأردن ليرتفع عدد السكان إلى نحو عشرة ملايين نسمة كما أن الحرب فى سوريا حرمت الأردن من تصدير منتجاته للعالم وحرمته من نسبة كبيرة من السياح بإنفاقهم المميز بالعملات الصعبة وبتراجع المساعدات الخليجية والأمريكية لم يكن هناك مفر من الانفجار.

وضع المتظاهرون رغيف خبز فى كيس من الورق الشفاف كتب عليه: «الفساد = الجوع» ووصفوا الحكومة بأنها «حرامية» وطالبوها برفع أصبعها عن «رواتبهم» الضعيفة وأحرقوا إطارات السيارات ولكنهم فشلوا فى الوصول إلى مقر مجلس الوزراء لاحتلاله بعد أن ألقت الشرطة بقنابل مسيلة للدموع وقبضت على أعداد متزايدة ممن وصفتهم بمثيرى الشغب.

وسارع الملك بإقالة رئيس الحكومة هانى الملقى واختار مكانه عمر الرزاز وطالبه بمراجعة شاملة لقانون ضريبة الدخل ليكون فى صالح الفقراء على حساب الأثرياء وخرج مطالبا بالحوار بين النقابات والحكومة.

والأهم أن الملك طالب الأجهزة الأمنية «القوية» بتعامل «ناعم» مع الشارع الغاضب حتى لا تزداد الأمور سوءاً بسقوط قتلى فى الشوارع فيتكرر ما حدث فى الثورات التى انفجرت فى تونس ومصر واليمن حيث كتبت شهادة وفاة النظم فيها بدماء الضحايا وتنوع مصير حكامها بين الطرد (على زين العابدين) والقتل (معمر القذافى) والمحاكمة الجنائية (حسنى مبارك) أو التورط فى حرب أهلية مدمرة (بشار الأسد).

لقد عالج عبدالله الثانى الأزمة بذكاء وصبر وحكمة مدركا أن الشعوب لا تنزل إلى الشارع إلا إذا فاض الكيل بها ولم تجد وسيلة أخرى للتعبير عن متاعبها ومطالبها.

وقبل أن يشكل الرزاز حكومته اتفق مع مجلس النواب على إلغاء قانون الضرائب واتفقا على فتح حوار حول ما يصدر من تشريعات مشابهة قبل عرضها على البرلمان لضمان تحقيق عدالة اجتماعية مناسبة من ورائها وهو ما أقنع المتظاهرين بجدية الموقف الرسمى لتجاوز الأزمة خلال مهلة الأسبوع التى طلبتها الحكومة الجديدة ولكن قبل أن تنتهى المهلة المتفق عليها فرضت «الأجندات السياسية» نفسها على الأزمة وراحت تصب الزيت على النار المشتعلة حتى لا تخمد.

خرجت جماعة الإخوان هناك ببيان ركبت به الموجة وأكدت أن: «الحل الجذرى والفعال لمشكلاتنا اليوم هو بتغيير النهج وليس مجرد تغيير الأشخاص والوجوه» وشدد على «ضرورة إحداث إصلاح حقيقى وشامل يبدأ بالإصلاح السياسى مرورا بالإصلاح الاقتصادى والاجتماعى» وأفقد البيان خطوات التهدئة التى أعلنها الملك قيمتها وبخسها حقها حسب ما ذكر مراسل جريدة «العرب» فى عمان.

وانتقل تأثير البيان إلى مجلس النقابات المهنية فتراجع عن منح حكومة الرزاز فرصة لتجاوز الأزمة ودعا إلى وقفة احتجاجية وسط العاصمة تمهيدا لإضراب عام يشمل كافة أنحاء البلاد وارتفع سقف المطالب ليصل إلى حل مجلس النواب.

ويستغل الإخوان تلك التظاهرات للضغط على النظام ليعترف بتنظيمهم سياسيا كما أنهم يجدون فى موقف الأردن من قطر وتركيا خطأ تجب معاقبته عليه.

وفى ظل قبول دول عربية مختلفة بمد الجسور العلنية والخفية مع إسرائيل فقد الأردن ميزة التطبيع معها بل إن إسرائيل بدأت فى بناء جدار أمنى على الحدود بينها وبين الأردن بطول 30 كيلومترا وارتفاع 30 مترا مزودا بأجهزة إنذار واستشعار عن بعد وستنتهى من تشييده فى مطلع العام القادم.

وكان الأردن يحصل على معونات أمريكية (عسكرية واقتصادية) سنوية لا تقل عن مليار دولار ولكن فى ظل رفض ترامب للمساعدات الخارجية بدا أن ما يحصل عليه الأردن منها غير قابل للاستمرار رغم أنها تمثل نسبة مؤثرة فى موازنته العامة مما ضاعف من المأزق الذى وجد نفسه فيه ويصعب فى الحقيقة الخروج منه فلو نجا من الاحتجاجات الحالية فقد لا ينجو من الاحتجاجات القادمة.

والمؤكد أن الولايات المتحدة ستستخدم سلاح المعونات للضغط على الأردن ليكون الوطن البديل للفلسطينيين.

إن إسرائيل التى أعلنت ضم الجولان إليها تريد فلسطين كلها لها وحدها بما فى ذلك الأراضى الخاضعة للسلطة الفلسطينية ويرى باحثون استراتيجيون متطرفون فى تل أبيب أن على الولايات المتحدة إسقاط النظام فى الأردن بقرار إدارى من الرئيس الأمريكى مثلما فعلت مع نظام مبارك ودون الحاجة لعرض الأمر على الكونجرس أو التفاوض مع الهاشميين بشأنه على أن تسلم السلطة فى عمان للفلسطينيين وهم أغلبية يمكن أن تكون حاكمة وفى الوقت نفسه فإن الهاشميين يعدون أقلية ضعيفة لا يزيد عددهم عن الألف ويكرههم الفلسطينيون أكثر مما يكرهون اليهود وهو ما يسهل التخلص منهم حسب ما صرح به واحد من هؤلاء الباحثين علنا بالصوت والصورة.

والهاشميون ينحدرون من نسل النبى حكموا الحجاز وساعدوا بريطانيا للقضاء على تركيا فى الحرب العالمية الأولى على أمل منحهم الاستقلال ولكن بريطانيا خلت بوعدها وقسمت التركة العثمانية بينها وبين فرنسا حسب اتفاقية سيكوس بيكو ولكنها وضعت الأمير فيصل على عرش العراق واخترعت دولة شرق الأردن ليحكمها الأمير عبدالله جد الملك الحالى.

وعاشت الدولة الصغيرة تحت الحماية البريطانية ومنها إلى الحماية الأمريكية وهو ما يسهل حسب المشروع الإسرائيلى الجديد إسقاط النظام القائم فالقوات المسلحة والمخابرات والشرطة تحت سيطرة الولايات المتحدة ولو أمرتها واشنطن بما تريد فلن تتردد فى التنفيذ.

حسب الخطة الإسرائيلية الجديدة تتدخل الولايات المتحدة بهدوء لتغيير النظام من الهاشميين إلى الفلسطينيين الذين يقيمون دولتهم فى الأردن ويستقبلون فيها ما تبقى من الفلسطينيين فى الضفة الغربية بدعوى أنهم تعبوا من السلطة الفلسطينية وحيث سيكون للاجئين الفلسطينيين فى كافة أنحاء العالم حق العودة ليس إلى فلسطين وإنما إلى الأردن.

ولا شك أن هذه الخطة قديمة نفذت تدريجيا منذ عام 1919 وتهدف إلى نقل الفلسطينيين إلى دول عربية يعيشون ويعملون بها خارج وطنهم الأصلى.

وفى 20 ديسمبر 1940 كتب يوسف فاتيس أحد زعماء الاستيطان الصهيونى: «إنه يجب ترحيل العرب من فلسطين إلى شرق الأردن والعراق وسوريا وستكون البلاد قادرة على استيعاب المهجرين اليهود».

ويوم بعد يوم يزايد عدد اللاجئين الفلسطينيين المسجلين حتى وصل فى عام 1999 بأربعة ملايين نسمة يعيش ثلثهم فى الأردن.

إن أخطر ما فى المشروعات الإسرائيلية أنها تصبح حقيقة ولو بعد حين وهو ما يفرض على الأردن أخذ ما يدبر لها بجدية وعلى الدول العربية مساندتها للبقاء على قيد الحياة وإلا تكرر السيناريو ذاته معها حسب قاعدة: إن الثور الأبيض أوكل يوم أوكل الثور الأسود.

لكن الملاحظة الأهم: إن التغيرات السياسية العربية التى تحدث لصالح إسرائيل تبدأ بمتاعب اقتصادية تؤدى إلى احتجاجات شعبية تنجو منها النظم المأزومة بالتفاهم مع إسرائيل وأكبر دليل على ذلك سفر أنور السادات إلى إسرائيل فى خريف عام 1977 بعد أن تفجرت تظاهرات الطعام قبل 11 شهرا فى يناير من العام نفسه أما الدليل القريب فيأتى من الأردن.

هناك دائما تحت المياه جزء أكبر من الجزء الظاهر فوق السطح.