حلمي النمنم يكتب: إعلانات رمضان.. ملاحظات وشكوك

الفجر الفني



اجتهد المجلس الأعلى للإعلام، قبل حلول شهر رمضان، فى تحديد إجراءات سوف يتخذها بإزاء الأعمال الدرامية التى تقدم خلال الشهر، للحيلولة دون إيذاء سمع وبصر المشاهد بعبارات قد تكون مؤذية أو خادشة للحياء، وتحمّل رئيس المجلس أستاذنا مكرم محمد أحمد فى سبيل ذلك كثيراً من الانتقادات، وبعضها كان سخيفاً.

 

غير أنه مع حلول الشهر الفضيل تبين أن التجاوزات لا تأتى من الأعمال الدرامية، ولكن من الإعلانات التى تُقدم على الشاشات، حتى إن المسلسل الذى تكون مدة عرضه 35 دقيقة على الأكثر يتم عرضه حوالى ساعتين ربما أكثر، الأمر الذى نشعر معه أن الشاشة صارت للإعلانات، وما عدا ذلك مجرد عروض  مكملة فقط أو مساعدة لتمرير الإعلانات والإيقاع بالمشاهد كى يجلس أمام الشاشة بحثاً عن عمل أو نجم يريد أن يتابعه، فتقدم له الإعلان أولا ثم الإعلان وبعده المادة التى يريدها أو ينتظرها.

 

وأخذت إعلانات هذا العام سمات خاصة، سوف نلاحظ اختفاء إعلانات الزيت والسمن التى كنا نراها كل عام، وكذلك إعلانات المشروبات الغازية، فقد كانت إحدى الشركات مفروضة علينا سنوياً عبر كل الشاشات.. هذا العام، نجد السيادة لما يمكن أن نسميه «إعلانات خيرية» وإعلانات العقارات  وشركات المحمول، وإن كانت الأولى صاحبة السبق فى الوقت وأولوية العرض، مع ملاحظة أن كثيرا منها بُذل فيه جهد ونُفذ بحرفية وإتقان فنى، ويمكن أن نرصد عدة أمور من متابعتها.

 

أولاً: بعض النجوم ممن كادت النجومية تنسحب عنهم أو لم يظهروا فى أى عمل رمضانى وجدوا فى الإعلانات فرصة لملاحقة المشاهد طوال هذا الشهر، ويدخل فى هذا الأمر بعض مقدمى برامج «التوك شو» الذين تختفى برامجهم خلال الشهر، والمعنى هنا أن «النجم» أو «المقدم» مفروض على الشاشة ولا فكاك للمشاهد منه.

 

ثانياً: باتت الإعلانات فرصة لغسيل بعض الأسماء أو المؤسسات التى تحوم حولهم بعض الشبهات، سواء شبهات الفساد أو «التأخون» خلال عامى 2012 و2013، فليست هناك فرصة لإعادة طرح هذه الأسماء وتنقيتها أمام المشاهد غير إعلانات الخير، والعطف على الفقراء والمرضى المحتاجين.

 

ثالثاً: بعض هذه الإعلانات يحمل رسالة سياسية، مفادها أن الدولة عاجزة عن أن تحل بعض المشكلات، مثل الصرف الصحى، لذا فإن أصحاب الإعلان تدخلوا بقلب رحيم للحل، وأن الحل معهم هم وبيدهم، أى أنهم لا يتدخلون هنا لمساعدة الدولة ولا المشاركة فيما تقوم به، بل ليكونوا الفاعل الأصلى.

 

رابعاً: يظهر بعض المشتاقين فى الإعلانات ليقدموا ما يعدونه إنجازاً كبيراً، قاموا به كأفراد، صحيح أن فى الخلفية مؤسسة أو جمعية ما، لكن تتم شخصنتها ونسبتها إلى فرد بعينه، هو على الأغلب مشتاق كبير، خاصة أن رمضان يأتى هذا العام ونحن نبدأ فترة رئاسية جديدة، والحديث فيها لم يتوقف عن تغيير فى المحافظين وربما فى مجلس الوزراء وأعضاء الحكومة.

 

خامساً: كامل التقدير والاحترام لفعل الخير والتصدق، هذه قيم رفيعة يجب أن نتمسك بها ونحض عليها، وهناك أسماء ونجوم شاركوا فى الإعلانات، لا نشك فى نبل هدفهم والنزوع إلى الخير لديهم، لكن أيضا أخشى أن يتم ترسيخ مفهوم سلبى لدى المواطن، وهو أن ينتظر «فاعلى خير» فرداً أو جمعية أو مؤسسة ليقدموا له «صدقة» أو «حسنة»، وأن يمارس البعض مع الفقراء أسلوب «المن»، بينما فى دولة القانون يجب أن نرسخ لدى المواطن مفهوم الحق والواجب، الذى يجب أن يحصل عليه معززا مكرماً، وليس تفضلاً ولا تصدقاً أو منة من أحد.

 

وترسخ أيضا أن مواجهة الفقر والاحتياج بتقديم الحسنات والصدقات فقط، بينما الحل هو فى الارتفاع بعمل الخير ليكون مفهوما ومشروعا للتنمية الإنسانية والمجتمعية. وأمامنا منطقة الدويقة مثلاً، كان الحل هو إقامة مشروع الأسمرات وليس تقديم كراتين الزيت والسكر لأهلنا هناك.. من فضلكم كفانا أسلوب الزيت والسكر.

 

سادساً: ليس لدينا ما يؤكد أن هؤلاء الفقراء والمحتاجين، الذين تم تصويرهم، جرى استئذانهم قبل التصوير وقبل الإعلان، لأن هذا قد ينطوى على تعريض بمشكلاتهم وهمومهم واستغلال فقرهم وعَوَزهم، فضلاً عن أن بينهم أطفالا، ونعرف أن كثيرا من القوانين فى مصر وفى العالم تمنع استغلال الأطفال وتصويرهم على هذا النحو.

 

سابعاً وأخيراً: هل هناك من يتحقق من مصداقية الأرقام التى تُقال والإنجازات التى تُذكر، فالذى يقول إنه عالج أبناء 64 قرية وقضى على المرض فيها، والذى يقول إنه يكسو ملايين المصريين، كيف نتأكد من صحة  ذلك ومصداقية ما يُقال، وأن الكاميرا لا تلعب بألوانها وزوايا التصوير، وأن فى الأمر افتعالاً ومبالغة؟!

 

نحن نعرف أن الرقابة على المصنفات الفنية تراجع الأعمال الدرامية قبل تصويرها وتبدى فيها رأيا، وشكّل المجلس الأعلى للإعلام لجنة للدراما لتتابع أيضا نفس الأعمال، لكن من يتابع المشهد الإعلانى ومن يرصد ما يجرى فيه؟!، والمؤكد أن الإعلان صار الحاكم المطلق والآمر الناهى فى الشاشات وما يعرض علينا فى شهر رمضان من مادة ومحتوى.. ما أعرفه أن الأمور فى الإعلانات تُقاس بالمال فقط، بغض النظر عن مدى ملاءمة أو فجاجة ما يُقال، هل ننسى إعلان الدجاجة الوطنية ومن قبله «استرجل» وغيرهما وغيرهما؟!، وكل عام ونحن جميعاً بخير.


المقال نقلا عن "المصري اليوم"