طارق الشناوي يكتب: في 5 يوينو مات مرتين.. أحمد سعيد.. أمجاد يا عرب أمجاد!

الفجر الفني




قبل 51 عاما كان أحمد سعيد يعلو صوته وهو يزف للمصريين والعرب عدد الطائرات التى أسقطناها للعدو الإسرائيلى، فى كل بيان يزداد الرقم، وعلى الجانب الآخر كانت الشعوب العربية تترقب أن ندخل بعد لحظات تل أبيب، مر يوم واثنان وكان لابد من إعلان الهزيمة، منذ ذلك التاريخ والإذاعى الكبير يدفع الثمن، مات إعلاميا فى 5 يونيو 1967، ومات إكلينيكيا فى 5 يونيو 2018.

قبل أيام قلائل سيطر علىَّ اسمه وأنا أكتب عن عيد ميلاد الإذاعة المصرية فكان العنوان (صندوق أحمد سعيد)، كان العرب فى الخمسينيات يطلقون على جهاز الراديو الضخم اسمه، وكان وقتها أحمد سعيد فى الوجدان العربى موازيا لجمال عبدالناصر.

أتحدث عن مرحلة التوجه القومى، وذلك قبل البث التليفزيونى بنحو 10 سنوات، تولى أحمد سعيد قيادة إذاعة صوت العرب، والغرض قطعا واضح من اسمها، أحمد سعيد كان مؤمنا بالعروبة وبقائد المسيرة، صوت أحمد سعيد يهدر بقوة (أكاذيب تكشفها حقائق)، والجميع يغنى للوحدة العربية، ونبرات صوته تحمل الثقة للجميع، حتى إنهم فى مطلع الستينيات كانوا يضعون صورة ثلاثية على كراسات طلبة المدارس فى اليمن تجمع بين عبدالناصر والمشير عبدالحكيم عامر وأحمد سعيد. والجماهير تهتف باسمه فى حضور عبدالناصر فى العديد من العواصم العربية، قال لى إن البعض أوعز إليه بأن الهتاف باسمه سيغضب الرئيس، إلا أن عبدالناصر أوصل له رسالة مطمئنة نجاحك هو نجاح للثورة.

كان البعض يرى أن إذاعة صوت العرب توجه بين الحين والآخر نقدا للنظام، وأن أحمد سعيد صنع إمبراطورية وينبغى تقليصها، ومراجعة كل البرامج قبل بثها، إلا أن عبدالناصر رفض أن يمارس أحد أى دور رقابى ضده.

هناك أيضا رؤية ترفيهية حرص عليها الإذاعى المخضرم، يوما ما قدم من خلال الثنائى الشهير فى الخمسينيات (الخواجة بيجو وأبولمعة الأصلى) برنامجا فكاهيا، وأكدا أن القيامة غدا، بلغت درجة المصداقية أن كل المصريين أصيبوا بالهلع، وأشارت أجهزة الأمن القومى إلى خطورة ما يحدث على أمن البلاد، وتم تقديم أبولمعة والخواجة بيجو ومخرج البرنامج وجدى الحكيم للمحاكمة بتهمة بث الذعر فى نفوس المصريين ولم ينقذهم سوى أن أحمد سعيد بالخط الساخن وصل للرئيس الذى أمر بغلق المحضر وبعدها منحهم أحمد سعيد مكافأة.

غادر أحمد سعيد الميكروفون مرغما عام 67، وكان عمره وقتها 45 عاما، أى فى عز العطاء، لأن صوته ارتبط بالهزيمة وبترويج الأكاذيب، فى الحقيقة لم يكن أحمد سعيد يكذب بل كان يذيع بالضبط ما تريده القيادة، ولو لم يفعل ذلك فإنه طبقا للأحكام العسكرية التى تُطبق أثناء الحروب يُعدم رمياً بالرصاص. من المؤكد أن قرار إبعاده جاء بموافقة من عبدالناصر، فلقد أراد أن يبدأ صفحة إعلامية جديدة. وعاش بعدها أحمد سعيد نصف قرن يدفع ثمن هزيمة لم يكن أبدا طرفا فيها، إلا أنه لم يستسلم.. كتب مسرحية تفضح الفساد (ليمونة فى بلد قرفانة) لثلاثى أضواء المسرح، وقبل العرض  صادروها، إلا أنه لم يتوقف، وسجل مذكراته لتصبح شاهدة على زمن عاش فيه نصف عمره تحت الأضواء، والنصف الثانى- بأمر القيادة السياسية، ورغم تعاقب الرؤساء- فى قبو الظلمات!!.

المقال نقلًا عن "المصري اليوم"