صفاء تقود "السوزوكي" لتحقق حلم ابنتها في الثانوية العامة: "اقتطعت من راحتي لأجلها"

تقارير وحوارات



"الإيد البطالة نجسة".. شعار نصبته أمام عينيها منذ سنوات، فصنعت منه القوة التي منحتها القدرة على العمل بحثًا عن رزق أبنائها الأربعة، فرفضت الاستسلام، وقررت أن تحارب الظروف الاقتصادية القاسية التي عاشتها أسرتها بعد أن اضطر رب المنزل لترك العمل بشكل مفاجئ، وهو ما دفعها للبدء في الخروج إلى الشارع بسيارتها الصغيرة التي جعلت منها المصدر المادي الأساسي، حيث تعينها على احتياجات ابنتها التي تخوض معاناة ماراثون "الثانوية العامة" هذا العام.

 

في تمام السادسة صباحًا، تخرج مدام صفاء، السيدة الأربعينية، بسيارتها "السوزوكي" لممارسة عملها بالدورات المدرسية، حيث تقل الطلاب والطالبات من المنزل إلى المدرسة، ومن ثم تعيدهم إلى بيوتهم مع نهاية الدوام الدراسي، وتتنقل بين الشوارع مع غروب الشمس، للاتفاق مع بعض الزبائن على "توصيلة" خاصة إلى بعض المناطق أو إلى مراكز الدروس الخصوصية.

 

ومع نهاية اليوم، تجمع السيدة ذات الأربعين عامًا، ما تجنيه من رزق، لتعود به إلى أطفالها، فتقتطع جزءا منه لتخصصه إلى دروس ابنتها قبل امتحانات "الثانوية العامة"، والتي عملت لأجلها فترات أطول هذا العام:"عشان متبقاش أقل من زمايلها وميكونش عندها حجة للمذاكرة"، فتوفر لها وسائل الراحة والرفاهية بقدر المستطاع، حتى تهيئ لها جوًا نفسيًا ملائمًا بعيدًا عن المشاكل المادية التي تعيشها الأسرة في المنزل.

 

وبالرغم من مواظبتها على العمل كل صباح دون انقطاع؛ إلا أن صباح يوم الأحد، لم يكن عاديًا بالنسبة لـ"صفاء"، التي لم تتمكن من الخروج إلى عملها كالعادة، حيث حرصت على اصطحاب ابنتها بسيارتها في تمام الثامنة، إلى لجنة الامتحان مع أول أيام "الثانوية العامة"، فجلست أمام المقود الذي تسند به مصحفها الصغير، لتحتمي من حرارة الشمس بظل سقف "السوزوكي" الخاصة بها، ثم استهلت تلاوة القرآن أمام باب المدرسة -حيث أوقفت السيارة- لمدة تجاوزت الثلاث ساعات بشكل متواصل، لم يفصلها عنه سوى دخولها إلى المسجد لأداء الفروض.

 

"خدت راحتي وإديتهالها عشان مكونش قصرت"، بنبرة يشوبها القلق والتوتر، وصفت السيدة الأربعينية، بهذه العبارة المقتضبة، المجهود الكبير الذي بذلته طوال هذا العام، أملًا في أن تحصد ابنتها ثمار كفاحها في النهاية، وتحقق حلمها بالالتحاق بكلية الطب "دي الحاجة الوحيدة اللي هتثبتلي فعلًا إني ست بـ100 راجل وقدرت أكبر وأعلم أحسن تعليم".

 

 حاولت سائقة "السوزوكي" ألا تنشغل بأي شيء آخر عن الدعاء واللجوء إلى الله في هذه اللحظات، فسرعان ما عادت لتنعزل عن الأجواء المحيطة بها، لتستأنف  تلاوة القرآن، والتمتمة ببعض الأدعية بالتوفيق لابنتها ولأقرانها، بصوت عجز بالرغم من علوه عن إخفاء قلقها، حيث تجسد في دقات قلبها الذي كاد يخرج من بين ضلوعها بسبب شدة الوجل والذعر التي انتابتها طوال ساعات الامتحان، خوفًا على مستقبل صغيرتها الذي لا تنام لأجله.