في قاهرة المعز.. أسرة "قسمة" السودانية تقضي رمضان بطقوس مختلفة

تقارير وحوارات



بضع دقائق فاصلة عن أذان المغرب؛ جلست "قسمة" خلالهم مع أبنائها بجوار أحد الأسوار المحيطة بساحة مسجد الحسين تنتظر زوجها؛ فتلتفت يمينًا ويسارًا، وتجول بعينيها متأملة تفاصيل هذا البهو الكبير تارة، ثم تُدير وجهها تارة أخرى نحو الأرصفة الرخامية التي تتوسط هذه البقعة، والتي تعُج بموائد الرحمن لغير القادرين، وتكتظ بالباعة الجائلين، في الوقت الذي يتحرك فيه أصحاب المطاعم والعاملين كالنحل لاستقطاب السياح والمارة لتناول طعام الإفطار داخل محلاتهم.

 

"زرت مصر كثيرًا ولكنني لم أشهد رمضان هنا من قبل".. بلكنة مختلفة تظن للوهلة الأولى أنها "النوبية" فيما عدا بعض الكلمات والحروف البسيطة التي ميزتها؛ حاولت السيدة السودانية التي تبلغ من العمر ستة وثلاثون عامًا، أن تصف إعجابها بهذا المشهد الروحاني الذي تجسد أمامها، والذي لاطالما حلمت لسنوات أن يتزامن حضورها إلى القاهرة لزيارة أقاربها، مع حلول الشهر المبارك.

 

بمجرد أن لاحظت إقبال الزوج عليها؛ نهضت "قسمة" مع أطفالها، بعدما أدركت إن والدهم تمكن من العثور أخيرًا على طاولة -دون حجز مسبق- بأحد المطاعم القريبة من المسجد، ليجتمعوا عليها مع أسرة شقيقتها التي تقطن في مصر منذ سنوات، إلا أن المشهد أمامهم جعلهم في حالة من الذهول، لانعزال الجميع والخصوصية المفرطة التي تتسم بها كل طاولة طعام "الأمر يختلف بعض الشيء في السودان، فنحن نحب أن نتشارك الطعام في موائد كبيرة وولائم لا نهاية لها تملأ الشارع ليجتمع عليها الغريب والقريب، ولانفضل تناول الإفطار في المنازل أو مطاعم الوجبات السريعة كثيرًا، حيث ننشغل طوال اليوم بتحضير كميات كبيرة من الصواني تكفي الجميع، حتى لا نخلق شعورًا بالتفرقة".

 

لم يكن هذا هو الفرق الوحيد الذي لاحظته السيدة الثلاثينية في موائد تناول الإفطار، فالأطعمة التي اعتادوا عليها تختلف عن الصحون التي تشتهر بها مصر في هذا الشهر، فالعصائر التي تُباع لدى المحلات تخلو من "الأبريه" أو "الحلومر" وهو مشروب سوداني شهير، اعتادوا عليه ليروي ظمأهم في الإفطار وعند السحور، حيث يتم صنعه من الذرة وخليط من التوابل والأعشاب الطبيعية، ليضطر رب الأسرة إلى استبداله ببعض زجاجات عصائر "التمر الهندي" و"السوبيا".

 

"الحمدلله وفرنا التمر ومش لازم البليلة".. الأجواء الروحانية التي أنعشت قلبها، جعلت "قسمة" راضية بالاستغناء عن عادة تناولهم لطبق "البليلة" بعد حبات التمر، والتي اعتادوا في السودان أن تكون جزءا من الوجبة الخفيفة المخصصة لكسر الصيام قبل صلاة المغرب وتناول طعام الإفطار، والذي افتقدوا فيه وجباتهم الشهيرة المتمثلة في "النعيمية" – وجبة تشتمل مكوناتها على الزبادي أو اللبن الرائب وبعض البهارات- و"العصيدة" التي تصنع من اللحم المفروم والبصل، بالإضافة إلى "المفروكة" والتي تعد من لحم البقر أو بالدجاج والسبانخ ممزوجة بالبهارات.

 

بعد الانتهاء من وجبة الإفطار التي استقرت أن تكون "سندويتشات" جاهزة؛ حيث كان صعبًا عليهم اصطحاب هذا العدد إلى مطعم سوداني باهظ الثمن؛ طلب الأولاد طبقًا من "العوامية" للتحلية، والتي يطلق عليها "لقمة القاضي" أو "زلابية" في مصر، لتتنهد السيدة بارتياح "أخيرًا لقينا حاجة تشبه عندنا"، فهي تعد من أطباق الحلوى الشهيرة في السودان مع الكنافة كما في مصر.

 

لم تفكر أسرة "قسمة" كثيرًا في الاختلافات الجلية ببعض الطقوس الرمضانية والأطعمة، حيث انصب اهتمامهم على زيارة قاهرة المعز المرصعة بالقطع الأثرية الجذابة التي امتزجت بالبقاع الروحانية الطاهرة، والتي جذبتهم لأداء صلاة التراويح داخل مسجد الحسين، ودفعتهم لزيارة العديد من المناطق التاريخية الشهيرة بالقاهرة "أول رمضان اتجهنا فور وصولنا مصر لزيارة مقام السيدة زينب الشهير، وشعرت بقدسية المكان بمجرد أن وطأت قدماي أرضه، هذا يغنيني عن كل الاختلافات الأخرى، فهو ما تمنيته وتحقق في 2018".

 

وبالرغم من هذه الفروق، تتقارب بعض العادات التي تميز البلدين الشقيقين، فالفوانيس وعناقيد الزينة ذات الألوان البراقة تملأ شوارع الخرطوم، ولا تخلو يد طفل منها "لذلك حرصت على شراء الفوانيس الملونة لصغاري من هنا حتى يستشعروا جمال الشهر، ويشتاقوا إلى قدومه سنويًا، كما أتطلع أنا أيضًا إلى حضوره مرة أخرى في مصر".