عادل حمودة يكتب: صحافة كشف الفساد التى لا يعرفها عادل إمام

مقالات الرأي



لا يوجد وزير يسقط بمقال حتى لو كان مدعومًا بمستندات وإبراهيم سليمان أكبر دليل على ذلك

الصحفى الذى يواجه مافيا الفساد يعاقب بالتشهير والتهديد والطرد من منصبه ويقف أمام القضاء أكثر مما ينام فى بيته

الحكومة لا تفرط فى رجالها وتعيين ممدوح الليثى مسئولا عن جهاز السينما بعد محاكمته إداريا يثبت ذلك


كثيرا ما لا يعرف الصحفى هل يكتب أم يبكى؟.

هل ينتحر بكلامه أم ينتحر بصمته؟.

هل يمشى على الأشواك والمسامير أم يبتلعها؟.

إن من النادر الاعتراف بالحقيقة فى وطن لا يحتملها ويعاقب من يكشفها أو حتى يقترب منها.

ولكن الكاتب الجرىء هلال كامل وشهرته عادل إمام له رأى آخر عبر عنه فى مسلسله الأخير عوالم خفية فهو قادر على كشف فساد وزير فى السلطة وإسقاطه وسجنه بسرعة وسهولة وكأنه يشرب فنجان قهوة والأهم أن الحكومة تستسلم دون مقاومة بل يستقبله رئيسها مشيدا به مؤكدا: أن لا أحد فوق الحساب والعقاب.

والمؤكد أن النجم الكبير يستحق الشكر على تجسيده شخصية صحفى محترم لا يكف عن مطاردة الفاسدين والمنحرفين والفاسقين بعد أن شوهت الدراما السينمائية والتليفزيونية صورة الصحفيين وركزت على النماذج الانتهازية المتسلقة منهم بل أشارت إلى نجوم كبار منهم بعلامات تدل عليهم.

ولكن كان من الممكن أن يتضاعف الشكر لو استشار عادل إمام الصحفيين الذين يعرفهم وهم بالعشرات فى السيناريو الخيالى الذى جسده قبل أن يتورط فيه.

إن الحكومة فى مصر منذ زمن رمسيس الثانى آلت على نفسها حماية رجالها مهما فاحت منهم رائحة العفن ولم تسمح طوال تاريخها البعيد لأحد أن يجبرها على الإطاحة بوزير رغم أنفها ولو ضاعف ذلك من شعبيتها أو أسعد الرأى العام.

الحكومة وحدها تختار من تشاء ولو كره الناس وهى وحدها التى تقيل من تشاء ولو ضغط الناس ولا تقبل إلا فيما ندر أن يفرض أحد توقيتا لقراراتها بل تعاقب من يجبرها على ذلك ولو بعد حين.

لقد كان فساد وزير إسكان وتعمير ومجتمعات جديدة مثل محمد إبراهيم سليمان أمرا شائعا يتداوله المجتمع سرا وعلنا ونجحنا فى جريدة «صوت الأمة» وقت أن كنت رئيسا لتحريرها فى تجميع مستندات دامغة لا حصر لها تثبت فساده ساهمت فى الحصول عليها بجانب منال لاشين ومحمد الباز وبعد شهور طويلة من النشر أدركت الحكومة أننا لن نوقف حملتنا فتدخل وزير الإعلام وقتها صفوت الشريف للصلح بيننا وكأننا كنا نختلف على ميراث أو نتنازع على أرض وبفشل المبادرة وجدنا أنفسنا أمام النيابة العامة للتحقيق معنا فى البلاغ الذى نصح الوزير بتقديمه وصاغه له رئيس مجلس الشعب الدكتور فتحى سرور حسب ما عرفت منه شخصيا.

وأمام نيابة اسئناف القاهرة ظل المستشار حامد راشد يحاصرنا بالأسئلة الصعبة لمدة ثمانى ساعات ولكن ما أن اطلع على ما تحت أيدينا من مستندات رسمية بعضها بخط يد الوزير نفسه حتى طالب النائب العام فى مذكرة رفعها إليه بحفظ البلاغ المقدم ضدنا وإحالة إبراهيم سليمان إلى نيابة الأموال العامة للتحقيق معه تمهيدا لمحاكمته وعقابه.

ولكن المذكرة جمدت فى الفريزر سنوات طوال حتى أقيل الوزير وخرج من حكومة أحمد نظيف فحفظ البلاغ وإن لم يحقق مع الوزير وترك يستمتع بما جمع من أموال وعقارات دون أن يفقد مكانته فى المجتمع ولا عضويته فى مجلس الشعب مشرعا للقوانين ومراقبا للمال العام.

بل أكثر من ذلك لم يتردد الرئيس مبارك فى تعيينه - إبراهيم - مسئولا عن إحدى شركات الخدمات البترولية وسمح له بالظهور فى التليفزيون الرسمى للدفاع عن نفسه حفاظا على ماء وجهه وحرصا على صورته ودعما لسمعته.

لم يسقط إبراهيم سليمان بالضربة القاضية كما سقط الوزير فى سيناريو عادل إمام بل ظل يتمتع بالرضاء السامى رغم أطنان التقارير التى كتبتها الجهات الرقابية ضده ولم يحاسب إلا بعد عشر سنوات تقريبا عندما سقط مع النظام نفسه فى فبراير 2011.

وفى القضايا التى اتهم فيها سددت زوجته عنه مئات الملايين من الجنيهات وصرحت بأن ثروة زوجها لا تزيد على المليار ولكنها لم تذكر مصدرها ولا كيف جمعها؟.

وعندما نجحت فى الحملة الصحفية التى عرفت بعنوان فضيحة على النيل فى إخراج ممدوح الليثى من مملكته فى ماسبيرو والحكم عليه فى القضاء الإدارى بما يصعب النطق به لم ينسه صفوت الشريف وسعى جاهدا لتعويضه عما أصابه فاختاره مسئولا عن جهاز السينما فى مدينة الإنتاج السينمائى وظل إلى جانبه حتى استرد نفسه.

بل أكثر من ذلك تعرضت فى كثير من القضايا التى كشفتها إلى حملات شرسة شهرت بى وهددتنى أنا وعائلتى بالحرق بـ«مية النار» وأنفقت أموال لا حصر لها لاغتيالى معنويا بتلفيق تهم جنائية وأخلاقية يصعب النجاة منها لولا ستر الله.

لا أحد يقول لك برافو يا أستاذ هلال جمال ولا يستقبلك رئيس الحكومة ليشد على يديك معجبا بخلع وسجن أحد وزرائه من منصبه بمقال واحد لا شريك له ولن تتركك الصحافة الرسمية تنعم بنجاحك بل ستفتش فى حياتك بحثا عن ثغرات شخصية تهاجمك منها وستمول عصابات الفساد التى استفادت من الوزير حملات أخرى فى صحف خاصة وعامة ضدك فالأشياء عندما تسقط فإنها تحدث صخبا هائلا.

ولكن للإنصاف هذا يحدث أيضا فى صحافة أكثر الدول حرية وديمقراطية.

لقد رأيت بنفسى كيف تحطم صحفى أمريكى شهير حصل على جائزة بوليتزر هو جارى ويب الذى التقيته فى نادى الصحافة المطل على البيت الأبيض وهو فى حالة غياب عن الوعى بسبب الخمر التى لم يتوقف عن احتسائها ليل نهار ثم قتل برصاصتين فى الدماغ وسجل الحادث انتحارا رغم أن المنتحر تكفيه رصاصة واحدة.

كان جارى ويب قد كشف عن إتجار وكالة المخابرات المركزية (الأمريكية) فى المخدرات وبيعها فى أحياء السود الفقيرة لتمول بأرباحها عملياتها السرية القذرة فى أمريكا اللاتينية وما أن نشر ما يثبت ذلك حتى نفضوا سيرته الذاتية وعثروا على امرأة قضى معها ليلة عابرة كانت كفيلة بتدمير حياته العائلية وضغطوا على الشركة المالكة للصحيفة حتى طردته.

وفى السنوات التى توليت فيها مسئولية تحرير «روز اليوسف« تابع عادل إمام معنا حربنا العنيدة ضد الإرهاب وشاركنا فيها وانضم معنا إلى قائمة المطلوب اغتيالهم وذات يوم عرفنا بمبادرة صاغها كبار رجال الدين فى مصر على رأسهم الشيخ متولى الشعراوى والشيخ محمد الغزالى والدكتور عبد الصبور شاهين للصلح بين الجماعات الإرهابية المسلحة ووزارة الداخلية وقت أن كان يتولاها اللواء عبد الحليم موسى الملقب بشيخ العرب والذى كان يقرب منه مجذوبا شابا لا يفارقه.

وأخرج موسى من السجن عبود الزمر والشيخ عمر عبد الرحمن والتقى بهما فى مكان خفى ليستمع إلى شروطهما فى إيقاف العنف ومنها أسلمة مناهج التعليم والإعلام والدعوة لوضع الحجاب وارتداء النقاب ورغم استهزاء أمراء الإرهاب بالوزير فإنه وافق على دراسة شروطهم قبل عرضها على القيادة السياسية.

وما أن نشر إبراهيم عيسى وعمرو خفاجى وإبراهيم خليل وعبد القادر شهيب وغيرهم التفاصيل حتى خرج رئيس الحكومة الدكتور عاطف صدقى ليصرح علنا بأن ما نشرته «روز اليوسف» عار من الصحة دون أن يستوعب أنه كان آخر من يعلم.

ويصعب قبول أن موسى تصرف من دماغه ولابد أنه أخذ الضوء الأخضر من الرئيس نفسه لكن بعد فضح الأمر كان لابد من التخلص منه فأقيل على الفور ليس استجابة لـ«روز اليوسف» وإنما حماية للسلطة السياسية.

غابت هذا النماذج الحية عن عادل إمام المعروف باندماجه فى قضايا الرأى العام وسلم خبرته إلى ورشة كتابة شابة تأخذ من السينما الأمريكية قطع قماش متناثرة لا تشكل سوى ثوب مرقع لا يستر من يلبسه ولو بدا مبهرا بألوانه المتعددة.

وكان على عادل إمام استشارة صحفيين احترقوا بالنار التى كبشوها بأيديهم وهم سبقوه واقعيا فيما سعى إلى تمثيله دراميا مثل عبد الحليم قنديل الذى أتصور أن عادل إمام لم ينس ما جرى له عندما انتقد مبارك أو جمال فهمى الذى دخل السجن فى قضية نشر أو وائل الإبراشى الذى تردد على النيابات والمحاكم أكثر مما تردد على مكتبه أو إبراهيم عيسى وعمرو خفاجى ورؤوف توفيق أو غيرهم من الصحفيين المحترفين الذين على صلة بهم.

إن المسلسلات النفسية والتاريخية والدينية والجنائية تراجع من متخصصين فى هذه المجالات لضمان سلامتها فلم غاب ذلك عن عادل إمام وكان صديقا لكبار الصحفيين ومنهم محمد حسنين هيكل وسمع منهم كيف تصنع الحملات الصحفية؟ وكيف تشهر الأطراف المتهمة بمن يتجرأ ويقترب منها؟ وما مدى صعوبة توقيع معاهدة فك ارتباط بين لحم الكاتب وأسنان أسماك القرش السابحة فى بحيرات الفساد؟.

لكنه الاستسهال الذى يفقد الدراما قيمتها ويحولها إلى أكياس من الفشار نتسلى بها تصيبنا بعسر الهضم وتجلب لأصحابها الملايين من أموال الإعلانات.

ولابد أن تتعجب من اهتمام هلال كامل بمطاردة الفاسدين خارج بيته دون أن يتوقف عن محاسبتهم داخل بيته بعد أن فضح حفيده انحرافات أبيه المالية والأخلاقية أمين عام مجلس الوزراء أمامه)

كما بدا هلال كامل لا يعرف حقيقة الصحيفة التى يعمل بها والتى يمتلكها رجل أعمال فاسد يدعم مرشحًا للرئاسة ليكسب المزيد من ورائه.

وليست الحملات الصحفية مائدة من السماء تهبط علينا أو دفتر مذكرات نجمة سينمائية يصل إلينا عبر سيارات القمامة.

لابد من وجود مستندات قوية نحصل عليها وندرسها ونحققها ولا نجرؤ على النشر إلا بعد التأكد من سلامة موقفنا القانونى.

لا نتورط فى النشر دون دليل تحت يدنا كما فعل هلال كامل ليبحث بعد ذلك عما يدعم صحة موقفه بطريقة ساذجة (دخول شقة النجمة القتيلة للبحث عن المستندات بعد أن وجد مفتاح الشقة فى غلاف المذكرات) ليخرج من القضية كالشعرة من العجين.

لقد أضاع عادل إمام فرصة ماسية لتقديم عمل درامى جيد ينصف الصحافة ويكشف أسرار صناعتها ويعبر عن متاعب أبنائها الذين يدفع أغلبهم ثمنا فادحا بحثا عن الحقيقة ويضيئون الظلام ولو بشمعة رغم المحاولات التى لا تتوقف لأخذ الشمع والكبريت منهم وضربهم على أيديهم.