محمد رضا يكتب: انخفض التضخم ولم تنخفض الأسعار

مقالات الرأي




منذ قرار تعويم الجنيه في نوفمبر 2016 وزيادة أسعار الوقود، ارتفعت معدلات التضخم لمستويات قياسية سجلت أعلى مستوى لها في يوليو 2017 حيث بلغ التضخم الأساسي 35.25% والتضخم العام 32.95%  وهو أعلى مستوياتها من 31 عامًا، حيث يعد هذا أعلى مستوى للتضخم منذ عام 1986 عندما بلغ 35.1% والثاني منذ بدء تسجيل بيانات التضخم عام 1985.

 

 وكان الاتجاه لتعويم سعر الصرف من ضمن السياسة النقدية للبنك المركزى والتي استهدفت اتجاهين الأول توفير العملة الأجنبية والقضاء على السوق الموازية وزيادة الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية لدى البنك المركزي، والاتجاة الثانى هو السيطرة على معدلات التضخم من خلال رفع سعر الفائدة على الإيداع والإقراض 950 نقطة أساس؛ لسحب السيولة والسيطرة على التضخم، الذي وصل لأعلى مستوى له منذ مايقرب من ربع قرن.

 

 

وبالفعل.. نجحت السياسة النقدية في اتجاهها الأول فقط بتوفير العملة الأجنبية والقضاء على السوق الموازية وزيادة الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية لدى البنك المركزي بالتزامن مع تطبيق مجموعة من القرارات للحد من الاستيراد بالعملات الأجنبية، أما الاتجاه الثاني فلم ينجح على الإطلاق برفع أسعار الفائدة لمجابهة التضخم، حيث تصاعدت معدلات التضخم لمعدلات قياسية لم نشهدها منذ أكثر من ربع قرن، حيث اعتقد المركزي أن رفع أسعار الفائدة سيخفض معدلات التضخم ولكن الحقيقة أن رفع أسعار الفائدة ساهم في زيادة أسعار السلع والخدمات وبالتالي ارتفاع التضخم فكلما ارتفعت الفائدة ارتفعت تكلفة التمويل للمصانع والمشروعات وبالتالي ترتفع تكلفة الإنتاج وترتفع أسعار السلع فيعاود المركزي رفع الفائدة فترتفع التكلفة فترتفع الأسعار مرة أخرى ونستمر في ذات الحلقة المفرغة.

 

 

عادة ما يرتفع التضخم بسبب جانب العرض وليس جانب الطلب وبالطبع يعتقد المركزي عكس ذلك، بجانب التأثير السلبي لرفع أسعار الفائدة على معدلات الاستثمار وما أدت إليه من رفع تكلفة الاستثمار وسحب السيولة من الأسواق معززة حالة الركود في الأسواق دافعة نحو ركود تضخمي وبالطبع أثر ذلك على جني الاقتصاد المصري والمواطن لثمار برنامج الإصلاح الاقتصادي والذي نجح بشكل استثنائي في شق السياسة المالية، لكن كانت طريقة إدارة السياسة النقدية هي السبب الرئيسي في عدم جني ثمار الإصلاح الاقتصادي في شق جذب الاستثمارات وتوفير فرص عمل والذي حقق نجاح أبهر العالم وأشادت به كافة المؤسسات الدولية.

 

 

مؤخراً بدأت معدلات التضخم من حيث القياس في الانخفاض حين بلغ التضخم الأساسي 11.61% والتضخم العام 13.12% بنهاية أبريل 2018، وهذا أمر يحير رجل الشارع حين يسمع الأرقام تقول أن التضخم انخفض ولكن فعليًا في الأسواق لم تنخفض أسعار السلع والخدمات بل مستمرة في ارتفاعاتها، وحقيقية الأمر أن رجل الشارع محق فقد انخفضت معدلات التضخم ولم تنخفض الأسعار بل استمرت في الارتفاع؛ ويرجع ذلك إلى أنه مع مرور عامين على قرار التعويم وتحديداً منذ نوفمبر 2016 اختلفت سنة الأساس أو سنة المقارنة حيث يتم قياس التضخم بفارق الارتفاع في أسعار السلع الآن مقارنة بأسعار السلع بنفس التاريخ من العام المقابل وبالتالي عند مقارنة أسعار السلع في 2018 بأسعار السلع في 2016و2017 نجد تراجع مستويات التضخم دون تراجع الأسعار في الأسواق ويرجع ذلك كما أشرت إلي تغير سنة المقارنة حيث أن الأسعار ارتفعت بشكل حاد وخاصة منذ نوفمبر 2016 ولكن إذا قارنا مستويات الأسعار في 2018 بأسعار 2016 أو2015 سنجد أرتفاع أسعار السلع والخدمات من 50% إلي أكثر من 300% مع استمرار ارتفاعها، لذلك من المتوقع خلال الفترة الحالية تحرك طفيف لمستويات التضخم أو ثباتها حول معدلاتها دون انخفاض حقيقي للأسعار في الأسواق مع ارتفاعها بشكل كبير تزامناً مع شهر رمضان، ثم في بداية شهر يوليو 2018 مع توقعات تحريك أسعار الوقود والطاقة.

 

 

 

ومن المتوقع مع تحول السياسة النقدية مؤخراً إلى سياسة توسعية بتخفيض أسعار الفائدة على الإيداع والإقراض لتصل إلى 16.75% على الإيداع و17.75% على الإقراض واستمرار الاتجاة النزولي لأسعار الفائدة كما هو متوقع بالتخفيض 200 نقطة أساس خلال المدى المتوسط أن تتحسن مستويات ومعدلات الاستثمار مع عودة الانتعاش للأسواق، بالإضافة إلى تحسن القدرة الشرائية للمواطنين نسبياً وانحصار ارتفاعات مستويات التضخم تأثراً بجانب العرض نتيجة لبدء انخفاض تكاليف الإنتاج والتمويل.