طارق الشناوي يكتب: الكل كان يضبط ساعته على توقيت "أسامة أنور عكاشة"!!

الفجر الفني



وكأنه بعد مرور 8 سنوات على رحيله لا يزال معنا، أراد أن يُطل علينا مجددا فى أيام شهر رمضان، كانت مسلسلاته تضىء ليالينا وتجمل أيامنا، ظل على مدى ربع قرن يُشكل طقسا رمضانيا فى البيت المصرى والعربى، فهو المتحدث الرسمى لآمالنا ولسان حال آلامنا، لا أصف زمنه كما يحلو للبعض بالجميل، لأن هذا يعنى أننا نعيش زمن القبح، بينما الجمال والقبح متلازمان، فقط كان زمن دراما أسامة أنور عكاشة.

يطلقون عليه ورق، الورق حلو أدخل الاستوديو على الفور، إنه السلعة النادرة فى سوق الدراما، الجانى والمجنى عليه، المذنب والضحية، عاش كُتاب الدراما فى الظل لا أحد يسأل أو يتابع أو يعرف حتى أسماءهم، دراما التليفزيون ارتبطت بأسماء كبار المخرجين منذ أن دشنها نور الدمرداش مطلع الستينيات، ثم تعددت أسماء المخرجين، وأغلبهم من تلاميذه، مثل فاضل والعلمى وعبد الحافظ وإنعام والشقنقيرى وغيرهم، لم نعرف الكاتب كقيمة موازية للمخرج حتى مطلع الثمانينيات، عندما جاء أسامة أنور عكاشة كنقطة فارقة استثنائية لتتجسد فيه قيمة المؤلف النجم الذى تسوق الأعمال باسمه، ويضبط المتفرج ساعته على موعد بث المسلسل، فكان هو توقيت (جرينتش) الدرامى.

عشنا زمناً كان يتصدر فيه اسم المخرج والكاتب المصنف الفنى وبعدها نقرأ أسماء الأبطال، كان أجر كاتب بحجم أسامة يساوى بالضبط أجر كبار النجوم، قبل أن ندخل بشراسة عصر الفضائيات، حيث بات التسويق باسم النجم أولا، فصار (البون) شاسعا بين النجم والمخرج والكاتب، والعصمة انتقلت ليد النجوم، هم المتحكمون فى كل التفاصيل.

تأتى ذكراه الثامنة فى الموسم الذى كان يتألق فيه وينتظره الجميع، وكأنه شاهد إثبات على ما يجرى، أسامة يبدو كمن استحدث صنفا، لديه حديقة درامية مترامية الأطراف لها مفرداتها، عدد من الكتاب الذى جاءوا بعده لم يتعاملوا مع منتج أسامة أنور عكاشة باعتباره يعبر عن قناعات كاتب ولكن صار هو الكتابة نفسها، وهكذا وجدنا عشرات من الأعمال الفنية تجرى أحداثها فى حديقة عكاشة، وكما قال أحد أصدقائه إنه ترك (زير) على الباب، ومن لم يدخل الحديقة اكتفى بأن يشرب (كوز) أو اثنين، حتى ظهر جيل جديد بينه قطعا موهوبون قفزوا بعيدا عن سور الحديقة، كما أن هناك على الجانب الآخر موهومون كثر، لم يفعلوا شيئا سوى أنهم اعتقدوا أن حرق حديقة عكاشة بداية طريق الإبداع.


أسامة ابن الإعلام الرسمى، إلا أنه لم يكن يوماً صوتاً للنظام، كان «أسامة» صوت أسامة، كثيراً ما اصطدم بالنظام، حتى إن حلمه بتقديم فيلم عن حرب أكتوبر لم يتحقق برغم أن كل المؤسسات السيادية قد وافقت ومنحت ضوءاً أخضر، فقد تعرض لهجمة شرسة من مؤسسة صحفية كبيرة مطلع التسعينيات، قالوا إنه ليس ساداتياً، وأكتوبر هو انتصار السادات، كان «أسامة» يحلم بأن يقدم الفيلم من خلال الجندى الذى حارب وليس القائد الذى اتخذ القرار، كان يهاجم سطوة الإعلانات ووصفها بالبقرة المقدسة، ومدافعا شرسا عن الحرية، وأظنه كان سيقف فى الخندق المقابل لمواجهة كل اللجان التعسفية التى أقاموها لتكبيل الدراما.


قلت لأسامة فى آخر برنامج تليفزيونى سجله وقدمته الإعلامية عزة مصطفى�� لو كنت مسافرا إلى رحلة الخلود ووضعت فى حقيبتك كل مسلسلاتك البالغ عددها 43، وطلب منك المسؤول أن تتخلص من ثلاثة لأن الوزن زائد، فما هى؟، تشكك فى براءة السؤال، أجابها ضاحكا (طارق) يقصد أكثر من ثلاثة، وأضاف أنه سوف يترك الحقيبة كلها ويصعد للطائرة غير مثقل بهذه الأحمال، ويكتب هناك من عالم الخلود من أول وجديد.

حلت ذكرى أسامة فكان ينبغى أن يتوقف قلمى عن اللهاث وراء ما يجرى دراميا على الشاشة، فى حضور أسامة أنور عكاشة لا صوت يعلو على صوت سيد الدراما!!.