طارق الشناوي يكتب: "القائمة السوداء" فى الدراما تدفع المجتمع للخلف دُر

الفجر الفني



المشهد المحذوف من مسلسل (نسر الصعيد) فج وغليظ، حيث يفترض علاقة كاملة بين القضبان والقطار، ولن أزيد فى الشرح حتى لا أفسد صيامكم، الأصل هو أن محمد رمضان ووفاء عامر على السرير بملابس النوم، ولكن وفاء طلبت أن يتم التصوير وهما يقفان فقط على مقربة من السرير، إنه مشهد يصلح لكى يتبادله الناس فى جلسة خاصة باعتباره نكتة (أبيحة)، ورغم ذلك فإن هذا الموقف يجب أن يخضع لجهة واحدة تتولى الحذف، وهى الرقابة على المصنفات الفنية التى لا تتقاعس عن أداء دورها، لا يمكن أن نتصور أن كل من يقدمون فنا ليس لديهم مسؤولية اجتماعية، بينهم قلة يعوزهم الواجب الاجتماعى، إلا أن هذا لا يعنى أن أسلوب العصا الغليظة هو الحل.

تعددت المنصات التى أعدت قوائم أطلقت عليها (سوداء) وزاوية الرصد تتوقف أمام التعاطى بمختلف أنواعه من السجائر للبانجو وبينهما الحشيش والهيروين والترامادول وغيرها.

احتلت المقدمة مسلسلات (فوق السحاب) و(نسر الصعيد) و(اختفاء) و(رحيم)، حيث إن صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطى، برئاسة غادة والى، وزيرة التضامن الاجتماعى، يسهر أمام الشاشة الصغيرة ويحصى عدد أنفاس السجائر والذى منه الذى تعاطاه الأبطال.

خطورة هذا التقييم الرقمى أنه مثل الريبوت لا يفرق بين موقف وآخر، لو طبقنا تلك القاعدة على فيلم عالمى حصل قبل 20 عاما على 12 جائزة أوسكار، ويعد واحدا من أكثر الأفلام رواجا وأهمها أيضا فنيا، أقصد (تيتانيك) للمخرج جيمس كاميرون، لاكتشفنا أنه يقف على القمة، حيث كان التدخين واحدا من سمات كل أبطال الفيلم، وذلك للإشارة إلى زوايا متعددة، وأهمها الفروق الطبقية بين أهل الدرجة الأولى والثالثة فى الباخرة المنكوبة.

ولو جاءت الإطلالة محلية فإن أفلاما مثل (الباطنية) و(الكيت كات) و(الإمبراطور) و(المدمن) و(حتى لا يطير الدخان) و(العار) و(الكيف) وغيرها سوف تتم مصادرتها لا محالة، تلك العبارة الدالة التى التقطها الكاتب الراحل محمود أبو زيد عن الحشيش (إذا كان حلال أدينا بنشربه وإذا كان حرام أدينا بنحرقه) سوف يجدها البعض مبررا كافيا لتقديم ورثة الكاتب ومعه المخرج على عبد الخالق والأبطال الثلاثة محمود عبد العزيز وحسين فهمى ونور الشريف للمحاكمة فورا بتهمة الترويج للتعامل الشرعى مع الحشيش، سواء فى الحلال أو الحرام.

قبل ثلاثة أعوام شاهدنا مسلسل (تحت السيطرة)، وكان مركز مكافحة المخدرات فى البداية قد وضعه على قمة الأعمال المشجعة على التعاطى، ثم اضطروا للتراجع، بل وكرموا صُناع المسلسل، بعد أن رصدوا النجاح الجماهيرى الذى حققه.

لدينا مثلا فيلم (الباطنية) لحسام الدين مصطفى يرصد هذا الحى الذى كان وكرا للتعاطى برؤية شعبية ولدينا رؤية فرضت معالجة فلسفية مختلفة للمخدرات بتوقيع للمخرج داود عبد السيد فى فيلميه (أرض الخوف) و(الكيت كات).

ورغم ذلك لا يمكن توجيه إدانة لصنَّاع فيلم (الباطنية)، والذى يعد واحدا من أكثر الأفلام رواجا فى تاريخ السينما المصرية. الرصد الرقمى سيضعنا جميعا أمام مأساة خاصة أن لجنة الدراما ستتلقفه وتستند إليه فى إنزال العقاب على الجميع.

لا تنسى أنهم بصدد الإعداد لميثاق شرف ملزم، حيث يقف الكتاب والمخرجون والممثلون يقسمون خلف الأستاذ مكرم، رئيس المجلس الأعلى للإعلام، على أنهم تابوا وأنابوا وندموا على ما فعلوا ويكتب كل منهم تعهدا بأنهم لن يقدموا أكثر من مشهد واحد تعاطياً وألا يتجاوز زمنه نصف دقيقة وألا يزيد عدد أنفاس التعاطى بأى حال عن واحد.

الدراما الاسترشادية التى تسعى لجنة الدراما التابعة للمجلس الأعلى للإعلام لإقرارها لن تخلق سوى مسلسلات معزولة عن الناس لا يشاهدها ويشيد بها سوى أعضاء اللجنة الأفاضل!!.