أبناء ماليزيا على موائد الرحمن في الحسين يبحثون عن "بوبور لامبوء" (معايشة)

تقارير وحوارات



قبل رفع أذان المغرب، بدأ الطلاب الماليزيين المقيمين في حي الأزهر بالتوافد على مائدة الرحمن الكائنة قبالة مسجد الحسين، حيث تراصوا جنبًا إلى جنب منتظرين وجبات الطعام الذي يقيموا على توزيعه مجموعة من الشباب المتطوعين، الذين ينظر إليهم هؤلاء الطلاب بنظرات دهشة وتعجب "موائد الإفطار في ماليزيا مختلفة عن مصر كثيرًا" عبارة رددها أحدهم خلف محاورة مع زميله عن شكل المائدة والأطعمة المتواجده بها.

 

التفوا الطلاب حول المناضِد الخشبية، المُتراص عليها أكواب العصير وأباريق مليئة بالمياه، يتبادلون أطراف الحديث منتظرين كسر صيامهم عقب يوم صيفي شديد الحرارة، بينما ظلت نظرات فخري يوسف، تراقب أنواع الأطعمة داخل الواجبات باحثًا عن "بوبور لامبوء"- وجبه شعبية مرتبطة بشهر رمضان، وتتكون من الأرز باللحم والتوابل- إلا أنه أدرك أن من الصعب وجودها لأنها تعد من الأطباق الماليزية فقط، فعاد إلى القراءة في أوراقه مستكملاً مراجعة دروسه لحين موعد الإفطار.



ولكن الطالب بالفرقة الأولى كلية أصول الدين التابعة لجامعة الأزهر الشريف، لم يستطع التركيز وظل شكل المائدة يداعب تفكيره، لاسيما وأنه كان شديد الظمأ وبحاجة لتناول "التمر باللبن" الذي اعتاد عليه في بلده "أول رمضان أقضيه في مصر.. فطرت أول أيامه مع أصدقائي الماليزيين الذين حرصوا على طهي الطعام كما اعتادنا عليه بالرغم من انقاصه بعض الشىء لظروفهم المادية.. ولكن عودت إلى مسكني بحي الأزهر واتفقنا أنا وزملائي الأكبر مني أن نفطر في إحدى الموائد القريبة منا مثلما كانوا يفعلوا كل رمضان.. ولكني فؤجأت باختلافات كثيرة فجوان الطعام عندنا تكون  رادِحه، ومليئة بعصيدة اللحم والأرز البسمتي بالمكسرات والتوابل المختلفة.. كما تحتوي المائدة على بوبور لامبوء الأساسية في الشهر الكريم بالاضافة إلى الكثير من العصائر الطبيعية والتمر بجميع أنواعه".



وبالرغم من اختلاف موائد الرحمن بين"مصر-ماليزيا"، إلا أن عبدالله إسماعيل، الطالب بالفرقة الرابعة، والماكث مع "فخري" في إحدى بيوت الضيافة مقابل مبلغ مالي يصل إلى 300جنيه، والذي يجد صعوبة في توفير نفقات المعيشة يرى أن الأجواء الرمضانية في مصر القديمة لا تختلف كثيرًا عن ماليزيا فالطقوس والمساجد العامرة بالذكر والدروس الدينية طيلة الشهر تشعرنا وكأننا في وطنا، ولكن كل بلدان العالم لها طقوس خاصة وعادات ومنها موائد الرحمن بمصر"لاحظت ان بعد الافطار الكل يتفرق بشكل سريع.. بماليزيا نجتمع لنصلي معًا المغرب عقب كسر صيامنا بالتمر من ثم نتجمع لتناول الطعام".



بينما حاول إبراهيم عبدالجبار، أن يندمج رويدًا رويدًا مع بعض عاملين النظافة الذين يجلسون بجانبه على المائدة؛ لكي يشعر بالجو الأسري الذي حرم منه في الشهرالكريم منذ أن التحق بكلية أصول الدين في جامعة الأزهر، لا يكترث بشكل المائدة، بحجم انتباه وتركيزه لحوارات العمال، لعله يتقن اللغة بالعامية، خاصة أنه لم يتم أكثر من عام على إقامته في مصر "عندما أتيت وأنا لدي أزمة في التواصل بشكل جيد مع أفراد المجتمع المصري وأريد ان يفهونني.. لأننا نتحدث  لغتنا العربية بالفصحى وبشكل مكسر".

 

وعقب تبادل الحوارات الممزوجة بالضحكات بينهما، سادت حالة من الألفة والحب جعلت إحدى العمال يتقاسم معه "وجبته"، معتبره نجله الأصغر"الناس هنا طيبة ونفوسها حلوة بتهون علينا الوقت.. وما بنشعر إلا بالكرم.. الجميع يحاول يطعمنا.. ملامحهم رغم الشقى والتعب بتحاول تفرحنا بكلمات بسيطة فهذا الرجل يعرفني منذ بضع دقائق وأصر على أنني أزوره في بيته الصغير ليطعمني من يد زوجته التي يرى انها أفضل طباخة بمصر.. وهذا الشعور يكفينا عن القوت".



وبعد فترة طويلة  قضاها داخل المسجد منذ صلاة الظهر، تمكن خلالها من قراءة ثلاثة أجزاء من القرآن، كان يتلهف لشرب الماء المثلج، في ظل موجة الحار الشديدة، وما أن وصل إلى مائدة الرحمن وقبع برفقة زملائه ثم انخرط بالحديث دون اهتمام للأمر حتى رفع مؤذن مسجد الحسين أذان المغرب، وروى ظمأه بمياه دافئة بعكس ما تمنى"الحمدلله أن رويت عطشي فكاد الظمأ يقتلني خاصة انني استيقظت في التاسعة صباحًا لمتابعة دروسي.. فكل ما يهمني أن انهي دراستي بسلام وأعود لوطني محملاً بالعلم.. وأن اساعد أسرتي.. لذا أنواع الطعام وطهيها المختلف كليًا عن ماليزيا ما يهمني بشكل كبير".

 

أمضى الطالب بالفرقة الرابعة كلية أصول الدين، أربع سنوات في مصر شهد خلال شهر رمضان، واعتاد على تناول "المكرونة والدجاج، والعصائر البودرة والتمر هندي" على الإفطار حتى بات جزء من طقوسه الرمضانية في أم الدنيا " الطلاب الماليزيين في مصر حوالي 12 ألف طالب وطالبة يدرسون في جامعة الأزهر الشريف وبعض الجامعات المصرية الأخرى ومن الصعب توفر أكل ماليزي.. وإن وجد فأسعاره مرتفعة لا تناسب امكانيتنا المادية.. ناهيك أن البعض يتناولون الإفطار في موائد الرحمن واعتادوا على طهي الطعام المصري لسد رمقهم".