دكتور أحمد أبو رحيل يكتب: ثقافة الاحتجاج.. ثقافة التكفير.. ثقافة التخوين

ركن القراء



تعرضت مصر فى العقد الآخير من عمرها إلى ظهور بعض الثقافات التى انتشرت فى جميع أرجائها،وعلى جميع الاصعدة وعلى مختلف منابرها،وفى أغلب محطاتها الاذاعية وبرامجها المتلفزة.

هذه الثقافات: هى ثقافة الاحتجاج وثقافة التكفير وثقافة التخوين

وفى الواقع إنه من خلال قرائتنا للتاريخ المصرى الحديث، كانت هناك مثل هذه الثقافات،حتى وإن لم تأخذ هذا الاسم بالضبط ،ولكن كان لها نفس المعنى والهدف ،ولكن لم تأخذ هذا الكم من الانتشار، ولم تتاح لها هذه الامكانيات،حيث كانت عبارة عن نوبات يمر بها الشعب فى مرحل معينة تحت تأثير ظروف معينة،ثم يعود إلى طبيعته مرة اخرى، ولكن الآن وفى ظل هذه التغيرات المحلية والإقليمية والدولية ظهرت هذه الثقافات بوضوح. 

ونبدأ "بثقافة الاحتجاج"

 التى هى السمة الدارجة على اصحاب هذا الجيل، حيث بدأت  فى الظهور من عام( 2008 م) ثم بدأ يتعالى صوتها شيئا فشيئا،ولكن كانت تدخل تحت نطاق السيطرة، اومايسمى بالاحتجاج المتفق عليه،ولكن فى ظل انتشارمنظمات المجتمع المدنى وتدنى مستويات المعيشة وتدهور الاوضاع،وارتفاع نسبة بطالة المتعلمين،حيث عرفت مصر مجموعة من التعبيرات الاحتجاجية التى رفعت خطابا تحررياً ضد الصمت عن الاخفاقات والسياسات الفاشلة وضيق حيز الممارسة الديمقراطية،حيث أن التراجع الذى كان واضح فى السياست الاجتماعية والاقتصادية للدولة، ساهم فى كسر حاجز الخوف الذى ارتبط ارتباطاً تاريخيا بالسلطة والقوة من جانب الدولة ،فضلا عن نزول كثير من القوى الاجتماعية والحركات للشارع للتعبيرعن تأسيس نوع جديد من جديد من الثقافة والوعى الذى يسعى إلى الاعتراض والاحتجاج والاطاحة بالظلم والاستبداد،كل هذه الامور كانت بصدد نوع من الفورة الشعبية او بدايات الشرارة الثورية،تلك التى تعكسها سياسات القمع السياسى،ولعبة القوى السياسية التى تلعبها الدولة بعشق ساذج ضد الشعب،وماتقوم به السلطة من انتهاكات للحقوق والحريات،وبالرغم من أيدى الدولة القوية وتفعيلها لسياسات العنف والاقصاء لمحاصرة العمل السياسى والنهج الثورى فى الشارع،ودق الأسافين ونشر الفتنة بين الجماهيروالمثقفين وقادة الفكر واصحاب الرأى المستنيرإلا أن كل هذا لم ينجح بل على العكس فقد مهد إلى ثورة الخامس والعشرين من يناير التى أدت إلى وأد كل محاولات النظام فى خلق نسخة جديدة منه فى اطار عملية التوريث، ثم بعد ثورة يناير تعالت ثقافة الاحتجاج على كل ما سبق حتى الحميد منه والصالح، طالما إنه لم يخرج من رحم الثورة،وفُتحت أمام اصحاب هذه الثقافة وسائل الاذاعة والتليفزيون،ودور قصور الثقافة والصحف والمجلات وكل من له تأثير على الرأى العام حتى الدولة وقتها فتحت لهم الباب على مصراعيه.

"ثقافة التكفير"

بدأت منذ تولى جماعة الاخوان المسلمين مقاليد الحكم بنجاح رئيسهم فى 24يونيو 2012م ،او بطريقة ادق بعد الانتخابات البرلمانية التى اكتسح فيها تيار الاسلام السياسى الآكثرية فى البرلمان،حيث بدأت تختفى ثقافة الاحتجاج وظهور ثقافة اخرى مناوئة لها، وهى ثقافة التكفير لكل من يستخدم ثقافة الاحتجاج،وقد استخدم جماعة الاخوان واعوانهم هذه الثقافة بكل مقوماتها إلى الحد الذى وصل فيه إلى تبرير القتل لكل من يخالفهم الرأى،لأنه يخالف القرأن والسنة إذ هو مرتد ويجب عليه أن يُعاقب بعقوبة الردة،وظهر رجال الدين فى حديثهم عن السياسة ووقوفهم على منابر المظاهرات والمسيرات،الامرالذى كان له الآثر السيء على الدين.

"ثقافة التخوين "

ثم انتقلنا الى نوع اخر من الثقافة وهى ثقافة التخوين،وهذه بدأت مع ثورة الثلاثين من يونيو وتولى المجلس العسكرى إدارة شئون البلاد،وبدأت القنوات المتلفزة تفتح ابوابها لدعاة هذه الثقافة وانتشر صداها فى جميع المجالات ومختلف البيئات،حتى بات من يتحدث ـ ولوحتى بالنقد المشفوع بتقديم حل مشروع ولكن قد يخالف هذه السياسة فى هذا الوقت ـ  يدخل فى زمرة الخونة ويتم اتهامه بأنه عضو فعال فى المؤامرة التى تحاك على مصر، وبدأت رجال افكر الاستراتيجى يتحدثون فى كل المواقع ،والحقيقة انا أؤمن بفكرة المؤامرة ولدى من المبررات المنطقية ما يدعمنى ولكن أؤمن ايضاً بأن كل مؤامرة لابد وأن يكون لها عوامل نجاح ،ومن ضمن عوامل نجاح المؤامرة القمع السياسى وضعف حرية الرأى والتعبير،وتدهور الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية،فيجب علينا اولاً أن نصلح هذه الاوضاع ونوسع دائرة الحوار وفتح ابواب الحريات حتى لاتنجح علينا أى مؤامرة،  فالكل من صنع ايدينا.  

واخيراً وليس آخراً كل هذه الثقافات لها رجالها الذين يدافعون عنها ويقومون بنشرها،ولكن يتم استخدامهم فى أوقات محددة،وان كل هذه الثقافات ليست مكملة لبعضها بل على العكس فكل ثقافة تقوم على اعقاب الاخرى وتحاول اخفائها وهذا هو الخطأ بعينه وهنا لا اعارض هذه الثقافات او اتقبلها ولكن هنا ارغب فى أن نلتزم بمبادئ كل ثقافة ووقتية استخدامها ومن الاشخاص الذين يمارسونها .

فثقافة الاحتجاج: يجب أن يمارسها رجال الفكر السياسى والاجتماعى، ومن خلال احزاب سياسية،او من خلال مقالات للرأى،او غيرها من الوسائل المشروعة لابداء الرأى. 

وثقافة التكفير: يجب أن تختفى وإن كنا فى حاجة إليها  فيجب أن تمارسها مؤسسة الأزهر وحدها وفى اضيق الحدود،وفيما يخص الهدم فى ثوابت الدين المتفق عليها من الجميع. 

و ثقافة التخوين: فيجب أن تختفى هى أيضاً وإن كنا فى ضرورة لها فيجب أن تمارسها الاجهزة المسئولة عن ذلك وأن تتم بصورة شخصية وليس أن تأخذ صفة العمومية او صفة المؤسسية. 

وفى النهاية يجب ان ندرك اننا نعيش فى مجتمع واحد، به ثقافات مختلفة يجب أن تتعايش معاً ، وأساليب ليست متشابهة،ويجب علينا أيضاً أن نغير الثقافت المشبوهه والسيئة إلى ثقافات حميدة وايجابية مثل ثقافة العمل الجماعى وثقافة العمل التطوعى وغيرها من الثقافات التى تساهم فى بناء الامم، ويجب علينا أن نعلم إننا نعيش فى مجتمع واحد و يجب أن يتسع هذا المجتمع للجميع .

حفظ الله مصر..حفظ الله المجتمع