لامان محمد تكتب : "الصحافة الغامرة " ومستقبل الإعلام المطبوع

ركن القراء




نعم أقصد شكلاً جديداً من أشكال الرواية الصحفية موجود فعليًا منذ وقت بعيد،  فمصطلح الصحافة الغامرة immersive journalism  ظهر أول مرة عام 1990 , وبدأت أول تجربة فعلية له عام 1997 في نيويورك بجامعة كولومبيا  ، حيث أنشأ فريق مكون من تسعة طلاب مقطع فيديو بزاوية 360 درجة لمهرجان عيد القديس باتريك, وكان الظهور الفعلي لها علي يد الصحفية نوني دي لابينا ، صحفية النيويورك تايميز التي أخذت الصحافة إلي عالم آخر.
 وكانت دي لابينا قد قدمت من قبل أفلامًا وثائقية عديدة بتقنية الواقع الافتراضي، وقدمت تجربةً غامرة بصورة ثلاثية الأبعاد تُحيط بالمشاهد، ومنها "مشروع سورية" الذي أُنتج بتكليف من "المنتدى الاقتصادي العالمي" ، وتناول قصص أطفال اللاجئين السوريين، وفيلم "جوع في لوس أنجلوس" ودار حول الوصول إلى بنوك الغذاء في الولايات المتحدة، وبرز خلال "مهرجان صندانس السينمائي" في يناير 2012.
أي أن الصحافة الغامرة  شكل من أشكال القصص الصحفية الإلكترونية ذات الأبعاد الثلاثية والتي يعيش من خلالها المتلقي منغمسًا ومنغمرًا في أحداث القصة ومعايشًا لها من كافة جوانبها ، لذلك سُميت بالغامرة لانه يصبح جزءًا منها،  ومحاطًا بكل تأثيراتها الإنسانية ، مما يجعله معايشًا لها كأنه جزء منها.
ويعتمد هذا النمط من الصحافة علي  تكنولوحيا الواقع الافتراضي التي تجعل المتلقي متفاعلًا داخل القصة الخبرية مما يضفي عليها مصداقية وتعاطفًا وتأثيرًا أقوي بكثير من التقاريير النمطية المصورة ، وتعتمد هذه النوعية من الصحافة علي استخدام نظارات الواقع الافتراضي وغيرها من الأجهزة التكنولوجية بهدف استحضار المتلقي إلى مكان الحدث، بحيث يصبح شاهدًا على الحقائق. 
وفي مصر يمكن توظيف  هذه التقنية في تغيير شكل الصحافة المصرية والنهوض بها وتقديم بعض التجارب التفاعلية التي تعطي مصداقية أكثر للقصص الصحفية المصورة ، فإحساس الفريد بالانغماس والغمر داخل القصة هو الطريق الأمثل لتوفير وصول الجمهور العام إلى المواقع أو الأحداث التي يتم عرضها في تقارير التحقيقات الصحفية.
وقد توصلت أحدث  الدراسات والبحوث العلمية  إلي أن  تطبيقات الصحافة الغامرة قد جعلت المعلومات المتدفقة أقرب إلى المتفرج وأكثر تأثيرًا فيه, وهو ما تضاعف تأثيره في ظل توظيف مزايا وتقنيات تكنولوجيا الواقع الافتراضي التي صارت وستظل العامل والمحرك الأبرز في عمل المؤسسات الإعلامية والصحفية في المستقبل.
ويتطلب تطبيق هذا النمط الدعوة نحو تحقيق  رؤية مستقبلية للعمل الصحفي في مصر، تقوم علي أفكار التعاون بين الصحافة المطبوعة والصحافة الإلكترونية ، و تأهيل الصحفيين  الإلكترونيين  ، وحل المشاكل المهنية التي قد تواجههم، فضلا عن توفير ضمانات ممارسة الحرية المسؤولة في الصحافة الإلكترونية واحترام الثوابت الدينية والاجتماعية ، وتشجيع الصحفيين علي إنتاج قصص صحفية يتم إنتاجها بهذا النمط الصحفي الغامر القائم علي نموذج رباعي الأركان هم التغيير والتأثير والتقارب والتسلية .
ولعل الأفكار السابقة تتطلب علي نحو مواز توسع المؤسسات الإعلامية في انعقاد ورش العمل والتدريب علي استخدامات الروبوت وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في الصحافة والإعلام والتحول إلى الصحافة الرقمية والاستفادة من مميزاتها المتنوعة ، بهدف بلوغ التأثير الأقصي والأمثل علي  المتلقي فور تعرضه للأخبار، ليظل الصحفيين في حاجة  إلى تنمية إدراكهم لمفاهيم  الانغماس  الصحفي وقدرات تقنيات الغمر الشائعة وحدودها، كما سيظل  مطورو الأعمال الصحفية الغامرة علي الجانب الآخر في حاجة متنامية  إلى معرفة الأساسيات التي تحدد الاحترافية والتفوق الصحفي والمتطلبات الأساسية لأنواع مختلفة من القصص الصحفية.