سليمان جودة يكتب: بلد يوسف إدريس!

الفجر الفني



قارئ «الأهرام» مدين بالامتنان لفريق عمل ملحق الجمعة، الذى خصص صفحاته الثمانى بالكامل، هذا الأسبوع، لإعادة تذكير الناس بأن مصر لا تتوقف عن إنجاب العظماء، وأن الدكتور يوسف إدريس كان فى المقدمة من هؤلاء العظماء!.

 

زميلتنا الأستاذة هاجر صلاح كتبت، بتحريض من الأستاذ أنور عبداللطيف، مشرف الملحق، تحقيقاً صحفياً ممتعاً على أكثر من نصف الصفحة، عن قرية يوسف إدريس، وأعطته هذا العنوان الملىء بالمعانى: البيروم.. هنا عاش تشيكوف العرب!.

 

أما البيروم، فهو اسم القرية التى تتبع مدينة فاقوس فى الشرقية.. وأما «تشيكوف»، فهو الكاتب الروسى أنطون تشيكوف، الذى اشتهر بأنه أعظم كاتب قصة قصيرة فى العالم.. وفى المقابل كان يوسف إدريس أعظم كاتب قصة قصيرة فى بلاد العرب!.

 

ومع ذلك.. فالمكتبة التى تحمل اسمه هناك لا تعمل أجهزة الكمبيوتر فيها منذ 2005، والقرية التى كان هو يحلم بأن تعمل بيوتها بالطاقة الشمسية فى انتظار صرف صحى لم يدخلها بعد، ولا يريد أن يأتى.. والطريق إلى مدرسته الثانوية العسكرية فى المدينة صار جمهورية من جمهوريات التوك توك!.

 

وفى الملحق سوف تقرأ للدكتور جلال أمين، مُحللاً ظاهرة يوسف إدريس، وسوف تقرأ للدكتور جابر عصفور عن علاقة حميمية كانت تربطه بتشيكوف العرب، وسوف تطالع حواراً ممتازاً مع زوجته، السيدة رجاء الرفاعى، وسوف تتوقف أمام حوار دافئ مع ابنته الدكتورة «نسمة»، وسوف تستغرقك صفحتان كاملتان كتبهما الأستاذ محسن عبدالعزيز، عن رسائل متبادلة بين يوسف إدريس ونزار قبانى والدكتورة نوال السعداوى ولويس جريس!.

 

وسوف تتأمل شهادته على العصر مع الشاعر عمر بطيشة، وسوف تقرأ له قصة قصيرة تُنشر للمرة الأولى، وسوف تراه وهو يحاور فاتن حمامة، ثم وهو مع توفيق الحكيم وصلاح طاهر وإحسان عبدالقدوس!.

 

وسوف تقرأ رأى طه حسين فيه.. وكذلك رأى نجيب محفوظ!.

 

لقد عاش يوسف إدريس يحمل رسالة إلى كل ركن فى هذا البلد، وكان يعبّر عنها فى كل مكان، وبأعلى صوت، وكان اعتزازه بنفسه لا يجاريه شىء عنده إلا اعتزازه ببلده، وكان طموحه يكفى لتغيير العالم كله، ولكنه فى قُرب نهاية الطريق همس، فى شهادته على العصر، بأن الحكاية فى حاجة إلى أعمار، وأن عُمراً واحداً لا يكفيها!.

 

عاش نهراً يتدفق، فلا يوقف شىء، وجاءه يوماً شاب من كلية التربية فى بورسعيد، يشكو إليه أنهم فصلوه من الكلية لأنه أقام معرضاً فيها عن انتفاضة أبناء فلسطين، فخصص له «مفكرة يوسف إدريس»، التى كان يكتبها على نصف الصفحة فى «الأهرام»، كل ثلاثاء، وكتب عنه تحت هذا العنوان: أرجوكم.. افصلونى معه!.

 

وكتب يقول إنه يطلب فصله من الجريدة إذا لم يرجع الطالب إلى الكلية!.. وقد عاد الطالب فى الأسبوع التالى دون تأخير!.

 

مكتبته فى قريته.. وبيته فيها.. والقرية ذاتها.. كلها تستحق معاملة أفضل.. ولا يليق بنا، ولا يليق به، ولا بمصر، أن تعيش قرية يوسف إدريس، فى القرن الحادى والعشرين، فى انتظار دخول «المجارى»!.

 

المقال نقلا عن "المصري اليوم"