زاهي حواس يكتب: "محمد صبحى.. عملاق المسرح"

الفجر الفني



لا خلاف على أن الفنان محمد صبحى هو أحد عمالقة المسرح، ومن أكثر الفنانين عشقاً لفنون المسرح، وهو بالطبع من أكثر الفنانين احتراماً لنفسه ولفنه ولجمهوره. ولا أغالى فى القول بأنه مدرسة وظاهرة مهمة جداً فى تاريخ المسرح، مدرسة لأنه منذ بدايته لم يقلد أحدا واختار لنفسه طريقا ومنهجا خاصا به فى الأداء، وبرع صبحى فى تقديم أنماط من البشر فى قوالب كوميدية غير مسفة وغير مكررة.. ويغلب عليه المسرح الواقعى المتأثر بالقضايا السياسية والتى يراها المرجع والأساس فى حالة المجتمع المصرى والعربى. 

وعلى عكس كثيرين يضع صبحى دوماً نفسه موضع القدوة بالنسبة للشباب وبالتالى يحاول دائما أن يقدم النموذج الحسن والشكل المحترم.

كان اللقاء الأول بيننا عندما دُعى لندوة ثقافية بحديقة المتحف المصرى، وذلك بحضور العديد من الشخصيات والشباب، وقد انبهرت بطريقة أدائه وثقافته العالية وحضوره الطاغى. 

وقد سعدت جداً عندما قرأت أن هناك العديد من الجوائز والتكريمات التى جاءت أخيراً لكى نستعيد كل إنجازاته، فقد اختار مهرجان شرم الشيخ الدولى للمسرح الشبابى اسم محمد صبحى لدورته الثالثة. 

وجاءت أجمل جملة على لسان مازن الغرباوى رئيس المهرجان حينما قال: «اختيارنا له هو لكونه رمزاً وقدوة لكل المسرحيين الشباب فى الوطن العربى». وقد قامت إيناس عبدالدايم، وزيرة الثقافة، بتقديم التكريم والذى استند على أن الفنان محمد صبحى يعتبر من القلائل متعددى المواهب، خاصة لأنه قدم لنا مُخرجاً وكاتباً وممثلاً إبداعات مسرحية أصبحت خالدة فى الوجدان المصرى والعربى، لأنه فنان مثقف يعرف ما يقدمه، خاصة أن كل مسرحياته لها هدف.

لقد شاهدت أغلب ما قدمه محمد صبحى من مسرح، وكانت أول مسرحية عام 1975م «انتهى الدرس يا غبى»، «المهزوز» و«أنت حر» و«الهمجى» و«وجهة نظر»، و«تخاريف»، و«ماما أمريكا».. وهناك أعمال أخرى خالدة من الأدب العالمى أهمها «هاملت»، «روميو وچولييت»، و«زيارة السيدة العجوز»، هذه الأعمال المسرحية الأخيرة وضعت محمد صبحى فى مرتبة العالمية، وأكدت أنه الفنان المسرحى المصرى الوحيد الذى قدم هذه النوعية من المسرحيات، واستطاع أن يضحك كل المصريين، وفى الوقت نفسه قدم الدراما على مستوى عالٍ، وأعتقد أن الجائزة يمكن أن تقدم لهذا الفنان العظيم لأنه الفنان الوحيد الذى يملك فرقة مسرحية ثابتة «فرقة استديو الممثل»، وقدم لنا أيضاً مجموعة مسرحيات قديمة فى قوالب جديدة مثل «سكة السلامة» و«كارمن» ورائعة نجيب الريحانى «لعبة الست». 

أما عن المسرحية التى لا أستطيع تصور ممثل عربى آخر يمكن أن يؤديها بمثل أداء صبحى المثير والرائع فهى هاملت أمام العملاق أحمد ماهر وهناء الشوربجى. هذا العمل لا أعرف لماذا لا نعيده على شاشات التليفزيون فى أمسيات ثقافية خاصة لكى نبرهن للأجيال المظلومة الحالية أن مصر كان بها مسرح يقدم أدب عالمى بلغة راقية وأداء فنى أفضل مما قدم على مسارح الغرب.

تسلم صبحى أيضاً جائزة الشارقة للإبداع المسرحى، وقد كنت أتمنى أن أشاهد مسرحيته الأخيرة «غزل البنات» على مسرحه، واتفقت مع صديقى مفيد فوزى على أن نذهب معاً ولكن حالت ظروف السفر دون تحقيق الأمنية.. محمد صبحى فنان عظيم حفر اسمه بحروف من ذهب بعد أن صعد سلم المجد من القاع وتربع على قمته.. لهذا أقدم له وسام الحب والاحترام.