أحمد متولي يكتب: عرفتـوا بحبـها ليـه؟!

مقالات الرأي



قصص الحب لا تحتاج لمن يقرأها بل تحتاج لمن يتعلم منها كيف يسمو بمشاعره ليكن حبه صادقًا نابعًا من القلب، والتاريخ مليء بالكثير من قصص الحب والعشق التي لا تنتهي فـ(روميو وجوليت)، (عنتر وعبلة)، (قيس بن الملوح وليلى العامرية)، وغيرهم الكثير والكثير نماذج تؤكد لك أن الحب ليس سهلًا ومن يحب شخص بهذه الدرجة يصنع له المعجزات حتى ينول حبه ورضاه، ولكن حديثي هنا في هذا المقال ليس عن حب الأشخاص وإنما هو عن حب الوطن، والحب الأصعب منه هو أن تحب وطن غير وطنك بل وتفضله عن وطنك في بعض الأحيان لشدة تعلقك به.

 

منذ أيام تواجدت في دولة الأردن لحضور أسبوع الموضة بعمان لعرض أفضل تصاميم صيف 2018 بمشاركة مصرية لمصمم الأزياء هاني البحيري والمصممتين إيمي بلبع وغادة الحشاش وغيرهم من المشاركات العربية، فوجدت شعبًا يبتسم في وجه الجميع، الألفة تمليء صوتهم بدفيء المشاعر التي تتعالي بالاحترام للصغير قبل الكبير بكلمات كلها (نعم سيدي.. نعم ستي.. تؤمرني يا زلمة)، قلبهم نابض دائمًا بالحب، وعلى الرغم من حبهم لوطنهم إلا أنهم يعشقون مصر والمصريين، فبمجرد وصولي مطار الملكة علياء الدولي وأنا أشعر أنني مازلت على أرض مصر، أغاني المهرجانات داخل سيارات الأجرة والتاكسيات والعربات الملاكي، يرون دائمًا أن مصر هي النموذج الذي يريدون التعلم منه؛ فلما لا فالمصريين هم من علموهم بالمدارس ويعالجوهم بالمستشفيات ويعملون لخدمتهم طوال الوقت داخل المملكة.

 

قادتني الصدفة بالجلوس على طاولة داخل الفندق الذي يقام فيه حفل أسبوع الموضة بجوار سيدة أردنية تدعى "عالية" 55 عامًا، عرفت منها أنها تزور مصر بشكل منتظم كل 3 أشهر لطبيعة عمل زوجها هناك، وهم من سكان العجوزة بجوار مسرح البالون، واستشعرت منها مدى حبها لمصر وللمصريين من شدة حفظها للزمات المصريين وقفشاتهم لدرجة أنها تحدثت معي بلغة سواقين الميكروباصات وأخذت تردد ضاحكة (إمبابة.. إمبابة.. إمبابة) (كيت كات.. واللي منها) (جيزة دقي.. أول الكوبري وتحت النفق) جميعها جمل أدخلت السعادة إلى قلبي.

 

تحدثت لتلك السيدة وسألتها بكل صراحة لماذا تحبين بلدي لهذه الدرجة؟! فأجابت بكل ثقة لأنها بلد الأمن والأمان، شعبها كوميدان يضحكني كثيرًا، الجميع يبتسم في وجهك رغم ما يعانوه من أزمات اقتصادية وسياسية واجتماعية خاصة بعد ثورة 25 يناير، أشعر بالأمان في مصر وأتجول في شوارعها في أي وقت بصحبة أولادي مطمئنين النفس، فدائمًا المصريين مستيقظين لا ينامون واسأل (متى ينام المصريين؟) على عكس بلدنا بتنام من بعد 8 بالليل والحياة تموت فيها بعد الساعة الـ10 مساءً، بلدكم جميلة أعشقها كثيرًا، والعيشة فيها ممتعة بـ3 دينار أردني –ما يعادل 75 جنيه مصري- يمكنني أن اشتري طعام وعصائر لي ولأولادي، وما يزعجني من المصريين شغل الفهلوة وعدم النظام والشوارع الممتلئة بمقالب الزبالة.

 

السيدة "عالية" الأردنية اختتمت إجابتها بجملة توقفت عندها كثيرًا بعدما قالت مبتسمة: "عرفتوا بحبها ليه؟! لأنها أم الدنيا وشعبها ابن نكته"، هذه الإجابة جعلتني أشعر بفخر لأني مصري ومقدار حب الدول العربية لمصر رغم أننا كأغلب المصريين نحبها لأنها وطن مثل أي وطن، ووطن نعيش فيه (بحكم العشرة)، ولكن الذي لم أكن أعرفه أن مصر مازلت معشوقة الكثير من شعوب تلك الدول للدرجة التي يفضلونها عن دولهم.

 

خلال رحلتي للأردن وجدت نماذج مشرفة من الشباب الأردني، يعملون سائقين تاكسي داخل المملكة، هم جميعهم وجهه مشرفة لوطنهم، لا تجدهم إلا مهندمين المظهر يحافظون على إطلالتهم، وقادتني الصدفة إلى الجلوس بجوار سائق شاب أردني يدعى "إيهاب" 32 عامًا حاصل على شهادة عليا ولدية موهبة الغناء، أخرج من تابلوه سيارته زجاجة عطر فاخرة وقال لي إنه ظل يبحث عن هذا النوع الفاخر من العطر طوال سنة كاملة ولم يجدها إلا في أمريكا لكي يضع منها لزبائنه خلال توصيلهم، بخلاف أن كل سيارة أجرة بها أنواع مختلفة من الشوكولاتات وزجاجات مياه ومناديل ورقية تعطى لكل الزبائن خلال رحلتهم، هذه المشاهد تمنيت أن يتم تطبيقها بشكل فعلي داخل مصر، وأن يكون نموذج الشاب الأردني مثل يحتذي به للشباب المصري الباحث عن فرص عمل مشرفة ويكون وجهه حضارية لوطنه مثلما رأيت في الأردن.

 

 للتواصل مع الكاتب Ahmed Ramadan