أحمد سامي يكتب: صفقة التابلت في التعليم المهترئ

مقالات الرأي



من الجيد أن تسعى الدولة بقوة إلى القضاء على أهم المشاكل التي عانت منها طيلة عقود سابقة، وما زالت تعاني منها، وهي مشكلة التعليم، ومن الجيد أن تكون هناك محاولات جادة على فترات متقاربة أو متباعدة لحلحلة تلك الأزمة، التي تؤرق الدولة المصرية، فلا شك أن التعليم هو عصب أي دولة وسر نجاحها، وهناك دول إقليمية ودولية تخصص المليارات على التعليم والبحث العلمي أكثر من المجالات الأخرى؛ لأنه بدون علم لن يكون هناك طبيب أو مهندس أو مخترع أو رئيس دولة قوي.

 

وضع التعليم في مصر، مزرٍ للغاية، ظواهر سلبية كثيرة تطوف على سطح تلك الأزمة التي تتفاقم بمرور الأيام، انفلات أخلاقي من معلمين تجاه التلاميذ، ضرب مبرح ينتهي بعاهة مستديمة أو إهانة لطالب، تظهر عبر فيديوهات أو صور تتداولها مواقع التواصل الاجتماعي، (معلم يعتدي على طلاب المدرسة بالضرب المبرح)، (وكيل مدرسة يضرب معلمة أمام التلاميذ في الغربية)، ليس هذا وفقط، بل دخل التحرش دائرة الأزمات المتراكمة الذي يعاني منها التعليم، فنسمع عن مدرس يتحرش بطالبة، ويتم إحالته إلى التحقيق، فضلًا عن طالب يتحرش بمعلمته، وغيرها من الحوادث التي لا تتسع السطور التالية لذكرها.

 

كل ما سبق، أضف إليه مشكلة التهرب من المدارس لطلاب المراحل التعليمية المختلفة من الصفوف الابتدائية حتى مرحلة الجامعة، كلها مشاكل جمَّة، تستدعي التدخل الجراحي بشكل قاطع لوضع مصر مرة أخرى، على الطريق الصحيح في مجال التعليم، وانتشالها من مؤخرة الترتيب العالمي، حيث تحتل بحسب تقرير التنافسية العالمية الذي يصدر عن المنتدى الاقتصادي العالمي للعام 2016-2017 المركز 89 من أصل 138 دولة، في جودة التعليم قبل الجامعي، والمركز 112 في التعليم العالي.

 

الدكتور طارق شوقي منذ توليه، ويحمل على عاتقه تحقيق حُلم جميع المصريين، بنظام تعليمي جديد، فهو أمل كل بيت في مصر، فدائمًا ما يرفع شعار "التغيير"، فبدأ باستحداث نظام البوكليت في امتحانات الثانوية العامة، ما كان له الأثر الأكبر، في القضاء على ظاهرة تسريب الامتحانات، ثم ألغى نظام الشهادة الابتدائية لتصبح سنة نقل عادية، وتحدث عن إلغاء الثانوية العامة، وغيرها من الأمور التي أثارت الجدل حول طريقة تفكير الرجل داخل وزارة من أهم وزارات الدولة.

 

إلى هنا الأمور تبدو جيدة، والعمل على قدم وساق لإنهاء المشكلة الأضخم في مصر، حتى خرج الوزير بفكرة "أوروبية" لحل تلك المشاكل، الوزير قال إنه سيتم توزيع مليون جهاز تابلت لتطوير العملية التعليمية في المرحلة الأولى، توزع على طلاب الفرقة الأولى بالثانوية العامة في العام الدراسي الجديد سبتمبر 2018، يحتوي على مصادر تعليمية متنوعة، وأن الوزارة تتفاوض مع شركات المحمول لتوفير خدمة الإنترنت للطلاب بدون مقابل، كما سيتم عدم استرداد التابلت من الطلاب بعد نهاية مرحلة الثانوية العامة.

 

الفكرة وإن كانت في ظاهرها جيدة، تستحدث نظام تعليم دول متقدمة كاليابان، وغيرها من الدول التي تدرب أطفالها منذ الصغر على استخدام التابلت في التعليم وغيره، إلا أنها أثارت تساؤلات كثيرة.

 

هل تم تدريب المعلم على استخدام التابلت مسبقًا، حتى يكون قادرًا على التعامل معه أمام الطلاب؟، هل كل المعلمين يجيدون استخدام التابلت، أو حتى يعرفون استخدام أجهزة الهواتف الذكية؟، هل المليون معلم وطالب ييستطيعون ذلك؟، بالطبع لا، خصوصًا وأن الفكرة لم يسبقها تدريب على استخدام ذلك الجهاز الذي يرى الوزير أنه الحل السحري، لتحسين جودة التعليم.

 

الوزير من المؤكد، يعلم أن النظام التعليمي القائم على الحفظ والتلقين، في مختلف مراحل التعليم ما قبل الجامعي وحتى الجامعي، لا يحتاج إلى جهاز لوحي ذكي لتعليم الطلاب عليه، تلك الطريقة التي هي سبب نكبتنا حتى اليوم، بالطبع يبنغي للوزير التفكير في مادة تعليمية جيدة تعتمد على التفكير وتواكب تلك المتبعة في الدول المتقدمة، حتى يكون استخدام التابلت ذا مغزى.

 

كما أن أجهزة التابلت، بالكاد تحتاج إلى خدمة الإنترنت، وبالتالي فإن مليون تابلت، يحتاجون إلى خدمة جيدة ما يتطلب تكلفة أعلى، أضف إلى ذلك وصلات كهربائية لتشغيل الأجهزة، فهل كل ذلك في حسبان الوزير؟، والأهم هنا كيف يضمن الوزير ألا يستخدم الطلاب الجهاز للعب، فالشعب لديه عن هذه الأجهزة وغيرها انطباع بأنها للعب والتسلية وتصفح المواقع.

 

هناك دول عظيمة يقف وراء عظمتها، نظام تعليمي جيد، يبدأ من مرحلة الحضانة وحتى الجامعة، تعتمد على التكنلوجيا التي لا تنفصل عن الواقع حيث استخدامها في كل مؤسسات الحياة، ورؤيتي المتواضعة أن استخدام الجهاز اللوحي الذكي كحل لمشكلة مزمنة مستعصية في مصر، هو مضيعة للوقت والمال، ويجول في خاطري أمر، متأكد أنه يوجد لدى الكثيرين، وهو أن تلك الأجهزة هي صفقة، كفكرة اللوحات المعدنية الذكية التي جلبها رئيس الوزراء الأسبق أحمد نظيف، وغيرها من الأفكار التي استحدثت في مصر، ولم تفد الدولة في شيء، ويتبقى أن يثبت الوزير عكس ذلك.