منال لاشين تكتب: خطة الحكومة للتخلص من 90 حزبًا

مقالات الرأي



حصول الحزب على مقاعد فى البرلمان شرط للبقاء

ومقارات فى كل المحافظات على الأقل وإثبات أن عضوية الحزب ممتدة فى كل شبر فى مصر

يجب استغلال الانتفاضة السياسية للتخلص من الأحزاب ذات الصبغة الدينية


لدنيا أكثر من 100 حزب ولكن البرلمان نفسه يخضع لأغلبية من ائتلاف انتخابى يتردد فى التحول لحزب سياسى، وهذا وضع ليس له مثيل سوى فى مصر. كل حزب يولد فى مصر ينتقص من مساحة السياسة وهو وضع أيضا مرفوض عالميا، ولا يوجد إلا فى مصر المحروسة. وعلى الرغم من وجود أكثر من 100 حزب وضعها شرعى تماما، فحينما هلت علينا الانتخابات الرئاسية لم نجد سوى «التعثر» فى الحصول على مرشحين، وسارعت الأحزاب بنفى نيتها لتقديم مرشح، وكـأن المنافسة السياسية «جرب» يجب أن نبتعد عنه أو حمل غير شرعى يهرول الجميع للتبرأ منه.

وأظن أن الانتخابات الرئاسية الأخيرة كشفت عار الحياة الحزبية والسياسية عندنا، وأكدت مرة ثانية وعاشرة أننا فى حاجة إلى إصلاح سياسى بنفس حاجتنا إلى إصلاح اقتصادى. وأن العبرة فى الحياة السياسية ليست بكثرة الأحزاب بل بقوتها وفاعليتها. ولذلك تسارعت وتيرة إعداد تصور للتخلص من الأحزاب الصغيرة والإبقاء على الأحزاب القوية فقط، أما أن تنتهى الأحزاب الصغيرة أو يتم دمجها مع أحزاب أخرى. وبحسب المعلومات المتاحة فإن الخطة يجب أن يتم تنفيذها كاملة قبل الانتخابات البرلمانية الجديدة. على الرغم من أن الهدف يبدو نبيلا لإصلاح الأحزاب، إلا أن بعض القوى الخبيثة قد تنتهز فرصة أو محاولة الإصلاح لتفصيل حياة حزبية وسياسية على مقاس ومزاج البعض. فربنا يستر.


1- شروط وأحكام

حتى الآن لم يتم الفصل أو الحسم فيما يتعلق بالشروط الجديدة لإقامة الأحزاب أو بالأحرى السماح باستمرارها. وهناك أكثر من جهة حكومية وغير حكومية تعمل على هذا الملف. وما أنقله لكم هى التصورات الأولى للأفكار أو الشروط التى يجب أن يتحلى بها الحزب ليكتب له الحياة، وإذا افتقر أحد هذه الشروط فعليه أن يختار بين الموت أو الدخول فى عباءة حزب آخر.

بوابة مجلس النواب من الأبواب المهمة فى تحديد مصير الأحزاب القائمة فى مصر. ثمة مقولة مشروعة جدا. هذه المقولة أن الحزب الذى يفشل فى الحصول على أية مقاعد فى البرلمان لا يصح أن يطلق عليه اسم حزب. ولا توجد شعبية له لأنه لم يقنع نسبة ما من الشعب فى أهم انتخابات.

فى بوابة مجلس النواب هناك عدة اقتراحات حول عدد النواب الذى يجب أن يحصده الحزب فى انتخابات البرلمان. البعض يرى أنه يكفى نائب على الأقل فى البرلمان يمثل الحزب، ولكن هناك رأيا آخر يرى ألا يقل عدد نواب الحزب فى البرلمان عن عشرة. ويستشهد أصحاب هذا الرأى بكل من حزبى مستقبل وطن وحماة الوطن اللذين حصدا 50و17 فى أول انتخابات يخوضها الحزبان.

ولاشك أن هذا الشرط سوف يضع حدا لحياة الكثير من الأحزاب المصرية التى لم تحصل على أية مقاعد فى الانتخابات. المثير أن حزب الغد كان من بين الأحزاب التى فشلت فى الحصول على مقاعد فى البرلمان، ولكنه نافس فى الانتخابات الرئاسية. وخلال هذا الشرط قد تكون الانتخابات المحلية علامة أخرى على فاعلية الأحزاب. وذلك من خلال مشاركة الأحزاب فى انتخابات المحليات ونجاحها فى حصد مقاعد فى المحليات.

الشرط الثانى يتعلق بالملاءمة السياسية والمالية للحزب. وذلك من خلال اشتراط أن يكون للحزب مقارات فى كل المحافظات كحد أدنى للموافقة على استمرار الحزب. فبعض الأحزاب فى مصر لا تملك سوى 5 أو ست مقارات، وذلك لأسباب مالية فى المقام الأول.

من بين الشروط الأخرى للسماح لاستمرار الحزب شرط الانتشار الجغرافى للعضوية، وذلك على غرار الانتخابات الرئاسية. فيجب أن تتضمن عضوية الحزب أعضاء من كل المحافظات فى مصر وليس عشر محافظات فقط مثل الانتخابات الرئاسية.


2- تصور خبيث

أصحاب هذه الأفكار يهدفون للوصول إلى أحزاب أقل ولكنها أقوى، ولديهم تصور مسبق لشكل الحياة الحزبية فى مصر. فتحول ائتلاف دعم مصر لحزب تحت نفس الاسم، فإن دعم مصر سيكون من أحزاب الأغلبية. وسيكون حزبا الوفد والمصريين الأحرار (جبهة عصام حليل) من الأحزاب الليبرالية. بينما تنضم كل الأحزاب اليسارية تحت حزب واحد يسارى. وهناك أيضا أحزاب مثل مستقبل وطن وحماة الوطن مستمرة، ويصبح للسلفيين حزب أو اثنين على أكثر تقدير. ولكن ثمة تصور خبيث آخر، وهو اختفاء الأحزاب اليسارية لصعوبة اندماجها. وهذا الاختفاء مريح لعدة مؤسسات فى الدولة. فأحزاب اليسار مثل الاشتراكيين الثوريين والناصرى والتجمع والمصرى الديمقراطى (والأخير يميل لليسار) أحزاب مزعجة، تحرج الحكومة بالكلام عن العدالة الاجتماعية وحقوق الفقراء وبيع القطاع العام وشركاته. وتوصيات الأحزاب اليسارية مؤلمة للأثرياء... مثل التوصية بفرض ضريبة على الثروة وزيادة الضريبة على الدخل وتخفيض المزايا الممنوحة لرجال الأعمال فى البيزنس. ولذلك اختفاء الأحزاب اليسارية سيخفف الضغط والنقد الموجه للحكومة.

هناك تصورات أخرى باختفاء المصريين الأحرار (جبهة عصام خليل) موزعة ما بين دعم مصر والوفد وربما أيضا يشمل هذا التصور حزب مستقبل وطن رغم حصوله على أكثر من 50 مقعدا فى البرلمان الحالى.

على الجبهة الأخرى ستحتفظ أحزاب السلفيين بقوتها فى حال الاندماج، وإذا لم نفعل الحظر الدستورى على الأحزاب ذات المرجعية الدينية فإن أحزاب السلفيين ستستمر وأحزاب اليساريين ستختفى. وهذا وضع مزعج للمثقفين والنشطاء، ولكن وضع عبقرى للحكومة. فالسلفيون لا يمثلون أزمة للحكومة، والدولة لا تنتبه أو تهتم بالآثار السلبية أو الكارثية على الوسطية الإسلامية وتوغل التطرف الدينى فى المجتمع. كل ذلك لا قيمة له أمام حشد السلفيين أبنائهم فى الانتخابات الرئاسية، وأدائهم المعتدل والباهت فى البرلمان.


3- الحرية هى الحل

ربما يحتاج قانون الأحزاب إلى تعديلات، وتحتاج الأحزاب إلى قواعد تدفعها للفاعلية، ولكن التجربة تؤكد أنك لا تستطيع أن ترسم الحياة الحزبية والسياسية بالورقة والقلم والمسطرة. وأن القواعد القانونية وحدها لا تكفى لتفعيل الأحزاب. فقد يختار رجل أعمال مثل نجيب ساويرس حزبا صغيرا ويبدأ من جديد رحلته إلى الوصول للبرلمان مثلما فعل بحزب المصريين الأحرار. بل يمكن أن تشمل الخطة ترك حزب المصريين الأحرار بدون نواب لنجيب ساويرس. وقد يظهر رجال أعمال آخرون ويستولون على أحزاب ويقدمون لها الدعم المالى للاستمرار تحت سيطرتهم.

كما أن داخل ائتلاف دعم مصر هناك من يرفض فكرة التحول إلى حزب خوفا من أمراض الأحزاب المزمنة فى مصر. ويرى هذا الفريق أن الائتلاف أكثر مرونة فى إدارة نوابه ولا يمثل عبئا على أحد من القيادات، ولم يدخل فى خناقة على مناصب الحزب فى العاصمة مرورا بالمحافظات انتهاء بالقرى.

وعلى الرغم من قدرة هذه الخطط على التغيير فى خريطة الأحزاب، إلا أن الحياة السياسية والحزبية لا تقوى بالخطط فقط، ولكنها تقوى وتزدهر بالحرية، والسماح للأحزاب بالعمل فى الشارع السياسى دون تهديد لأبناء الأحزاب أو القبض عليهم. الأحزاب والحياة السياسية لا تحتاج إلى خطط خاصة الخبيثة منها، ولكنها تحتاج إلى مناخ منفتح لا يخون السياسيين ولا يطارد شباب الأحزاب ولا النشطاء. لا يعتبر كل رأى معارض خيانة وجريمة وكل اختلاف استهداف للدولة ومؤامرة كونية على مصر. بدون هذه الرؤية أو بالأحرى بدون هذه الحرية فإن أى تخطيط لمستقبل الأحزاب سيتحول إلى تفصيل نموذج سياسى وحزبى على مقاس معين لاستهداف قوى سياسية بعينها، وتكوين قوى حزبية جديدة على غرار المدن الجديدة.