طارق أبوزينب لـ "الطفلة رانيا": أبحثِ عن الروح التي تشبهكِ من البداية

ركن القراء



مَن مِنّا لا يُحلِّق بخياله بعيداً عن الواقع الذي يعيشه، يُفكّر ويَسرح في تطلُّعاتٍ مُستقبليَّة.

الفقير  يحلُم بالثَّراء، والفاشل يتخيّل أنّه ناجح ويتفوّق على الكُلّ، وهكذا. فإذا كُنّا نحن الكبار ما نزال وسنبقى نحلُم، فكَم بالأحرى الأطفال. إنّ هذه الأحلام تبدأ في فترة الطُّفولة حين يكون الطِّفل هو الحياة .

تقول " رانيا " التي كانت طفلة أتمنّى عندما أكبر أن أصبح مضيفة طيران  وأُصبِح عُضواً فعّالاً في المجتمع".
أنا لا أريد أن أكون امرأة كبيرة، لا أريد ترك أخواتي وأمّي ، لا أريد الخروج من مدرستي، أريد أن أُكمِل دراستي".

هذا بالتّأكيد لم يكُن حُلماً. بل صرخة دوَّت في أرجاء المنزل ،  أطلقَتها "رانيا " ، الطفلة اللبنانية ذات الأعوام الرابعة عشرة  ، و التي أرغَمتها أمها على معرفة برَجُل يكبرها بسبع سنوات تقريباً بعد الهجرة من لبنان بسبب الحرب الأهلية الى بلد أوروبي   . 

لم تحلُم " رانيا " أبداً بالزّواج وهي في هذا العُمر، بل كانت تقول: "أُحبّ أن ألعب وادرس ، ألواني المُفضَّلة الأحمر والأصفر ، وأن اذهب الى الاسواق وأختار ملابسي الجميلة .

عندما أُرغِمتُ " رانيا " ان تتعرف على فكرة الزّواج كانت خائفة للغاية". كيف لهذه الطِّفلة التي لا تزال بِحاجة لعَطف أُمّها وحنانها وصدرها الدّافىء، والتي لا تزال بِحاجة لتلعب مع أخواتها وصديقاتها، وبِحاجة لتضحَك وتحلُم، بحاجة أن تتذكر والدها المتوفي . 

كيف لَها أن تُصبح زوجةً قادرةً على تلبِية غريزة وشهوة رَجُل لا يعرف مِن الزّواج غيرهما ، وكان يلاحقها و يهددها دائماً ان لا حياة ولا أفق لحياتك الا بزواج مني مبرراً بأنه يحبها ، و "  رانيا  "الطفلة الجميلة الطاهرة المؤمنة بالله ،  فقدات سند الأب وهي طفلة صغيرة ، وفقدت حكمه الأم ، وايضاً لا اخ ولا اقرباء في غربتها لإرشادها الى الطريق الصحيح  !.

 و كيف لَها أن تُصبح أُمّاً بكُلّ ما للكلمة من معنى. كيف تُعطي لأولادها ما ليس لديها أو ما هي بحاجة إليه.  

وآخيراً خضعت " رانيا " وهي في السن الثامنة عشرة لقرار أمها الظالم ، وبكت ليلاً بين الجدران الأربعة و أُرغِمتُ على الزواج برجل لا تحبة ولا تشعر به  كشريك ابدي لها ، وتزوجت منه وهي تُدرك أنّ الزّواج هو مؤسّسة مبنيّة على الحُبّ والنّضوج وتقبل الآخر . 

وبعد الزواج رزقت " رانيا " بثلاثة اولاد وكانت الام والأب لهم ، و أقحمت   " رانيا " في خلال زواجها في تجارب ومشاكل كثيرة وخاصة انها اكتشفت بأن البيئة الاجتماعية التي اجبرت عليها غريبة عن تربيتها ،  ولَم تعيش فرحة العروس بحقّ ، فتستمتع بفرحتها وتسرح بأحلامها، ولم تتخيل نفسها تلك المرأة التي تتمنّاها هي لا سواها، تلك المرأة التي تعيش وتتمتّع بإنسانيّتها وأنوثتها . 

" رانيا  " وبعد ثلاثة وعشرون عاماً من زواجها المبكر والتي أخلصت لدينها و لأولادها ولأمها ولمجتمعها ، ولرجل منعها من تحقيق أحلامها وحرمها من تحصيلها العملي ، وحطم طموحها ، وحرمها من ابسط حقوقها الحياتية والإنسانية والإجتماعية ، فهل تنجح أن تعرف حقوقها جيداً وتدافع عنها ، بِمَا فيها أن تعيش حياتها بنضج ؟ 

" رانيا " هل تستطيع ان تغير الظلم التي أُرغِمتُ عليه وتصبح مِثالاً يُحتَذى للكثيرات مِن أترابِها اللواتي لَقِينَ نَفْس مصيرها الّذي كان مُظلِماً، فهي الآن تحلُم بأنْ تتحدى واقعها وتغير حياتها نحو الحرية ؟ 

اعتقد أن " رانيا " تستطيع أن تستبدل الآلم والحزن بالحُبّ والتّقدير والإدراك ، وتستطيع أن تدافع عن حقوقها و تحصل يوماً على نِصفها الآخَر الذي يُكمِّلها ، و  على هذا المستوى ينبغي لنا أن نعيش الحياة !!.