سمر جابر تكتب: دعنى أبصق عليك!

ركن القراء



بمجرد أن وجدتنى فى مقعدى المفضل، المطل على نافذة الحديقة تلك التى زرعتها بشجرة الريحان العام الماضى، وعادت للإزدهار بعدما جفت وتساقطت أورقها، جاءت لتحضتن كتفى من الخلف، وجلست كعادتها، مالت برأسها ناظرة إلى السماء تتساءل فى صمت، حتى أبتسمت تلك الأبتسامة المشرقة التى غابت عن وجهها الأيام السابقة، وباءت كل محاولاتى بالفشل فى إخرجها من حالة الزهد التى أصابتها، وجعلتها صامتة، عابسة معظم الوقت، تلك القسوة التى أصابتها وتسربت إلي ، وجعلت منها ثقوب يمر خلالها الأشياء، ويمثل السأم ظلها الوحيد، تلك الليلة التى غابت بعدها أبتسامة صديقتى وأصابتنى بالفزغ.....

 

 لم أنسى تلك الليلة، وتفاصيلها المربكة، فستان أبيض، أضواء متداخلة، أصوات أغاني مرتفعة، عائلات متوددة بالحضور، الجميع فى حاله فرح، والعروس تستعد لتُكمل فرحتها، حتى كادت الأغاني أن تغير مسارها المبهج، وسادت الحيرة على الوجوه وأنتاب الجميع القلق، فتعالت الأصوات مرة أخرى، ولكنها تداخلت مع أصوات صراخ من خارج القاعة، القلوب مهتزه والجميع في حالة ترقب ماذا حدث؟!.. لم أنسى تلك القشعريرة التى أصابتنى، وكأن النمل يسير بين عروقى، تلك الدموع المحتبسة التى خرجت بلا إرادة، بمجرد رؤية صديقتى بفستان الزفاف عائدة بمفردها، والدموع تسيل على وجهها، بعد اتصال هاتفى من الشرطة إلى والدها، بأن العريس خطف عروسته، فيعم الصمت والتساؤل فى عيون الجميع.

 

فنعلم أن العريس قام بأخذ عروسته من الكوافير ذاهباً إلى أحد الفنادق دون أخبار أهلها المنتظرين، تاركهم فى حالة فزع وخوف من أصابتهم بمكروه، حتى قاموا بإبلاغ الشرطة، بعدما فشلوا فى التواصل معهم، حيث قام بفعلته نكاية فى أهلها لحدوث خلاف بينهم، دون أى منطق أو عقل، فتحول ذلك الرجل المعروف بحبه الشديد لعروسته فجأة إلى ذكر يستخدم قواه الجسمانية لإجبارها على تنفيذ رغباته، تلك الطريقة التى رفضتها العروس لعدم إخبار أهلها المنتظرين فى لهفة وصول أبنتهم لقاعة الفرح، فرفضت الذهاب معه حتى تدخلت الشرطة بعد إجبارها وتواصلت بأهلها لأخذها ، حتى عادت إلينا بفستان زفافها المطلى بالزينة وفى عيونها نظرة حزن لا أنساها، وخوف جعلها لا تريد سوى البعد والانفصال، تلك القسوة التى أصابتها جعلتها تفقد إيمانها بالكثير، فتحول ذلك الفرح إلى حالة من الحزن والفزع بسبب تصرف بلا عقل، فكم من أحمق لم تعلمه الحياة سوي الغباء ...ولم تزيدة سوي الانتقام ..لا يستحق سوى البصق.

 

تذكرت حينها مقولة صديقتي أن الرجال أطفال لا ينضجون، ولكن أي حماقة تجعل شخص مكتمل العقل يتصرف كناقص عقل.. أي حماقة تجعل المرء يسعي للانتقام دون تفكير .. لم يسعني وقتها سوي وصفه بأنه شبه رجل كغيره من فاقدين العقل والقلب والحياة، كألواح زجاجية متحركة لا يعلمون من الحياة سوي ذكورتهم في مجتمع يشجع عن تضخمها، لا يبعثون الأمان فيمن حولهم، خلقوا لنفسهم وأنانيتهم،  وأن مقوله أن الرجال عقلانيين قد أصابها العفن هى الأخرى فبعضهم ناقصين عقل وقلب.

 

تظنين أن اللحظات تذوب مع ساعات الدهر، ولكن هناك لحظات لم يمحيها الدهر ولم يطويها الزمن فقد تتغلف بالذاكرة، فبمجرد أن تمرر شريط ذكرياتك قد يصيبك الضجر وقد تشعر ببعض الخذلان، وقد تغرق ف بحر رمالك المتحركة من ذكرياتك التي تشدك إليها، وتجد أن كل هذه المقاعد المتسعة حولك لم تعد تتحمل من يجلس عليها، فقد أصبحت ممتلئلة بذاتها، لا تريد أي دورة جديدة من الحزن، فعليك دائماً أن تعلم أنك قابل للتعويض ولكن حياتك غير قابلة، وأن البشر ناقصون فلا كمال ولا ملائكية لأحد، فخلف الزجاج الملون الكثير من الحكايات المظلمة، وخلف الكلام المنمق، الكثير من التزييف.

 

فعليكى ياصديقتى أن تتأكدي من عظمة ما تثورى من أجلة، ولا تنطلقى البته وراء الخرافات، ولا تأخذى الأمور بأنها مسلمات، لا تصدقى كثيرا، كفاكى تعمق فى تفاصيل ترهقك، املأى يومك بأبتسامة تذيب جليد التراكم،  فحينما تضيق الحياة أغرقى داخل نفسك، لتعلمى أن القوة بداخلك، وأصمتى وكأن الصمت ملاذك الآمن من سخافات البشر، وابتسمى في وجهة من خذلك، تجاوزى كل هذا دون أن يشعر أحد بأنك تعثرتي يوماً.

 

ربتت على كتف صديقتي، ونظرنا سويا إلي السماء كعادتنا لنعد النجوم، فكان القمر يطل منها على أستحياء ليرسم لنا لوحة فنية تثير أبتسامتنا، فشاورت لها على نجمى المفضل كأنه نجم الأمس الذى كنا نغازله، فسألتها ضاحكة هل تعبتي يا صديقتى؟ تبادلت معى ضحكاتها من قلبها هذه المرة... لم أتعب طالما أحلم في هذا البراح، حينها هطل رزاز المطر علي وجوهنا وكأنه يخبرنا أن الخير قادم لا محال.