مي سمير تكتب: اعترافات ضابط مخابرات أمريكى: واشنطن مولت "الربيع العربى" من تجارة المخدرات

مقالات الرأي



غزو أفغانستان هدفه استعادة السيطرة على أفيون بـ600 مليار دولار

أمريكا ساعدت "المجاهدين الأفغان" فى تطوير زراعة الحشيش


بفضل الغزو الأمريكى أصبح هناك مليون امرأة و100 ألف طفل من مدمنى المخدرات فى أفغانستان التى تحولت اليوم إلى «دولة مخدرات»، كما يؤكد ممثل الرابطة الثورية للمرأة فى أفغانستان، قى التقرير المفصل الذى نشره موقع «برفداريبورت» عام 2017، ورصد فيه كيف طورت المخابرات المركزية الأمريكية، «سى آى إيه» علاقاتها بمافيا تجارة المخدرات فى العالم.

تحت عنوان «سى آى إيه تزيد تهريب المخدرات فى أفغانستان لتمويل الوكلاء فى جميع أنحاء العالم»، نشر «برفداريبورت»، الأسبوع الماضى، تقريرا مفصلاً عن العالم السرى لتجارة المخدرات فى أروقة المخابرات الأمريكية، مشيراً إلى أنه فى 11 مارس الماضى صرح رئيس قسم مكافحة المخدرات فى وزارة الصحة العامة فى أفغانستان، شاهبور يوسف، أن هناك ما لا يقل عن مليون امرأة و100 ألف طفل من مدمنى المخدرات فى أفغانستان، وجميع الأطفال كانوا جميعاً أقل من 10 أعوام.

ووفقا ليوسف، فإن مراكز إعادة التأهيل فى أفغانستان لديها القدرة على مساعدة نسبة صغيرة فقط من المدمنين، ولكن يبدو أن المشكلة بعيدة عن عدد مراكز إعادة التأهيل من المخدرات فى البلاد، التى توفر 93٪ من الأفيون فى العالم.

وقالت مروة موسوى، وهى امرأة أفغانية تتلقى العلاج فى أحد هذه المراكز، بأن العلاج من الإدمان غير مجد، لأنها عندما تغادر المركز، ستعود مرة أخرى إلى المخدرات طالما أن هناك مهربين وتجاراً.

تشير هذه الأرقام على الأرجح إلى أن إحصائيات العام الماضى التى أصدرتها الحكومة الأفغانية والتى أفادت أن إجمالى المدمنين فى البلاد أكثر من ثلاثة ملايين، وفى الوقت نفسه، نشرت الرابطة الثورية لنساء أفغانستان «RAWA» رسالة باللغة الفارسية، تشجب أنه بعد أكثر من 16 عاماً من الغزو الذى قادته الولايات المتحدة فى أفغانستان والتى وعدت بإطلاق سراح النساء الأفغانيات، لا تزال فى ضحايا الجحيم الأفغانى التى يتم إنشاؤها من قبل الولايات المتحدة، طالبان، داعش، الجهاديين، والتكنوقراط.

ذكرت الرابطة أن طالبان وداعش ليستا المجموعتين الوحيدتين فى أفغانستان التى تؤذى النساء، إذ إن قوات الولايات المتحدة وحلف الناتو يلعبون دوراً فعالاً فى تدمير كل أشكال الحياة الأفغانية بفضل الضربات العسكرية الجوية التى تدمر المدارس والمستشفيات والبيوت.

ووصلت الخسائر المدنية إلى مستويات قياسية فى أفغانستان: ففى العام الماضى، قتل 10 آلاف مدنى فى الدولة الواقعة فى آسيا الوسطى، ووفقاً لبعثة الأمم المتحدة للمساعدة فى أفغانستان «أوناما»، وثقت الأمم المتحدة أكثر من 16 ألف حادثة ذات صلة بالأمن فى الأشهر الثمانية الأولى من عام 2017، حيث أن نظام الرئيس الأمريكى دونالد ترامب سمح بزيادة الضربات الجوية منذ توليه السلطة فى يناير 2017، عند مستويات قياسية.


1- مخدرات تحمل ختم "سى آى إيه:

فى مقابلة مع «برفداريبورت»، أشارت فريبا، ممثلة الرباطة الثورية لنساء أفغانستان إلى أن السى آى إيه تواصل الاتجار بالمخدرات فى بلدها، إذ إنه ينظر إلى هذه لتجارة على أنها أسرع وأسهل طريقة لكسب المال لمساعدة المخابرات الأمريكية فى تمويل الوكلاء والقوات شبه العسكرية، فى مختلف الدول.

تعود المشاركة المباشرة لـ«سى آى إيه» فى تهريب المخدرات إلى وقت طويل، ليس فقط فى أفغانستان ولكن أيضا فى جميع أنحاء العالم، كما فى فضيحة «إيران-كونترا»، وكان والى كرزاى، وهو حاكم مقاطعة قندهار، وهو واحد من أكبر مهربى المخدرات الأفغان فى أفغانستان، قد ظل لفترة طويلة على جدول الرواتب الخاص بالسى آى إيه، والجدير بالذكر أن والى هو شقيق حامد كرزاى، الرئيس السابق لأفغانستان.

ووفقا لمكتب الأمم المتحدة المعنى بالمخدرات والجريمة، تقدر المساحة الإجمالية لزراعة خشخاش الأفيون فى أفغانستان بـ 328 ألف هكتار فى عام 2017، ومن الجدير بالذكر أن مجتمع الولايات المتحدة لا يزال أكبر مستهلك للمخدرات على مستوى العالم، وكان هناك 189 ألفاً من متعاطى الهيروين فى الولايات المتحدة فى عام 2001، قبل غزو الولايات المتحدة وحلف الناتو لأفغانستان. وبحلول عام 2016 ارتفع هذا العدد إلى 4.5 مليون منهم 2.5 مليون مدمن هيروين و2 مليون متعاط عادى، ارتفع معدل الوفيات من الهيروين فى أمريكا من 1700 فى عام 2001 إلى أكثر من عشرة آلاف فى عام 2014.

أحد الأهداف الخفية للحرب فى أفغانستان كان تحديداً استعادة تجارة المخدرات التى ترعاها وكالة المخابرات المركزية وممارسة السيطرة المباشرة على طرق تجارة المخدرات الدولية التى تبلغ تكلفتها 600 مليار دولار.

واقتصاد المخدرات الأفغانى هو مشروع مصمم لوكالة المخابرات المركزية، تدعمه السياسة الخارجية الأمريكية، لذلك من المفهوم جداً أن نرى أن زراعة خشخاش الأفيون قد ارتفعت منذ أكتوبر 2001، وأن هناك تقارير تفيد بأن حتى الجيش الأمريكى يشارك فى تجارة المخدرات.

مافيا المخدرات هى فى قبضة السلطة وتدعمها المخابرات الأمريكية، وفى الآونة الأخيرة، أفادت وسائل الإعلام الغربية أن والى كرزاى، شقيق حامد كرزاى، يدير أكبر شبكة من المخدرات فى شرق أفغانستان، ما يؤكد حقيقة أن كبار المسئولين الأفغان ينخرطون فى مثل هذه الأعمال غير الشرعية. ويضيف الموقع فى تحقيقه إن جهود مكافحة المخدرات هى مجرد أكاذيب، ويعطى دليلاً على الدور الذى يلعبه المسئولون فى أفغانستان فى تجارة المخدرات بدعم من أمريكى، وعلى سبيل المثال أمير حرب سابق يدعى الجنرال خوديداد أصبح هو نفسه وزير مكافحة المخدرات.

وفى هذه الأيام، ليست أفغانستان أكبر منتج للأفيون فى العالم فحسب، ولكنها أيضاً أكبر منتج للحشيش، وهو محصول آخر غير قانونى تستمد منه الماريجوانا.

اليوم تشهد المحاكم الأمريكية تفاصيل قضية تكشف حجم تورط المخابرات الأمريكية فى تجارة المخدرات فى أفغانستان، وفى بداية عام 2018 بدأت محاكمة جون إف أبوتسفورد، وهو من قدامى المحاربين فى أفغانستان يبلغ من العمر 38 عاماً، خدم بلاده أيضا كمحلل فى وكالة المخابرات المركزية، وأدين مؤخراً بحيازة مواد إباحية تتعلق بالأطفال، وهى اتهامات يزعم أن الحكومة الأمريكية قد أعدتها لمنع نشر كتابه المقبل «وكالة المخابرات المركزية فى أفغانستان: 30 عاما من تهريب المخدرات».

وقال أبوتسفورد للقاضي: «إذا كنت سأواجه السجن، فأنا أريد أن تكون الحقيقة معروفة قبل أن يحاولوا التخلص منى فى السجن».

وخلال جلسة المحكمة، ظل أبوتسفورد يستعرض الأحداث المتعلقة بعمليات تهريب المخدرات التى تقوم بها السى آى إيه فى أفغانستان، وأكد أن وكالة المخابرات المركزية تتعامل مع المخدرات منذ إنشائها، «لقد قاموا بتهريب المخدرات فى كل مكان فى العالم على مدى الستين سنة الماضية، فى تايوان فى عام 1949 لدعم الجنرال تشيانج كاى شيك ضد الشيوعيين الصينيين، وفى فيتنام، وفى نيكاراجوا، وهذا هو مجرد قمة جبل الجليد».

وحسب وثائق المحكمة، قال أبوتسفورد: «ساعدنا المجاهدين الأفغان على تطوير زراعة الخشخاش لمحاربة السوفييت، لكننا استعدنا الأمور بأيدينا فى عام 2001 عندما غزونا أفغانستان فى عهد جورج بوش الابن».

وادعى أبوتسفورد أن الهجمات الإرهابية التى وقعت فى 11سبتمبر قامت بها حكومته بالفعل وأنها كانت ذريعة لغزو أفغانستان، كما أنه يزعم أن تنظيم داعش يتم تمويل حالياً من عمليات التهريب المزعومة للهيروين التى تقوم بها السى آى إيه بهدف زعزعة استقرار حكومات الشرق الأوسط وإسقاط قادة الدول غير المتحالفة مع أمريكا، مثل بشار الأسد فى سوريا.


2- تاريخ أسود

فى يناير 2018 نشر موقع «كونتير بانش» تقريراً مفصلاً تحت عنوان «قابل السى آى إيه: الأسلحة، المخدرات والأموال»، تناول فيه التاريخ السرى لعالم تجارة المخدرات فى المخابرات الأمريكية، حيث بدأ التقرير بالإشارة إلى حادثة تعكس حجم تورط المخابرات الأمريكية فى هذه التجارة غير مشروعة.

فى 22 نوفمبر 1996، أدانت وزارة العدل الأمريكية الجنرال رامون جيلين دافيلا، من فنزويلا بتهمة استيراد الكوكايين إلى الولايات المتحدة. وزعم المدعون العامون الاتحاديون أن الجنرال جيلن، أثناء إدارة وحدة مكافحة المخدرات فى فنزويلا، قام بتهريب أكثر من 22 طناً من الكوكايين إلى الولايات المتحدة وأوروبا لصالح عصابات تجارة المخدرات «الكارتيل» فى كالى وبوجوتا بكولومبيا.

ورد جيلين على لائحة الاتهام من ملجأ فى كاراكاس، حيث رفضت حكومته تسليمه إلى ميامى، فى حين تم تكريمه بالعفو عن أى جرائم محتملة ارتكبت أثناء أداء الواجب، حيث أكد أن شحنات الكوكايين إلى الولايات المتحدة تمت الموافقة عليها من قبل وكالة المخابرات المركزية، وأن بعض المخدرات قد اختفت، وأنه لا وكالة المخابرات المركزية ولا إدارة مكافحة المخدرات تريدان قبول أى مسئولية عنها.

وكانت وكالة المخابرات المركزية استأجرت جيلين فى عام 1988 لمساعدتها فى معرفة معلومات عن عصابات المخدرات الكولومبية، وأدارت الوكالة وجيلين عمليات تهريب مخدرات باستخدام وكلاء جيلين فى الحرس الوطنى الفنزويلى لشراء الكوكايين من كارتل كالى وشحنه إلى فنزويلا، حيث تم تخزينه فى مستودعات للمخدرات فى كاراكاس، والتى يديرها جيلين وتمول بالكامل من وكالة المخابرات المركزية.

ولتفادى إثارة شكوك الكارتلات فى كولومبيا، التى قد تشعر بالقلق من المخزون المتنامى من الكوكايين فى مستودعات مركز المخدرات فى فنزويلا الذى تديره المخابرات الأمريكية، أو كما قال أحد عملاء وكالة المخابرات المركزية: «للحفاظ على مصداقيتنا مع التجار»، قررت وكالة المخابرات المركزية السماح لبعض من الكوكايين المضى قدما من خلال شبكة لتجارة المخدرات فى الولايات المتحدة، وكما قال عميل آخر لسى آى إيه: «أرادوا السماح للمخدر بالعبور»، بعبارة أخرى، السماح ببيع المخدرات فى شوارع ميامى ونيويورك ولوس أنجلوس.

فى عام 1989، تم نقل 3 آلاف رطل من الكوكايين إلى الولايات المتحدة. وخلال السنوات الثلاث التالية، شق أكثر من 22 طناً من الكوكايين طريقه عبر خط الأنابيب إلى الولايات المتحدة، مع وصول الشحنات إلى ميامى إما فى منصات شحن مجوفة أو فى صناديق من الجينز الأزرق.

وفى عام 1990، علم موظفو إدارة مكافحة المخدرات فى كاراكاس ما يجرى، لكن الأمن كان متساهلاً، حيث إن إحدى موظفات إدارة مكافحة المخدرات فى فنزويلا كانت على علاقة مع رجل المخابرات المركزية الأمريكية هناك، وآخر كان على علاقة مع الجنرال جيلين نفسه.

واستمرت شحنات الكوكايين من كاراكاس إلى ميامى لمدة عامين آخرين، وفى نهاية المطاف، أسقطت دائرة الجمارك الأمريكية الستار عن العملية، وفى عام 1992 ضبطت شحنة من الكوكايين فى ميامى وألقى القبض على أحد أتباع جيلين، وهو أدولفو روميرو، وأُدين فى النهاية بتهم تتعلق بتآمر فى تجارة المخدرات، جرت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية مراجعة داخلية لهذه الكارثة ولكن التحقيق انتهى بالإشارة أنه لم يكن هناك «دليل على ارتكاب مخالفات جنائية».

وحسب موقع «كونتير بانش»، تحتاج منظمات مثل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية إلى الانغماس فى الأوساط الإجرامية، التى توفر لها إمدادات غير محدودة فعلياً من الأموال السوداء أو المغسولة، ويتطلب مثل هذا النشاط كادراً طويل المدى من المديرين التنفيذيين الذين لا يمانعون من صنع ثروات شخصية من أنشطتهم السرية.

تجارة المخدرات جزء لا يتجزأ من هذا العالم، وتمر شبكات توزيع المخدرات مرة أخرى عبر مناطق متنازع عليها مثل أفغانستان وفيتنام وأمريكا الوسطى، وكان تجار المخدرات من أمراء الحرب فى المناطق الريفية فى لاوس إلى الشرطة التايلندية والجنرالات فى هندوراس، على نفس القدر من الاهتمام الشديد لأى وكالة استخبارات.

كما أن بيئة المخدرات فى مراحلها المختلفة للإنتاج والإرسال، ترتبط حتما بالعنف المنظم، من عمليات التهريب إلى القوات شبه العسكرية إلى المشرفين على حرب العصابات إلى الجماعات العسكرية إلى الجنرالات الذين يسيطرون على شريحة من هذه التجارة غير المشروعة، وكل هذه المجالات هى مرة أخرى محورية لمخاوف منظمة مثل وكالة المخابرات المركزية. وتجار المخدرات «ما لم يعملوا كذراع للحكومة، كما هو الحال فى المكسيك» غالباً ما يكونون معارضين للسلطة الحاكمة، وهى حالة ذات أهمية قصوى لجسم مثل وكالة المخابرات المركزية.

من وجهة نظر أسياد تجارة المخدرات، فإن التحالف مع أو التوظيف من قبل وكالة المخابرات المركزية مثمر بنفس القدر، ويمكنهم استخدام خدمات السى آى إيه من قمع منافسيهم وحماية زراعة المخدرات، ويمكن أيضاً استخدام الشركات التابعة للسى آى إيه، مثل شركة طيران إير أمريكان، لتوفير الوصول إلى الأسواق الدولية.

وحسب الموقع، قامت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية مراراً وتكراراً بقمع التحقيقات الجنائية مع عملائها من قبل دائرة الجمارك الأمريكية، ووكالة مكافحة المخدرات ومكتب التحقيقات الفيدرالى.

وبالنظر إلى هذه المجالات ذات الاهتمام المتبادل، ليس من المستغرب أن وكالة المخابرات المركزية، منذ إنشائها، كانت متواطئة دائمة مع مهربى المخدرات، وتساعد على مرورهم الآمن، وتحمى أنشطتهم، وتكافئ أمراء المخدرات، وتوظفهم فى مهام سرية، وتستعمل أرباح هذه التجارة غير المشروعة فى تمويل عملياتها الأخرى، وحقيقة أن هذه المخدرات ينتهى بها الأمر فى عروق الأمريكيين لم تردع الوكالة أبد.