محمد جودة يكتب: مسيرة العودة.. كابوس "إسرائيل" القادم

ركن القراء



غزة فقدت كل أمل لمواطنيها بحياة كريمة، على مستوى العلاقة مع إسرائيل، خاضت ثلاث حروب طاحنة ، انتهت بصمود القطاع مقابل تدمير شبه كامل لبنيته التحتية، واقتصاده، وجاء الحصار ليكمل ما عجزت عنه الحروب الثلاث، لترتفع معه مستويات الفقر والبطالة وانهيار المؤسسات الخدماتية من صحة وتعليم، وتقييد حرية حركة المواطنين بخاصة أمام المرضى والطلاب وأصحاب الإقامات العالقين في القطاع.

وفي غزة يعاني السكان من تلوث مياه الشرب بنسبة وصلت إلى 97 بالمائة، وانقطاع شبه كلي للتيار الكهربائي، في ظل القيود التي تفرض على إدخال الوقود لمحطة الكهرباء الوحيدة .

وعلى مستوى المصالحة.. فقد الغزيون الأمل ، خاصة بعد محاولة تفجير موكب رئيس الوزراء الفلسطيني رامي الحمدالله أثناء افتتاحه محطة لتحلية مياه الشرب شمال القطاع ، تفجير أطاح بملف المصالحة بالكامل وأعاد الفلسطينيين لمربع الانقسام الأول، مع وعيد بالمزيد من الإجراءات العقابية من السلطة الفلسطينية على حماس، والتي ستنعكس بدرجة كبيرة على المواطنين أيضا.

غزة الآن تذهب بإتجاه مسيرة العودة كخيارا ممكنا ومتاحا، بعدما سدت في وجهها  كل الخيارات الأخرى التي كانت تأمل أن تؤدي لتخفيف آثار أزمات القطاع المعقدة.

هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها تنظيم مسيرات تتجه صوب السياج الحدودي، لكنها الأخطر وفقا للتقديرات الفلسطينية والإسرائيلية علي السواء، حيث تشكل مسيرة العودة خطوة عملية أولى لمواجهة مسلسل تصفية القضية الفلسطينية التي تتسارع في ظل ما يصفه الفلسطينيون بالتواطؤ الدولي، وفي ذات الوقت تمثل ردا شعبيا فلسطينيا على صفقة القرن وقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إعلان مدينة القدس عاصمة لإسرائيل. 

مسيرة العودة التي اتفقت عليها قيادة الفصائل كإسلوب للمقاومة الشعبية السلمية، وأعلنت عن موعد انطلاقها يوم الأرض بإتجاه الشريط الحدودي هي مطالبة وحق فلسطيني أصيل لوضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته بضرورة  تطبيق قرارات الشرعية الدولية وعلى رأسها قرار 194، الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة وجاء في الفقرة 11 منه بأن الجمعية العامة "تقرر وجوب السماح بالعودة، في أقرب وقت ممكن للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى ديارهم، وكذلك عن كل فقدان أو خسارة أو ضرر للممتلكات، بحيث يعود الشيء إلى أصله وفقاً لمبادئ القانون الدولي والعدالة، وبحيث يعوّض عن ذلك الفقدان أو الخسارة أو الضرر من قبل الحكومات أو السلطات المسؤولة".

لذلك فإن مسيرة العودة تشكل معركة جدية على أرضية القانون الدولي، لتعزيز قدرة  الفلسطينيون على تكريس الرواية الفلسطينية، وإعادة القضية الوطنية للصدارة، في ظل تراجعها بسبب تناقضات الإقليم التي أدت لحروب طاحنة تحت شعار ما يسمى بالربيع العربي ،وقد يؤسس ذلك لمرحلة جديدة في تاريخ نضال الشعب الفلسطيني، على اعتبار أنها تظاهرة تتقاطع معها رؤى  الكل الفلسطيني علي مختلف مشاربهم السياسية والفكرية، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار. وهذا ما افتقدته الساحة الفلسطينية طوال الأعوام السابقة بسبب الانقسام .

خلاصة القول أن اسرائيل تنظر بخطورة كبيرة لمسيرة العودة ،وحسب التقديرات الإسرائيلية والدولية فإن غزة على وشك الانفجار،ويبدو أن الفلسطينيون أعدوا العدة  للإنفجار بإتجاه المناطق الحدودية والأراضي التي تحتلها اسرائيل، بهدف إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية، والتأكيد على حق العودة للاجئين الفلسطينيين في ظل مساعي الإدارة الأمريكية لشطب هذا الحق .. فهل ينجح التحرك الشعبي للفلسطينين بتحقيق حلم العودة في الوقت الذي فشلت فيه الدبلوماسية الفلسطينية بعد عقد ويزيد من المفاوضات مع إسرائيل؟؟