أحمد جمال يكتب: "The Shape Of Water" وزواج متحدي الإعاقة

الفجر الفني



تجربتي كمستخدم لكرسي متحرك في مصر، كيف يمكن لي أن أقيمها بعد مرور 12 عاما على تعرضي لحادث وكدمة في النخاع الشوكي.

 

بالتأكيد سيظن العديد من الأشخاص المحيطين بي أنني بطلا من أبطال هذا الزمن، إذ تمكنت من تحدي إعاقتي، وتخطيت العديد من المراحل التعليمية على هذه الحالة، بداية من الثانوية العامة ومرورا بالجامعة وحتى تمكنت من شق طريقي في مجال العمل وأصبحت حاليا على ما أنا عليه.

 

الحقيقة أن تعاملي مع حالتي المرضية يختلف كثيرا عن الطريقة النمطية التي يتعامل بها الغالبية العظمى من البشر مع مستخدمي متحدي الإعاقة الحركية، فأنا لا أحزن مثلا حين أرى أشخاصا يلعبون كرة القدم في حين أنني غير قادر لذلك، فلدي "البلاي ستيشن"، يمكنني تعويض ذلك من خلاله.

 

كما أنني أسعد دائما بالاهتمام المحيط بي من جميع من حولي حين أزور مكانا جديد، فأجد من يفتح لي الباب، وأجد من يوقف لي الطريق لمرور الشارع كمثل رجال الدولة المهمين، لن أقايض هذه المكانة التي حصلت عليها من استخدامي لكرسي متحرك بأي شيء.

 

ولكن ككل شيء في هذا العالم، هناك جانب مشرق، وجانب مظلم، وحديثي عن الجانب المظلم من كوني متحد للإعاقة لن يعني تأثري به، ولن يشمل سوى الجانب المظلم الذي أراه من منظوري أنا فقط، فيجب أن يعلم الأعزاء القارئين لهذا المقال، أن متحدي الإعاقة باختلاف حالاتهم تختلف أنماط عيشهم وأنماط معاناتهم في الحياة.

 

أتحدث هنا عن الجانب المظلم الذي كان لي به التجربة الأكبر وهو مسألة الارتباط والزواج لمتحدي الإعاقة في مصر.

 

من تجارب عديدة تمكنت من مطالعتها نقلا عن عدد لا بأس به من رفقاء الإعاقة، أستطيع أن أقول أن تعامل هذا المجتمع مع الحالات الخاصة أمر في غاية التعقيد.

 

فأنت كشاب تعاني من إعاقة تسير في الشارع أو تذهب لعملك أو تتردد على مقهى، تجد كل الاحترام والتقدير من الكبير والصغير ممن حولك، وإذا ما نجحت في حياتك العملية ووصلت لقدر من التفوق لم يكن ليتخيل أحد أن تصل له، ينبهرون بك ويهللون لك ويتغنون بإنجازاتك، ولكن حين يقترب الأمر من مسألة المصاهرة، تكتشف وكأن الأرض تحولت فجأة لدورتها الليلية، وكأن ثلوج المنطقة القطبية الأشد تجمدا ذابت أسفل قدميك في لحظات.

 

ماذا يحتاج الآباء أو الفتيات أو الرجال في المجتمع المصري للاقتناع بالراغبين في الارتباط بهم أو بذويهم من ذوي الإعاقة، وهل هناك بالفعل ما يحتاجونه للاقتناع أم أن فكرة الاقتناع من الأصل غير واردة.

 

عندما يرفض أب أو ترفض أم أن ترتبط ابنتها بشخص متحدي للإعاقة، هل تعرّفوا قبل ذلك على شخصية تدعى "نيكولاس فيوتتش" أو Nick Vujicic، الصربي الذي ولد من الأصل بدون أي أطراف في جسده، بدون ذراعين أو قدمين، وأصبح حاليا من أنجح البشر على وجه الأرض وتزوج وأنجب ثلاثة أطفال.

 

أو عندما ترفض فتاة الارتباط بشاب بسبب إعاقته، هل علمت بأمر عميد الأدب العربي طه حسين أو الموسيقي الأوبرالي الإيطالي الشهير أندريا بوتشيلي، أو عالم الفيزياء العبقري الراحل ستيفن هوكين، والذين كانوا جميعا يعانون من إعاقة رئيسية لم تمنعهم من تغيير العالم من حولهم.

 

أو عندما يرفض الشباب الارتباط بفتاة مستخدمة متحدية للإعاقة، هل علموا بأمر العداءة البريطانية هانا كوكروفت التي تعد أسرع عداءة بكرسي متحرك في العالم.

 

المثير للشفقة في هذه القضية الأسباب السطحية للرفض التي كانت دائما فقط وجود الإعاقة، التي لم يكلف رافضوها أنفسهم عناء النظر لما وراءها أو من خلالها، لم يكلف أي من هذه النماذج الرافضة لمصاهرة معاق ناجح، أنفسهم عناء النظر لأسباب نجاحه، أو كيفية نجاحه أو قدرته على النجاح رغم ما يمر به، والتي لا تؤهله فقط لتكوين أسرى، بل تؤهله لإعادة تشكيل الكون بأسرع إذا أراد.

 

أتحدث عن هذه القضية كمراقب ولست كمتضرر، لأنني وقد أكون حالة نادرة، على عكس الملايين من الشباب في مصر لا أتعامل مع الزواج على أنه قضية حياة أو موت، ولا اعتبره إنجازا على الإطلاق ولكنه وسيلة تساعد على تحقيق الانجازات في الحياة.

 

ولكن لأن هذا الموضوع يعاني منه الكثيرون، المئات أو حتى الآلاف من متحدي الإعاقة، لا يسعني سوى أن أسلط الضوء على الطريقة العنصرية التي يتعامل بها متحدي الإعاقة من هذا الجانب.

 

هل سخرية القدر ستدفعنا للانتظار حتى يحدث لنا ما حدث لبطلة الفيلم الحاصل على جائزة أفضل فيلم بجوائز الأوسكار 2018، فيلم The shape of water.

 

الفيلم الذي نظر إليه المشاهدون نظرة نمطية لغرابته وعدم تقليديته، في حين أنه يعد من أعمق الأفلام التي شاهدتها في حياتي كصحفي وكإنسان.

 

هل على متحدي الإعاقة الانتظار لوصول كائن فضائي مثلما حدث مع بطلة الفيلم التي كانت تعاني من الصم، وكانت تسبب لها إعاقتها في التصنيف والعنصرية ممن حولها، فلم تجد من يرغب في الارتباط بها.

 

حتى جاء الوحش البحري، الذي لم يسألها عن علتها، ولم يلحظها من الأساس، فتقبلها على ما هي عليه، ورحبت به على هذا الأساس أيضا.

 

هل هذا ما سيؤول إليه متحدي الإعاقة في مصر والعالم الطامحون للارتباط في النهاية بانتظارهم لكائن فضائي يشعر بهم، أم مازال هناك من بين البشر من لا يفكر كجميع البشر.