وجيه وهبة يكتب: "ساندرا".. واللغة المفقودة

الفجر الفني



■ فيلم ساندرا نشأت (شعب ورئيس) هو نموذج محترم وفريد من نوعه، فنياً وسياسياً، فى سياق الواقع المؤسف لإعلام المنظومة الحاكمة. فيلم يعبر عن حرفية مميزة ولغة مفتقدة لفن الترويج والدعم والتأييد، وهو حق مشروع. تأييد بلا ابتذال أو تدنٍ. تأييد لا يستفزك، ولا يجلب السخط على المؤيَّد والمؤيِّد.


اتفاقاً أو اختلافاً مع تفاصيل المحتوى، هو درس لكل الطبلجية ومشغليهم وللراقصين على إيقاع طبولهم. ويبقى السؤال:

إذا كانت لديكم كفاءات مثل ساندرا وفريق عملهاـ وبالتأكيد لا نعدم أمثالهم- فلماذا اللجوء لعديمى المواهب، والاستعانة ببعض المعتوهين سياسياً وثقافياً.. أو من الأرزقية من إعلاميى كل الموائد فى كل العصور؟! ترى هل يكون فيلم ساندرا فاتحة خير لذهنية إعلام حكومى جديد، أم أن المسألة لم تكن سوى بيضة الديك؟!

■ اسم ساندرا اختصار لاسم يونانى الأصل هو (ألكسندرا)، ويتكون من مقطعين، يدور معناه فى اليونانية القديمة والحديثة حول وصف التى لا تقهر أو المدافعة عن الإنسان.. مجرد مصادفة لغوية.

■ من مآثر الفيلم تصحيح الرئيس مفهوم الاصطفاف على قلب رجل واحد، وهى العبارة التى طالما رددها منذ توليه، ولم يعرها شارحوه انتباهاً، فهى تحوى ألغاماً فاشيستية، فلم يوضحوا للناس أنها تستخدم فى مواجهة الحرب على الإرهاب فقط، ولا تعنى كبتا وقمعا للاختلاف فى وجهات النظر، فى كافة شؤون البلاد.

 

■ فى لقائه مع أبطالنا البواسل فى سيناء، أمس الأول، قال الرئيس: «لى الشرف أنى موجود، ولابس زيكم، وأواجه الإرهابيين عشان خاطر ربنا، لأنهم أساءوا إساءة كبيرة لدين ربنا بتصرفاتهم وإرهابهم، إحنا بنواجه أشرار وخوارج العصر».

 

... حين يتحدث الرئيس- وله كل الاحترام الواجب- كثيراً ما نفتقد مفردات لغة السياسة، وتتخلل مفردات الخطاب الدينى، خطابه الوطنى نحو أسلمة الخطاب السياسى. ونفهم أن يصف أحد رجال الدين الإرهابيين بالتكفيريين أو الخوارج، فهذا شأنه وشأنهم. فمصطلح الخوارج إسلامى صرف. ولكن معركتنا مع القتلة قاطعى الرؤوس وداعميهم فى الداخل والخارج ليست معركة فقهية، وليست معركة بين طائفتين من طوائف الإسلام، وليست معركة بين رافضة ونواصب. هى معركة مصر ضد قتلة إرهابيين وكفى.

 

وبلغة القانون، توجد جرائم إرهاب وقتل وتحريض عليهما، ولا توجد جرائم تكفير وخوارج.. وإذا تحدث رئيس مصر، فى أمر جلل مثل الإرهاب، فيجب أن يكون ذلك بلغة واضحة غير مربكة لسامعيها فى كل أنحاء العالم، وبلا لبس هو الإرهاب، وهم الإرهابيون.. ولنترك استعمال وصف التكفيريين وخوارج العصر لرئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، لا لرئيس الدولة المصرية.

 

■ الإباضية فرقة من الخوارج (فى رأى الكثيرين). والمذهب الإباضى مذهب الأغلبية فى سلطنة عمان. والمواقف المحمودة للسلطنة مع مصر فى السراء والضراء تبين عمق العلاقات الودية.

 

■ المصريون اختاروا رئيسهم، فى انتخابات حرة، من أجل الدفاع عن أرواحهم ومعيشتهم الحرة الكريمة. وليس للدفاع عن الدين، فلنتكلم بلغة السياسة والوطن والمواطنة، كيلا نقع فى فخ لغة الحروب الدينية والطائفية. ولتحفيز جنودنا (أبطالنا البواسل) هناك العديد من الأساليب المحفزة التى تعمق، وتجذر لخطاب المواطنة فى ذات الوقت. والأديان لا يدافع عنها بالرصاص. وإنما الأوطان وأرواح البشر هى التى يدافع عنها بالرصاص والقصاص.

 

■ إقحام الدين واستخدامه فى المجال السياسى، سواء عن اقتناع أو عن توظيف عمدى، هو من أسهل الوسائل لتعبئة وحشد الجماهير والتقرب إليها، ولكنه أيضاً، وعلى مدار التاريخ، من أكثر الأساليب خطورة على من يلجأ إليها، وعلى المجتمع أيضا. وتاريخنا القريب يشهد بذلك.

 

■ التزيد فى حشر المفردات الدينية فى كل تفاصيل الحياة اليومية على مدار الساعة، ليس دليلاً على حسن إيمان المؤمن، ولا يدل بالضرورة على حسن سلوكه. كما أن التخفف من تلك المفردات، لا يشير إلى نقص فى إيمان ولا يغير من حسن السلوك.

 

■ لعل من أفضل ما قاله المرشح الرئاسى، موسى مصطفى موسى، وسبق أن نادينا به فى هذا المكان، هو دعوته لعودة الأزهر إلى دوره المنوط به، كهيئة مختصة بالعلوم الإسلامية واللغة العربية وفقط. وهو ما يتفق مع نص الدستور. فما وجه الغرابة فى ذلك؟ ولماذا هذا الهجوم الشرس عليه وعلى اقتراحه؟!

 

أقول لك يا سيدى، وجه الغرابة هو أن ذلك سوف يتعارض مع أكل عيش وبغاشة، ومصالح الكثيرين من المستفيدين من هذا التوسع الأفقى الكبير للمعاهد والكليات التابعة لمؤسسة الأزهر. والآن، وبعد مضى أكثر من خمسين عاماً على بدء جامعة الأزهر بكافة تخصصاتها من طب وهندسة وغير ذلك العديد من التخصصات، ترى ماذا أفدنا من تلك التحويجة القائمة على خلط لغة العلم بلغة الدين؟ هل أنجزنا علماً متميزاً وعلماء متميزين عن أقرانهم فى الجامعات الأخرى المدنية؟ هل تجذر خطاب دينى وسطى متميز، أم أن الإجابة عن هذه الأسئلة هى أننا أفسدنا اللغتين معاً، مع المزيد من الانحدار العلمى، والتطرف الدينى؟ وهل نسينا ما كان يحدث بالأمس القريب من الفوضى والتخريب من جانب طلاب جامعة الأزهرـ تضامناً مع الإخوان المسلمين- بالإضافة لاعتداء بعضهم على معلميهم؟ ولن نتحدث عن اختراق الجامع والجامعة، عن طريق الدعم المالى من بعض غير المصريين، بتكأة التبرع لتأسيس أقسام ومعاهد، فلذلك قصة أخرى سوف نوردها فى حينها.

 

■ لقد أصبح الأزهر (الجامع والجامعة) جسداً هائلاً، يصعب سيطرة الرأس التامة عليه.. أى رأس.. أى شيخ أزهر. والوسطية والاعتدال المعروفان عن شيخه الحالى وغالبية من تولوا المشيخة مؤخراً لا يعبران عن كافة أجزاء هذا الجسد المتضخم.

 

■ فى بلد مثقل بالديون، وشعب ما زال حلم غالبيته (المم).. (اللحمة). (شاهد فيلم شعب ورئيس).. أتوقع وآمل أن يراعى ذلك القائمون على الاحتفالات بفوز الرئيس القادم. فلا يجب أن تنكأ الرئاسة (القدوة) أعين الفقراء، بمظاهر البذخ الاحتفالية. وليعلموا أن هيبة القادة لا تتحقق بالمظاهر والشكليات. وبالطبع لا نطالب بنهج غاندى ولا ببساطة قادة دول أوروبا الغنية، ولكن أيضا يجب أن ننأى عن نهج البذخ الاحتفالى لهتلر وموسولينى وبوكاسا وعيدى أمين. ولنلجأ للغة الصورة، وبدلاً من الكلام عن التبسط والبساطة والتقشف، فلنحول ذلك لسلوك عملى تشهده الأعين، فتقتدى به النفوس.

هذا المقال نقلا عن المصري اليوم