عادل حمودة يكتب: الكلمة السحرية فى الانتخابات الرئاسية

مقالات الرأي



سنطالب بتوسعة هامش الحريات ورفع كفاءة الصحة والتعليم وليس أمام من يتقاعس سوى أن يبلع لسانه ويسكت

ما حدث فى يونيو ويوليو 2013 معجزة سياسية لم تحدث من قبل لإعادة النظر فى طبيعة الحكم وشخص الحاكم

صدق المصريون بالخارج أن بلادهم عادت إليهم ونجت من مؤامرات الانتحار ولم يكن إقبالهم على مراكز الاقتراع تصويت ا لمرشح وإنما مساندة لجيشهم

لقد احتاج أكثر خبراء الاستراتيجية احترافًا أربع سنوات ليستوعبوا ما جرى فى مصر

لو كان تكرار الكلام أمرًا من السحر فإن الهجمات التى شنتها مئات المقالات فى صحف العالم ضد مصر طوال الأربع سنوات الماضية لم تفلح مع أهلها الذين يعيشون ويعملون فى الخارج وواجهوا صعوبات الطقس الردىء فى أوروبا وبعد المسافات فى الولايات المتحدة واختلاف الظروف فى الدول العربية وتوافدوا على مراكز التصويت فى الانتخابات الرئاسية التى بدأت بهم.

لم يصدقوا كل ما سمعوا من كلمات وقرأوا من مقالات وشاهدوا على الفضائيات من تصورات توجع القلب وتهز الإيمان وتحرض على التمرد.. أن النظام سيسقط والاقتصاد سيفلس والإرهاب سيسيطر والجوع سيستشرى.. والمستقبل سيظلم.

لم يصدقوا ذلك كله، رغم ما فيه من حيل بارعة وأساليب مبهرة.. فكل ما يبرق فى العيون ليس دائما ذهبا.. لكنهم.. صدقوا أن بلادهم عادت إليهم بعد انهيار.. ونجت من مؤامرات الانتحار.. وتماسكت وقويت بعد طول انتظار.. إن قلب المواطن دليله.

تابعوا ما يجرى على أرض مصر من تطوير وتحديث وتغيير بعيون مفتوحة.. لم يروه بعيون كارهة مصابة بالحول السياسى أحيانا والسواد غالبا.. وكان ردهم القاطع المثل الشائع: من لا يرى من الغربال أعمى.

لم يكن إقبالهم على مراكز الاقتراع تصويتا لمرشح حسمت النتيجة لصالحه قبل أن تبدأ الانتخابات، وإنما كان مساندة لجيشهم الذى يطهر سيناء بالعرق والدم من تنظيمات الشيطان التى لا ترى من الدنيا سوى الخراب والدمار ويطربها صوت الانفجار.

ودعما لوحدة بلادهم الوطنية التى لا تفرق بين دين وآخر إلا بالعمل وتؤمن بأن صوت أجراس الكنائس لا يقل قدسية عن رفع الأذان فى المساجد.

واعترافا بخطة تنمية غير مسبوقة تسعى جاهدة لإزالة الغبار عن وجه الحياة فى مختلف المجالات ومختلف الجهات من شمال الإسكندرية إلى جنوب أسوان ومن شرق رفح إلى غرب السلوم.

وتصديقا على سياسة خارجية تجيد التفرقة بين العدو والحليف وتسامح الصديق على أخطائه حتى يعود إلى صوابه وترفض التورط فى مغامرات غير محسوبة ولا تميز قوة عظمى على حساب قوة عظمى أخرى منافسة لها وترفض وجود قواعد أجنبية على أرضها وتعرف كيف تحافظ على أمنها القومى بداية من الماء وانتهاء بالغاز.

ولابد أن المصريين فى الخارج أذهلوا الدول التى يعيشون فيها عندما احتفلوا بتصويتهم ومعهم أطفالهم رقصا وطربا وفرحا أمام سفاراتهم وكأنهم فى مناسبة خاصة.

ولو كان أهلنا فى الخارج أدركوا الحكمة من نزولهم الكثيف، رغم ما يواجهون من دعاية مضادة وشرسة تطاردهم وهم يشاهدون التليفزيون ويقرأون الصحف ويتحدثون مع جيرانهم فإن أهلنا فى الداخل يلمسون أكثر منهم الحقائق على الأرض بل ويعيشونها ساعة بساعة ولحظة بلحظة ولذلك لن يترددوا كما أتصور فى نزولهم للتصويت دون تردد مثلهم بل وأكثر.

إننى لم أنس أيام كنت أعيش فيها غير آمن على نفسى وعلى عائلتى فى ظل حكم جماعة فاشية لا ترى من الرأى سوى ما تعرف.. ولا تصدق من الحقيقة إلا ما فى عينيها من صور زائفة.. ولا تؤمن إلا بأن المختلفين معها عقائديا وسياسيا وإنسانيا أعداء لها يجب التخلص منهم جملة أو فردا فردا ولو بعد حين.

ورفضت أكثر من دعوة للذهاب إلى القصر الجمهورى ومصافحة مندوب مرشد جماعته الذى يحتل المكان فليس بينى وبين الإخوان عمار ولو تبادلنا فى تلك اللحظات السلام فإنه سرعان ما سيعتبر موقفى استسلاما براية بيضاء سرعان ما تتحول إلى خنجر يخترق الضلوع سرا فى الخفاء.

لم أعط الأمان للإخوان، كما فعل غيرى من قيادات حزبية وخبراء فى العلوم السياسية بحجة أنهم فصيل وطنى مثلهم مثل غيرهم ولا يجوز إقصاؤه لكنهم سرعان ما فاقوا على إقصائهم هم.

ومثلى مثل غيرى بحثنا عن وطن آخر نودع فيه أطفالنا دون أن نهرب من المواجهة فى بلادنا أو نتركها لدعاة الفتنة ورعاة القسوة ليعيدوها إلى عصور ما قبل النور حين كانت محاكم التفتيش تفتش فى الضمائر والعقول وتقتل وتسجن وتحكم باسمها وتدعى أنها تحكم باسم الله سبحانه وتعالي.

لم نخش على أنفسنا من سجن أو اغتيال وخرجنا على الهواء فى البرامج التى نقدمها أو فى الصحف التى ننشرها ندعو المصريين للخروج من ظلام الحكم وظلام الكهرباء الذى فرض نفسه علينا فى حالة من الذهول، مما حدث فى غفلة لم نتوقعها أو نحسب حسابها.

وكان ما كان فى يونيو ويوليو 2013.. معجزة سياسية لم تحدث من قبل.. خرج للشارع ملايين من المصريين فاق عددهم بمئات المرات فرق الأصوات التى فاز بها الرئيس الإخوانى فى حالة أخرى من الذهول لم نتوقع حدوثها.

ودخلت فى مناقشات أكاديمية جادة جرت فى أكثر من جامعة أمريكية وأوروبية وأثبت بما درسنا من نظريات العلوم السياسية أن ما جرى ليس انقلابا عسكريا وإنما ثورة شعبية صححت أخطاءها.. إن الانقلاب العسكرى لا يحتاج سوى قوة بدنية مسلحة تستولى على الحكم.. ولكن أن يقوم به ثلاثون مليون مواطن فى وقت واحد فهذا يخرج عن التعريف التقليدى المستقر للانقلاب العسكري.. ويصبح نوعا من إعادة النظر فى طبيعة الحكم وشخص الحاكم.

والمثير للدهشة أن الشخصيات الجامعية التى ناقشتها اقتنعت بما انتهينا إليه فى القاعات المغلقة لكنها لم تجرؤ على إعلان ذلك فى الصحف والفضائيات التى تتعامل معها، مما أكد لى أن ما حدث فى يونيو ويوليو أجهض مؤامرة ضد مصر لتلقى مصير دول عربية أخرى مثل العراق وسوريا وليبيا واليمن، وهو ما ثبت فيما بعد.

وفى نيويورك رحنا أنا ودينا خياط وسامح سيف اليزل نلتقى قبل الانتخابات الرئاسية السابقة بمراكز التأثير السياسى هناك وكان على رأسها المجلس الأمريكى للعلاقات الخارجية وجلسنا مع مديره ريتشارد هاس أكثر من ساعة نقنعه بدعم ما يجرى فى مصر، لكنه لم يستجب.

وهاس مدير المركز كان مساعدا خاصا للرئيس جورج بوش ومسئولا فى مجلس الأمن القومى ومبعوث السلام فى أيرلندا الشمالية، كما أنه نائب مدير مركز بروكنجز ومحاضر فى هارفارد ويعد مركزه الممول من أغنى أغنياء الولايات المتحدة الأكثر تأثيرا فى السياسة الخارجية الأمريكية.

لم تفلح محاولة إقناعه بأن ما جرى فى مصر هو إنقاذ لمنطقة الشرق الأوسط من الفوضى المدبرة لها والتى ستزيد من مساحات التنظيمات الإرهابية فيها.

لكن.. منذ أيام خرجت عن مركزه دراسة شديدة الأهمية أعدها الباحث بروس هوفمان تؤكد أن محمد مرسى وهو فى الحكم أفرج عن آلاف المعتقلين من تنظيم القاعدة فانطلق بعضهم إلى سيناء وعاد البعض الآخر إلى أفغانستان لتنفيذ ما يصدر إليه من تعليمات وعمليات.

لقد احتاج أكثر خبراء الاستراتيجية احترافا أربع سنوات ليستوعبوا ما جرى فى مصر، وكما غيرت حرب أكتوبر خطط المعارك غيرت ثورة يونيو مفاهيم السياسة.

على أن المؤامرة لم تسقط بسقوط حكم الإخوان وإنما غيرت من جلدها وأسلوبها وأدواتها وكان على مصر مواجهتها يوما بعد يوم بالقوى المسلحة والتنمية المستدامة ولكن كلما كانت مصر تحقق إنجازا سياسيا أو اقتصاديا يرد عليه بعملية إرهابية تجهض الفرحة قبل أن تصل إلى القلوب.. واختلط الحلم بالحزن والأمل بالدمع.. وإن كنا على يقين بأن قانون التاريخ الذى ينكر فوز إرهاب على أمة سوف يسود مهما طال الوقت.. وهو ما نشعر به الآن.

عادت الطمأنينة إلينا ولم أعد أخشى على عائلتى من مصير ملايين السوريين والليبيين والعراقيين واليمنيين والصوماليين الذين خرجوا من ديارهم وفقدوا ثرواتهم وفقدوا أبناءهم فى البحر والبرد وهم يسعون لدخول وطن يقبلهم ولو تنازلوا عن كرامتهم.

ولن أنسى صور اللاجئين من جنسيات عربية مختلفة فى أحد مراكز الإيواء فى ألمانيا وكان مطارا مهملا خارج برلين.. عيون ميتة.. حناجر صامتة.. مشاعر مضطربة.. وصورة غائمة لمستقبل مجهول.. يا الله هل كنا سنلقى نفس المصير؟

هل كنت سأقبل بتلك الحياة ولا أعرف أين تعيش عائلتى؟ لا تستهينوا بكلمة الطمأنينة التى ننطقها كثيرا دون أن ندرك ما سيحدث لنا لو فقدناها؟

تكفى هذه الكلمة لننزل إلى صناديق الانتخاب لنصوت عليها.

بدونها لا قمر فى سمائنا ولا خضرة فى حقولنا ولا إنتاج فى مصانعنا ولا كهرباء فى بيوتنا ولا عيش فى مخابزنا.

ولو كانت للبعض ملاحظات على ما جرى خلال الأربعة أعوام الماضية، فإن الفرصة سانحة لتلافيها فى الأربعة أعوام القادمة.

سنطالب بتوسعة هامش الحريات وتنشيط الأحزاب ورفع كفاءة الصحة والتعليم والأهم إعادة كتلة يونيو إلى ما كانت عليه من توحد وتماسك، كل من سينزل ويصوت له الحق فى أن يطالب ويحاسب.

وكل من تقاعس وتراجع فليس أمامه سوى أن يبلع لسانه ويسكت.