رامي المتولي يكتب: Gringo يكشف عن الوجه الآخر للعنصرية فى أمريكا بسيناريو كوميدى خفيف

مقالات الرأي



السينما الأمريكية فاعلة فى العالم ومؤثرة منذ نشأتها تقريبًا، انتشارها وتطورها الدائم لا حدود له على المستويين التقنى والإنتاجى، طوال الوقت مظاهر التكيف واستيعاب الأنماط الجديدة القادمة من أى إقليم فى العالم ليكون جزءاً من اللغة الموحدة التى يتحدثها الملايين فى العالم وهى السينما الأمريكية، فيلم Gringo هو أبرز وأحدث مثل لهذه القدرة التى تمتلكها السينما الأمريكية سواء على المستوى التقنى أو الإنتاجى.

ربما يبدو الفيلم فى نظر الكثيرين هو مجرد فيلم كوميدى خفيف لا يستحق أن نفكر فيه أبعد من حدود مدته البالغة 110 دقائق، وربما هو كذلك لكنه فيلم خفيف جيد الصنع نمط إنتاجه وتنفيذه يحددان لحد كبير مدى التقدم الذى وصلت له صناعة السينما فى الولايات المتحدة.

من البداية وعنوان الفيلم Gringo يعبر عن الكوميديا السوداء التى ينتمى الفيلم لها، فهو كلمة عامية ظهرت فى أمريكا الوسطى تصف القادمين من الولايات المتحدة فى البداية ثم دول العالم الأول بأكملها، بالطبع الكلمة تحمل قدر من السخرية وانتقاد لنمط، التعامل المتعالى اى أن العنوان من البداية هو المدخل لفهم أبعاد البطل الرئيسى هارولد (ديفيد أويلو) النيجيرى الأصل من عائلة فقيرة والمهاجر للولايات المتحدة الذى تغلب اللهجة البريطانية على حديثه لكنه على الرغم من كل هذا فهو جرينجو فى المكسيك التى يذهب إليها بانتظام ليتابع سير العمل فى مصنع حبوب مخدر الماريجونا الطبية التابع للشركة التى يعمل بها والمملوكة لصديق دراسته ريتشارد (جويل إيجرتون) وإلين (تشارليز ثيرون) وفى الحقيقة هما الجرينجو الحقيقيين وليس هارولد الذى نتيجة لتتابع الأحداث يقع فى مشاكل مع عصابة تهريب المخدرات المكسيكية الذى تعتبره جرينجو وتطارده.

إذن المدخل العنصرى الذى يفرضه العنوان ضرورى للتعامل مع العديد من المشكلات التى تعامل معها الفيلم بالتعميم الشديد لدرجة أنها تحولت لكلاشيه أو كما تظهرها الأفلام الأخرى، ريتشارد مليونير تقليدى ذا ذكاء محدود وسيم وزير نساء غير مهتم سوى بالطعام والجنس، إلين سيدة شقراء جميلة تعرف أن سلاحها هو جمالها فتستغله لاقصى درجة حتى تحقق منافعها حتى لو ستبيع جسدها فى مقابل تحقيق صفقة تجارية، فيلياجس أو الفهد الأسود (كارلوس كورونا) زعيم العصابة المكسيكى الذى يسعى بكل قوة للحصول على سر التركيبة الكيميائية للدواء ويعيد إنتاجه فى شكل مخدر حتى هارولد شخصيتة مرسومة للتعبير عن الصورة التقليدية للمهاجر الفقير الساذج إلى أرض الأحلام كلهم شخصيات رُسمت بشكل هزلى وتقليدى جدًا ومقصود سواء لدعم الكوميديا وخلق مواقف مضحكة أو السخرية من التنميط والعنصرية والنفعية فى مستوى أعلى من التأويل للفيلم وأحداثه فهو يناقش بشكل عام قضية تهريب المخدرات من الحدود بين المكسيك كدولة وتكساس كإحدى الولايات الأمريكية فى القارة الأم وهى أمريكا الشمالية من جانب والنفعية التى تعد ملازمة لرجال الأعمال فى الولايات المتحدة كما تهوى الأفلام السينمائية تنميطهم.

هنا الفيلم الخفيف الكوميدى التقليدى الملئ بالكلاشيهات والمعروفة قصته ومتوقعه من البداية ليس إلي تلك الدرجة من الخفة بل يصل لمستويات من النقد والسخرية للمجتمع الأمريكى بوجه عام سواء فى الولايات المتحدة أو المكسيك وأمريكا الوسطى انطلاقًا من عنوان الفيلم «جرينجو» اللفظة التى تجسد العنصرية والعنصرية المضادة بين أبناء القارة الواحدة، هذا الخط الضعيف الذى يظهر فى مناقشة هذا النقد يعبر بشدة عن الشكل السينمائى المتطور الذى واكب ظهور ثورة الديجيتال فى السينما والتى نشأ على أثرها بداية من مطلع الألفية الجديدة مجموعة من شركات الإنتاج الصغيرة التى تتحمل وحدها أو يجتمع اثنان أو ثلاثة منها لصناعة فيلم، هذه الشركات مؤسسة من الممثلين والمخرجين أنفسهم، تعتمد على الميزانيات المنخفضة وتغليب الصبغة التجارية دون أن تهمل الصبغة الفنية على الفيلم، أى أنها محاولات للخروج من قالب Art House المسيطر فى الأساس على السينما الأمريكية المستقلة بداية من ستينيات القرن الماضى التى كانت تغلب الصبغة الفنية فى أفلامها وتواجه بها استوديوهات هوليوود التى تغلب الصبغة التجارية، هم 50 شركة تقريبًا تصنع أفلام تتميز بهذه الصفات الثلاث رقمية، منخفضة ومتوسطة التكاليف، تحمل صبغة فنية مع تغليب الصبغة التجارية تجعلها قابلة للتسويق فى دور العرض والبث عبر الإنترنت (ستريمنج) فى نفس الوقت، الشركات التى تقف وراء فيلم Gringo هم Denver and Delilah Productions المؤسسة من قبل بطلة الفيلم تشارليز ثيرون وBlue-Tongue Films المؤسسة من قبل عدد من الفنانين السينمائيين أبرزهم الأخوان إيجرتون جويل بطل الفيلم وناش مخرجه، وAmazon Studios مع STX Entertainment مسئولين عن التوزيع وكلتاهما متخصصتان فى مجال الستريمنج وDVD إلى جانب أنشتطتهم فى الإنتاج والتوزيع السينمائى.

فعليًا نحن أمام فيلم قد نتعامل معه باستخفاف ويمر مرور الكرام مثله مثل غيره من الافلام التى يمتلئ بها شهرا مارس وإبريل واللذان يعدان موسم تصريف الأفلام منخفضة التكاليف التى لا تستطيع مواجهة أفلام موسم الصيف فى شباك تذاكر أمريكا الشمالية، لكنه نتاج تطور وحراك فى السينما الأمريكية على مستوى الإنتاج والتمويل ممثل فى الشركات التى خلقت نمطاً جديداً يضمن لها المكسب المادى ويحافظ على الرؤى الفنية والاجتماعية التى يتبناها النجوم مستغلين وسائط جديدة ومتطورة هى الإنترنت والكاميرات الرقمية ومنخفضة التكاليف مستقلين عن الشكل التقليدى الذى تتبعه الاستوديوهات الكبرى التى تملك شركات هى الأخرى تنتج أفلامها بنفس الطريقة ضمن الـ50 شركة، ومن الناحية الأخرى يناقش الفيلم قضية مهمة على المستوى الاجتماعى وينقدها بذكاء وبلغه سينمائية وجوده واضحين استغل فيهما ممثلان بريطانيان هما ديفيد أويلو وثاندى نيوتن وشخصياتهما فى الفيلم كسرا القالب المعتاد الذى يقدمه كل منهما، الفيلم يمثل نجاحاً متنامياً ويؤكد قدرة صناعة السينما الأمريكية على التجدد واستغلال كل العناصر لصناعة النجاح المادى دون الإخلال بما هو فنى الأمر الذى يجعل من Gringo وما يشبه من أفلام ثورة الألفية الجديدة فى صنعة السينما.