على أسوار "57357".. عيد الأم بمرارة جرعات الكيماوي (فيديو وصور)

تقارير وحوارات



متعلقات بين خيوط الأمل والخوف من القادم، ينشغل تفكيرهن بفلذات أكبادهن، يتمنين ولو أن يزحن عنهما الألم ويلصقهن بأجسادهن، لكن شاء القدر بأن يعيشن رحلة علاجية صعبة لا يتجرع مرارتها سواهن وأطفالهن ذو الأجساد النحيلة الذين أصيبوا بمرض السرطان، لتخطف دوامة الإشعاع الذري والعلاج الكيميائي حلو الحياة.

 

رحلة شاقة يعيشها أمهات أطفال مرضى السرطان بمستشفى 57357، الذين يأتون من كل صوب وحدب في عيدهن السنوي"عيد الأم"، متناسينه في زخم المرض،  فكل ما يشغلهن هو شفاء أبنائهن من المرض الخبيث، والحفاظ على مستقبلهم، لاسيما عقب تفوقهم الدراسي قبل الاصابة بالمرض، وفق ما قالت "أم محمد"، التي تعيش حالة من التيه، خاصة بعد استئصال الورم الخبيث من  مخ نجلها الأكبر.

 

مرض السرطان الخبيث، الذي كانت لا تعلم عنه "أم محمد" أي معلومات كان القشة التي قصمت ظهرها: "مكنتش أعرف إن الورم يعني سرطان والأطباء توهني في البداية خمس شهور محدش يعرف ابني عنده ايه وكان التشخيص عبارة عن سخنية وقىء وأدوية مالهاش لازمة لحد ما الأعراض ظهرت عليه وحالته اتأخرت قالولي ده ورم وروحي مستشفى 57357، وفهمت انه سرطان خبيث وكمان حالة متآخرة ولازم يعمل العملية وعملها بنفس اليوم"، مضيفة أن السرطان تمكن من اللعب بأعصاب "محمد" لارتباط المخ بكافة أعصاب الجسم، مما أصابه بعدم إتزان، واضطراره  للمتابهة مع طبيب أمراض عصبية: "بقى عصبي جدًا وبياخد مهدائات وبالعافية بسيطر عليه".





وتستكمل الأم التي لم تتجاوز الثلاثين من عمرها، بصوت خفيض يملأه الشجن، أن صغيرها كان يسبق عمره، ومتفوق بدراسته ويحفظ 5 أجزاء من القرآن الكريم، لينخر المرض في جسده ويقف أمام سير حياته الطبيعية: "نفسي مستقبله ما يضعش بسبب السرطان، علشان كده بتحمل كل حاجة فداء لرجوعه حياته، صحيح هو مر بمراحل كتير صعبة من مارس اللي فات لحد دلوقتي لكن بنقوي بعض".

                         

"لسه برسم مستقبل محمد.. وبشوفه على طريق إسماعلية- القاهرة طول سفرنا رايح جاي"، بهذه الكلمات عبرت الأم الحالمة، عن خوفها أن تحرم من تحقيق أحلامها وحلم نجلها، محاولة اخفاء ارهاق السفر إلى مستشفي 57357، رغم المعاناة التي تعيشها بصحوبة نجلتها الصغرى معاهم، والاعتناء بها والمدوامة على تلقينها دروسها حفاظًا على مستقبلها:"بنتي الصغيرة في أولى حضانة ومش عاوزة اظلمها معايا وبحاول انظم كل حاجة على قد ما أقدر"، مضيفة عقب انتهاء محمد من جلسة الكيماوي والتي تتم كل 40 يومًا على مدار ثلاثة أيام متواصلة، والذهاب إلى أحد دور الضيافة ليستراح نجلها تحاول فعل ذلك، متناسية راحتها.




 في تناغم غير مقصود، يلتقط نجلها محمد إبراهيم، أطراف الحديث، معبرًا عن عناء والدته وصبرها طوال فترة مرضه، قائلاً: "أنا تعبت ماما كتير، من غير ما أقصد، من اول ما تعبت وهي سهرانة على راحتي، بتقوم من الساعة 6 الصبح علشان نلحق قطر القاهرة ونسافر للمتابعة في مستشفي 57357، وما بين القاهرة الإسماعلية نتردد دون أن تحسسني بأي حاجة، وكل اللي شاغلها صحتي والاهتمام بيه وكمان بتحاول تساعدني على حفظ القرآن والمحافظة على الصلاة في عز تعبي، وبتذاكرلي مع كل ده، وبتشجعني على تحقيق حلمي أن أكون دكتور".

                                             

شرد الطفل، للحظات ثم لانت ملامحه وظهرت على شفتيه ظلال ابتسامة شاحبة: "بمناسبة عيد الأم هاجيب أحلى هدية لأمي من اللي جبتهالها قبل كده، وإن شاء الله هاخف وهحاول ما أكون عصبي علشان خاطر ما تعبش مامتي، أنا عارف الفترة اللي فاتت كنت عصبي".

 

وبصوت مختنق، ودموع تغزو عينيها قالت والدة محمد:"أحلى هدية هي لحظة شفاءك، ورجوعك لحياتك والانتباه لصحتك، أنا مش عاوزة هدية غير كده، أنت مش ابني أنت كل حاجة حلوة والظهر والحنية وسندي في الحياة".



على جانب آخر، داخل أحد دور الضيافة تعيش "أم ريتاج"، حالة مختلطة منذ عامًا ونصف، عقب إصابة ابنتها الصغرى ريتاج بمرض السرطان في الكلى، حيث انقلبت حياتها رأسًا على عقب، قائلة: "من بداية تعب ريتاج وأيامنا بنعيشها في المستشفيات وعلى الطريق، في اول اكتشاف المرض كنت بروح هنا مستشفى دمياط، واتابع معها بالرغم الحيرة ومحدش عارف في ايه ولا كيماوي جايب نتيجة، ولا علاج، لان الورم كان في الكلى والنخاع، ورحلة الكيماوي وقفت خاصة مش هينفع يتعملها عملية زرع نخاع، لان الورم التف على الشريان ومن هنا اتنقلت لمرحلة السفر من دمياط للقاهرة".

                                        

وتستكمل "أم ريتاج"، وهي تطلع لنجلتها البالغة من العمر أربع سنوات، بنظرة مليئة بالحب: "سافرنا للقاهرة لننتقل لرحلة مشاقة تانية، بداية من الاشعاع الذري الذي اتاخر 5 شهور، ووقتها كنت بتردد على المستشفى طوال الفترة دي، وبدأت تاخد كيماوي تاني، وخلال الفترة دي وخاصة بعد الاشعاع بقيت عصبية ومحدش يتحمله علشان كده فكرت احجزلها في عيادات نفسية"، مؤكدة أن رحلتها من دمياط للقاهرة شاقة جدصا لاسيما وأن الطريق يستغرق ست ساعات، فضلاً عن المكوث في القاهرة لمدة أسبوعين والعودة إلى محافظتها خمسة أيام فقط، لقضاء حاجة أسرتها التي تتكون من طفلين آخرين





وعقب تناول الطفلة ملك جلسة الكيماوي، تقبع والدتها الأتية من محافظة كفر الشيخ تحت أشعة الشمس برفقة صغيرتها بجانب سور مستشفى 57357، ينسجن حالة من التواصل التي تحكي مشقه لا تحتملها أجسادهن، لاسيما أنها  تأتي إلى القاهرة كل ثلاثة أسابيع، لإجراء متابعة حالة نجلتها المصابة بـ "ورم" منذ ظهر عليها قبل عام في أعلى فخذها.

                                    

وتضيف الأم وهي متطلعة للسماء، أنها تقطع مسافة تقترب من ست ساعات، لعرض نجلتها داخل مستشفى 57357، وبالرغم من ذلك لا ترى الأم أي تحسن على صحة "ملك"، ولكنه لم تكل يومًا عن جلسة الكيماوي، مؤكدة ان الورم  لم يمس أي جزء آخر من جسدها، وهو ما يعطيها امل في شفاء ابنتها.




وبمناسبة عيد الأم، تقول أم ملك، وهي تلوح بيدها على رأس صغيرتها:" ضحكتها احلى هدية، نفسي ربنا يكافأني ويشفيها، مش علشان تعبي على الطريق ولا مع مرضها، علشان جوزي صياد على باب الله، وبسيبه يقعد مع ولادنا الثلاثة وخاصة أن بنتي الكبيرة في الثانوية العامة، ومينفعش اسيبها لوحدها"، مضيفة أن سفر نجلتهم الصغرى بمثابة عبء ثقيل على كاهلهم، من الناحية المادية، فالرحلة تتكلف في المرة الواحدة ما يقرب من 150 جنيه، منقسمه بين ذهاب وإياب.