"شنودة الثالث".. الرجل الذي لازمه "الذكاء" من ولادته حتى عظته الأخيرة

أقباط وكنائس



في الثالث من أغسطس عام 1923، بمنزل متواضع بأحدى الحارات الضيقة بقرية "سلام" التي تطل على نهر النيل بمحافظة أسيوط، ولد نظير الذي أصبح بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية وسائر بلاد المهجر.

 

"البابا  شنودة" الذي تحتفل الكنيسة القبطية الارثوذكسية في الفترة الراهنة بالعام السادس على رحيله، لقبه الاقباط بألقاب عديدة، منها "معلم الأجيال، وبابا العرب، وحبيب الملايين".

 

كان البابا شنودة، أول أسقف للتعليم المسيحي قبل أن يصبح بطريركًا، حيث كان رابع أسقف أو مطران يصبح بطريركًا بعد البابا يوحنا التاسع عشر 1928 - 1942، ومكاريوس الثالث 1942 – 1944، ويوساب الثاني 1946 – 1956.

 

نشأته

التحق نظير جيد بجامعة فؤاد الأول، في قسم التاريخ، وبدأ بدراسة التاريخ الفرعوني والإسلامي والتاريخ الحديث، وحصل على الليسانس بتقدير ممتاز عام 1947، وفي السنة النهائية بكلية الآداب التحق بالكلية الإكليريكية، وبعد حصوله على الليسانس بثلاث سنوات تخرج من الكلية الإكليريكية.

 

عمل مدرساً للتاريخ، وحضر فصولا مسائية في كلية اللاهوت القبطي وكان تلميذاً واستاذاُ في نفس الكلية في نفس الوقت، كما كان يحب الكتابة وخاصة كتابة القصائد الشعرية ولقد كان ولعدة سنوات محررا ثم رئيساً للتحرير في مجلة مدارس الآحد وفي الوقت نفسه كان يتابع دراساته العليا في علم الآثار القديمة، ثم ضباطاً برتبة ملازم بالجيش.

 

تلمذته

وعن علاقة الأرشيدياكون حبيب جرجس بالبابا شنوة الثالث،  فقد كانت علاقة قوية، وبدأت عندما انضم نظير جيد في بداية الأربعينيات لخدمة مدارس الأحد، وكان عمره حوالى ١٨ عامًا، ولما رآه نابغًا لذا عين معلمًا فى الإكليريكية، حتى تخرج من القسم المسائى سنة ١٩٤٧ ضمن ٥ من النبلاء.

 

كان البابا شنودة ملازمًا للأرشيدياكون"حبيب جرجس" ، ودائم الذهاب معه  إلى منزله بالظاهر،  حيث كان لديه مفكرته الخاصة به التي كان يسجل بها العبارات المهمة التى يقولها القديس حبيب جرجس، لذلك كان معظم تعليم البابا شنودة الثالث مأخوذًا عن القديس حبيب جرجس على الأخص فى مناهضته فى الفكر غير الأرثوذكسي، وتعليم مدارس الأحد والاهتمام بالإكليريكية، وكانت علاقة تلمذة حقيقية وعلاقة تقدير واحترام وعلاقة ثقافة وتعليم وإصلاح للكنيسة.

 

رهبنته

كان خادماً بجمعية النهضة الروحية التابعة لكنيسة العذراء مريم بمسرة ، ثم خادماً بكنيسة الانبا انطونيوس بشبرا في منتصف الأربعينات.

 

ورسم راهباً باسم "انطونيوس السرياني" في يوم السبت 18 يوليو 1954، وقد قال أنه وجد في الرهبنة حياة مليئة بالحرية والنقاء، ومن عام 1956 إلى عام 1962 عاش حياة الوحدة في مغارة تبعد حوالي 7 أميال عن مبنى الدير مكرساً فيها كل وقته للتأمل والصلاة.

 

وبعد سنة من رهبنته تمت سيامته قساً أمضى 10 سنوات في الدير دون أن يغادره، كما عمل سكرتيراً خاصاً للبابا كيرلس السادس في عام 1959، ورُسِمَ أسقفاً للمعاهد الدينية والتربية الكنسية، وكان أول أسقف للتعليم المسيحي وعميد الكلية الاكليريكية، وذلك في 30 سبتمبر 1962.

 

باباويته

وعندما رحل البابا كيرلس، في الثلاثاء 9 مارس ،1971 أجريت انتخابات البابا الجديد في الأربعاء 13 أكتوبر. ثم جاء حفل تتويج البابا "شنودة" للجلوس على كرسي البابوية في الكاتدرائية المرقسية الكبرى بالقاهرة في 14 نوفمبر 1971 وبذلك أصبح البابا رقم (117) في تاريخ البطاركة، وفي عهده تمت سيامة أكثر من 100 أسقف وأسقف عام، بما في ذلك أول أسقف للشباب، أكثر من 400 كاهن وعدد غير محدود من الشمامسة في القاهرة والإسكندرية وكنائس المهجر.

 

وحبه في حياة الرهبنة، جعله مواظبًا على قضاء ثلاثة أيام أسبوعياً في الدير، مما أدى ذلك على انتعاشها في الكنيسة القبطية حيث تم في عهده سيامة المئات من الرهبان والراهبات، وكان أول بطريرك يقوم بإنشاء العديد من الأديرة القبطية خارج جمهورية مصر العربية وأعاد تعمير عدد كبير من الأديرة التي اندثرت.

 

وفي عهده زادت الايبارشيات كما تم إنشاء عدد كبير من الكنائس سواء داخل أو خارج جمهورية مصر، في عهده تمت سيامة أكثر من 100 أسقفاً،  بما في ذلك أول أسقف للشباب، ومئات من الكهنة وعدد غير محدود من الشمامسة في القاهرة والإسكندرية وكنائس المهجر.

 

العظة الأخيرة

كان "البابا شنودة" يلتقي بشعبه دائمًا، وذلك من خلال العظة الإسبوعية التي خصصت ليوم واحد في الأسبوع"يوم الأربعاء"، وفي آخر عظاته التي كانت تحمل عنوان "الذكاء"، موضحًا أنه لا يجب أن يكون هو العامل الأوحد في تصرفات الإنسان، بل أن هناك عوامل أيضا تعطل قدرات الإنسان الذكائية، كالتعصب والإنفعال، الذي يجعل الشخص يخطئ حال غلبت بعض طباعه الشخصية على ذكاءه ، وغلب التعب على البابا شنودة بعد حوالي 15 دقيقة من كلمته، الأمر الذي دعى لإنهاءه العظة التي كانت من المعتاد أن تستمر لمدة ساعة إسبوعيا.

 

اليوم الأخير

عن اليوم الأخير فى حياة البابا شنودة والساعات الحرجة التى سبقت وفاته قال الراهب القس بولس الأنبا بيشوى سكرتيره الخاص الذى لازمه مؤخرًا، "إن البابا الراحل شنودة لم يتألم قبل انتقاله للسماء كما ردد البعض ذلك، لكنه قبل رحيله يوم السبت 17 مارس يومه بشكل طبيعي ولم يدخل فى نوبات غيبوبة مطلقا، كل ما فى الأمر أنه كان يستريح قليلا أو ينام لوقت قصير، ثم يستيقظ، لكنه رحل فى طمأنينة وسلام دون أى توجع أو ألم داخل مسكنه وعلى فراشه وليس فى أى مكان آخر، مساء السبت 17 مارس لعام 2012 عن عمر يناهز الـ 88 عامًا".