محمد محمود حبيب يكتب: البُعد الغائب في علاج التطرف

ركن القراء



من البديهي أن الإنسان يحتاج لكنف رحيم وإلى رعاية فائقة وإلى ود يسعه ببشاشة سمحة، وهو بطبعه في حاجة إلى قلب كبير يحمل همومه؛ أما إذا وجد اضطراب وطمع أو شعر بالخوف والهلع؛ فإنما هو شرود عن الطريق الفطرى المُيّسر.. بل هو عسر.. وحرمان من الاطمئنان إلى الكنف الآمن .. فهو قلق .. وانطماس فى أجهزة الاستقبال والاستجابة الفطرية.

ولعل البعض يكره التطرف لأجل هذا؛ بل يكره أي شيء لا يسكن معه عصب، ولا يطمئن معه بيت، ولا يسلم معه عِرض، ولا تقوم معه أسرة، ومن السنن الكونية حب الود والحوار المثمر الهادئ والتواصل الفعّال واحترام الآخر، أما فرض الرأي بالقوة والإرغام ما هو إلا تصرف هزل، بل هو غثاء كغثاء الأشجاروالْحَشَائِشُ اليَابِسَةُ  الذى لا يمنع ولا يدفع، ولا يصلح لشىء، إلا أن يكون وقودًا للنار .. بل هو وقود هزيل !

فالإنسان بطبعه يكره السخط الدفين والحقد الكظيم، لأن بسبب ذلك تتعطل مشاعر الكرامة الإنسانية، وملكات الابتكار المتحررة التى لا تنمو فى غير جو الحب والمودة، إن هذه الكلمات ليست ألفاظًا أو عبارات، بل حقائق ملموسة وهى كالأنسام النديّة المبشرة كأنسام الفجر، وأنداء مشعشعة بالعطر، إنه النجاء الأليف للقلب، والهمس اللطيف للروح، واللمس الموحى للضمير، بل هى من أحق الحق، وهى الخط القويم والطريق المأنوس المطروق.

ولعل البعض يستغرب ويتساءل لماذا لم ننه على التطرف حتى الآن؛ فالسبب بكل يسر أننا لم نفهم دوافع ومحركات المتطرف الحقيقية فانشغلنا في سبّه وتحقيره وتفرغنا - وما زلنا  وسوف نستمر- في البحث عن علاجه وأهملنا بُعدا ضروريًا لعلاجه ،ألا وهو التشخيص السليم، فالعلاج الناجع يحتاج لتشخيص دقيق، فالتشخيص الخاطئ يولد علاجًا ناقصًا أو متأخرًا؛وهذه كلها أمور يتابعها الحس فى بُهر! بل هو واقع حـى يعاطفنا ونعاطفه، وهو أمر يتجلى للحواس والقلب والعقل فى بهاء أخّاذ، وهو شىء لا يمكن إنكاره فى هذا الكون الزاخر الممتد اللاحب الواضح، ولا يحتاج لكثير عناء لإثباته.

وهذا أمر مشاهد لكل من طالع توصيف التطرف فانبرت أغلب الدراسات والأبحاث في تحديد مسببات التطرف فحصرتها في أمور الفقر والأمية وغيرها إلى أن تفاجأت بأن هناك متطرفون على مستوى تعليم عالى أو من أولاد الأغنياء فظهر التخبط والاضطراب في التوصيف ولم تراع الأبعاد الحقيقية للتطرف ومسبباته ولا طرق فهمه؛ ففهم المتطرف هو البُعد الغائب، فلم نبين له أننا لا نعاديه لشخصه ولكن نختلف مع أفكاره، ولم نبيّن له أننا مقتنعون بحسن نيته في الوصول لمرحلة الالتزام المطلق، ولكن عنده فهم خاطئ فهو يريد الكمال، يريد أن يطبق أدلته وبراهينه بحذافيرها، فجاء ظننا السئ فيه أن كل المتطرفين مأجورين وعملاء، أو كارهين لنا، كذلك  لم نتجنب وصفه  بــ"متطرف ومتخلف ورجعي" عند التعامل معه  وجها لوجه أو عند مراسلته؛ فكانت النتيجة ازدياده  في عناده وإصراره على موقفه وظن بأن الجميع يكرهونه؛ والنتيجة قد فشلنا فى احتوائه وإرجاعه عن الفكر المنحرف، وكذلك من صور البُعد الغائب تغافلنا عن ملايين الصفحات والمواقع والمنصات الإليكترونية المتشددة التي تروّج لكل ما ينغص علينا عيشتنا  والمفتوحة طول الوقت مقابل تفرغنا للاهتمام بخطبة الجمعة والتي لا تزيد عن 20 دقيقة أسبوعيًا والتي لا يحضرها أغلب الشباب كاملة ولو حضروها لا يركزون معها، فالمستفاد من ذلك الفهم الصحيح والتشخيص الدقيق أقصر وأسرع الطرق للعلاج الناجع.

حفظ الله مصر وشعبها