مي سمير تكتب: بالوقائع.. كيف تتلاعب الولايات المتحدة بالانتخابات فى مختلف دول العالم؟

مقالات الرأي



كتب الصحفى الأمريكى واين مادن تقريرا على موقع مؤسسة الثقافة الاستراتيجية، تحت عنوان (تلاعب الولايات المتحدة بالانتخابات: تقليد للسى آى إيه منذ عام 1948)، وخلال هذا التقرير ألقى مادن الضوء على كواليس العديد من العمليات الانتخابية فى مختلف أنحاء العالم، كما كشف عن أساليب تلاعب المخابرات الأمريكية بنتائجها.

الغريب فى الأمر أن الولايات المتحدة الأمريكية تقدم نفسها باعتبارها المدافع الأول عن الديمقراطية فى مختلف أنحاء العالم، ولكن للحقيقة وجهًا آخر، فراعى الديمقراطية والحريات هو نفسه من يتلاعب بها عالميا، كما يؤكد الصحفى الأمريكى واين مادن فى تقريره الذى تناول تلاعب المخابرات الأمريكية بالانتخابات فى دول العالم.

يبدأ التقرير بالإشارة إلى أن وكالة المخابرات المركزية لم تتدخل قط فى الانتخابات الخارجية لأغراض نشر التقاليد الديمقراطية إلى الدول الأخرى، حيث كان الهدف الرئيسى هو حرمان الناخبين والأحزاب السياسية اليسارية والتقدمية، وضمان «قشرة الديمقراطية» فى الدول الاستبدادية، وحماية مصالح القواعد العسكرية الأمريكية والشركات متعددة الجنسيات ذات الأصول الأمريكية.

وفى واقع مزدوج يذكرنا بسنوات الحرب الباردة، تعتبر وكالة الاستخبارات المركزية تدخلها الانتخابى تحت فئة «عمليات التأثير»، فى حين تتهم الوكالة نفسها روسيا بـ«التدخل الانتخابى» سواء فى الولايات المتحدة الأمريكية أو فى غيرها من دول العالم، كما حدث عند اتهام روسيا بالتلاعب فى الانتخابات الفرنسية، ويرى الصحفى الأمريكى حقيقة أنه لا يوجد فرق بين الفريقين.


1- تلاعب بالانتخابات

فى المناسبات النادرة التى فشلت فيها جهود وكالة المخابرات المركزية للتلاعب فى الانتخابات -كما فعلت فى جواتيمالا عام 1950 وشيلى عام 1970- نظمت الوكالة ببساطة انقلابات دموية لتحل محل الرؤساء المنتخبين ديمقراطيا الذين هزموا المرشحين المدعومين من وكالة المخابرات المركزية.

وفى عام 1954، أطاحت عملية أمريكية سرية حملت اسم (pbsuccess) بحكومة الرئيس الجواتيمالى جاكوبو أربينز، الذى انتخب عام 1950 على أساس برنامج للإصلاح الزراعى، من شأنه أن يحسن حياة الفلاحين فى جواتيمالا، الذين عانى الكثير منهم من سطوة شركة يونايتد فروت المملوكة للولايات المتحدة، حيث سيطرت الشركة على المزارع الصناعية على مستوى البلاد، بالعمل مع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية.

وبذلت شركة يونايتد فروت قصارى جهدها لضمان هزيمة أربينز فى انتخابات عام 1950، عندما فشل هذا التكتيك، ابتكرت الشركة بالتعاون مع السى آى إيه ووزير الخارجية الأمريكى فى ذلك الوقت جون فوستر دالاس خطة لإسقاط أربينز فى انقلاب عسكرى، بعد ذلك أصبح تدخل المخابرات المركزية الأمريكية فى العملية الديمقراطية فى جواتيمالا نمطا لكيفية تأثير الولايات المتحدة على «جمهورية الموز».

وتعد الإطاحة العنيفة للرئيس الشيلى الاشتراكى سلفادور أليندى الذى تم التخلص من حكومته فى عام 1973 بانقلاب عسكرى بقيادة الجنرال أجوستو بينوشيه من أشهر عمليات التدخل الأمريكى، وأدخل هذا التلاعب دولة شيلى إلى منصة اختبار الرأسمالية التى ابتكرها مجموعة «شيكاجو بويز»، وهى مجموعة من الاقتصاديين الشيليين الذين درسوا تحت إشراف الاقتصادى المحافظ ميلتون فريدمان فى جامعة شيكاجو.

وفى التسعينيات، تضمنت التدخلات الانتخابية من قبل وكالة الاستخبارات المركزية التدخل فى انتخابات نيكاراجوا؛ لضمان فوز المعارضة على حكومة بقيادة حزب جبهة التحرير الوطنى الساندينية الذى تولى إدارة البلاد من عام 1979 إلى 1990، وقد تكرر هذا النوع من التدخل فى الانتخابات الصربية عام 2000، التى شهدت طرد الرئيس سلوبودان ميلوسيفيتش من السلطة، وشهدت عملية الإطاحة بنظام ميلوسيفيتش أول تعاون واضح فى التدخل الانتخابى بين وكالة المخابرات المركزية الأمريكية والمؤسسة غير الحكومية المجتمع المفتوح (OSF).

ويشير التقرير إلى أن المؤسسة غير الحكومية تعاونت مع الولايات المتحدة من أجل الإطاحة بنظام ميلوسيفيتش، ومؤسسة المجتمع المفتوح هى عبارة عن شبكة دولية لتقديم المنح، أسسها رجل الأعمال جورج سوروس، لتقوم مؤسسات المجتمع المفتوح بدعم مالى لمنظمات المجتمع المدنى فى جميع أنحاء العالم، بهدف معلن هو تعزيز العدالة والتعليم والصحة العامة ووسائل الإعلام المستقلة، لدى OSF فروع فى 37 دولة، تشمل مجموعة من المؤسسات الدولية والإقليمية، مثل مبادرة المجتمع المفتوح لغرب إفريقيا، ومبادرة المجتمع المفتوح فى جنوب إفريقيا، منذ تأسيسها فى عام 1993، أبلغت OSF عن نفقات تتجاوز 11 مليار دولار.

وفى عام 2009، حاولت السى آى إيه منع إعادة انتخاب الرئيس الأفغانى حامد كرزاى، وعلى الرغم من إعادة انتخاب كرزاى، إلا أنه أعلن عن غضبه من تدخل وكالة المخابرات المركزية فى الانتخابات، كما تشمل تدخلات المخابرات الأمريكية فى العملية الديمقراطية فى مختلف أنحاء العالم إزاحة رئيس الوزراء الإيرانى محمد مصدق فى عام 1953، التى استبدلت حكومته بنظام مؤيد لواشنطن، وعزل واغتيال الزعيم الكونجولى باتريس لومومبا فى عام 1961.


2- لاعبون محترفون

يتطرق التقرير للحديث عن المسئولين الأمريكيين الذين كان لهم دور بارز فى التلاعب بالانتخابات والعملية الديمقراطية فى مختلف أنحاء العالم، ويشير أيضا إلى السفير السابق للولايات المتحدة فى موسكو، مايكل مكفول، الذى قام بتحويل أموال السى آى إيه -حوالى 6.8 مليون دولار إجمالا- من خلال الصندوق الوطنى للديمقراطية (NED) وفرعيه والمعهد الجمهورى الدولى للحزب الجمهورى والمعهد الديمقراطى الوطنى للحزب الديمقراطى، إلى قادة المعارضة الروسية مثل ألكسى نافالنى، ولا تشير وسائل الإعلام الأمريكية إلى أن وكالة الاستخبارات المركزية ووزارة الخارجية الأمريكية قامتا بتوجيه نحو خمسة مليارات دولار إلى أوكرانيا من أجل إنشاء حكومة موالية للولايات المتحدة فى ذلك البلد.

واستضاف مايكل مكفول اجتماعات الحزب الروسى المعارض فى السفارة الأمريكية وتجاهل التحذيرات من أن تحالف نافالنى يضم العديد من القوميين النازيين الجدد، الذين يعارضون المهاجرين الذين ينحدرون من جنوب الحدود الروسية، على الرغم من أن بعض الصحفيين الغربيين وصفوا ألكسى نافالنى بأنه النموذج الروسى من الناشطة البيئية الأمريكية ايرين بروكوفيتش (التى قدمت قصة حياتها الممثلة الأمريكية الشهيرة جوليا روبرتس فى فيلم حمل اسم الناشطة الأمريكية وحصلت روبرتس عن دورها فيه على جائزة الأوسكار)، ويرى التقرير أنه فى حقيقة الأمر فإن نافالنى هو النموذج الروسى من ديفيد ديوك الزعيم السابق للجماعة العنصرية الأمريكية ، كو كلوكس كلان.

وفى عام 1967، اتهم وزير الخارجية الهندى، أم سى تشاجالا، وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بالتدخل فى الانتخابات الهندية، وذلك من خلال التبرعات المالية للأحزاب المعارضة لحزب المؤتمر الهندى الحاكم، وبشكل خاص تستهدف وكالة المخابرات المركزية الأحزاب الشيوعية فى ولاية البنجال الغربية وولاية كيرالا، وفى نفس العام اتهم رئيس الوزراء الكندى السابق جون ديفينبيكر من حزب المحافظين وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بتقديم الدعم المالى لتعزيز الحزب الليبرالى، الذى ساهم فى خسارة حزب ديفينبيكر فى الانتخابات العامة التى أجريت فى الفترة ما بين 1962 ويونيو 1963، وعلى الناحية الأخرى اكتشف خليفة ديفينبيكر، رئيس الوزراء ليستر بيرسون من الحزب الليبرالى أن المخابرات الأمريكية قدمت دعما ماليا إلى اتحاد الطلاب الكندى الليبرالى فى عامى 1965 و1966.

يكفى أن تصدر قرارا واحدا يعارض سياسة وأهداف الولايات المتحدة الأمريكية كى تتحرك السى آى إيه من أجل التدخل والتلاعب فى المشهد السياسى، على سبيل المثال فعلت وكالة المخابرات المركزية كل شيء ممكن لمنع إعادة انتخاب حكومة حزب العمال النيوزيلندى بقيادة ديفيد لانج، وقدمت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية دعماً للحزب الوطنى المعارض، الذى عارض سياسة لانج بحرمان السفن الحربية الأمريكية التى تمتلك أسلحة نووية وسلاحا نوويا من دخول موانئ نيوزيلندا، وسعت إلى دفع وسائل الإعلام المؤيدة لأمريكا فى نيوزيلندا لتسليط الضوء حول البطالة النيوزيلندية المرتفعة بنسبة 6٪، والدين الخارجى للبلاد هو نصف ناتجها المحلى الإجمالى، وعجز الموازنة البالغ مليار دولار، وحاولت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية أيضاً قمع دعم الماورى التقليدى لحزب العمل فى انتخابات 15 أغسطس 1987، وهو الأمر الذى يعد استخداما ساخرا للسياسة القائمة على العرق لتغيير نتيجة الانتخابات.

وينتهى التقرير بالإشارة إلى أنه إذا كانت الولايات المتحدة تريد حقا وقف التدخل الأجنبى فى الانتخابات، فيجب أن تكون أول من يدافع عن مثل هذه السياسة ويلتزم بها، وكما هو الحال بالنسبة لمعاهدة حظر التجارب النووية والاتفاقية الرامية إلى إلغاء الأسلحة البيولوجية والكيميائية ومعاهدة حظر الأسلحة فى الفضاء الخارجى، ينبغى للولايات المتحدة أن تدعو إلى معاهدة دولية تحظر التدخل فى الانتخابات بجميع أشكاله من الهجمات السيبرانية والدعاية والتلاعب بوسائل التواصل الاجتماعى وتمويل الأحزاب السياسية الأجنبية، وبدون هذا الالتزام ستظل الاحتجاجات الأمريكية حول التدخل الانتخابى قضية تحمل شعار «افعل كما أقول ، ليس كما أفعل».