عادل حمودة يكتب: هكذا تكلم ولى العهد السعودى محمد بن سلمان

مقالات الرأي



نحن لا نعيد تفسير الإسلام وإنما نعيده إلى أصوله

فى الثلاث سنوات الأخيرة انخفض التطرف من 60 إلى 10 فى المائة

مرشد إيران هتلر جديد وأمير قطر السابق مريض نفسياً وكثيراً ما أحرج والده

قطر قاعدة وخزانة للإخوان وملفها لا يحظى باهتمامى وتأثير السعودية فى أمريكا أكبر باستثمارات تصل هناك إلى 800 مليار دولار

متفائل بمستقبل مصر التى تنجز مشروعاتها المتنوعة بهمة فرعونية ونتشارك معا فى أكبر مشروع سياحى على البحر الأحمر

الكتلة العربية الكبرى التى تقودها مصر والسعودية والإمارات لها نفس الحلفاء ونفس الأعداء

تربيت فى بيت يقرأ ويستقبل كل يوم رموز الثقافة والسياسة وأخشى أن أموت دون أن أحقق أحلامى فالحياة قصيرة جدا

نُصر على دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية


رغم أن عمره لا يزيد عن 32 سنة فإن ولى العهد الشاب الأمير محمد بن سلمان يخشى أن يموت دون أن يحقق ما يحلم به لبلاده.

«الحياة قصيرة جدا» هكذا أضاف فى أكثر من حوار جرى بينه وبين صحف أمريكية شهيرة ومؤثرة مثل نيويورك تايمز وواشنطن بوست.

لهذا «السبب» هو حريص جدا على أن يرى التغييرات التى يحدثها فى السعودية بأم رأسه ولهذا السبب أيضا هو فى عجلة من أمره خوفا من أن يداهمه الوقت على حد تعبيره.

أعاد للمرأة اعتبارها وسمح لها بقيادة السيارة وحضور مباريات الكرة ومشاهدة الحفلات الغنائية بل وفتح الباب أمامها للخدمة العسكرية.

لا يتردد فى مواجهة الفساد الذى يلتهم نسبة لا تقل عن عشرة فى المائة من ميزانية بلاده الضخمة التى وصلت إلى 978 مليار ريال ونجح فى استعادة كثير مما نهبه الكبار دون وجه حق فيما يعرف بعملية ريتز كارلتون وهو اسم فندق فى الرياض وضع فيه كبار المليارديرات حتى تنازلوا عن نحو 100 مليار دولار أعيدت إلى ميزانية الدولة.

يعرف قيمة القوة غير التقليدية فى ردع وتحجيم أعدائه «خاصة إيران» وحرمانهم من أحلام التمدد والسيطرة بالتفاوض على بناء مفاعلات نووية سيحصل عليها من روسيا أو الصين إذا لم تستجب الولايات المتحدة إليه.

يصف بكلمات مثل الرصاص خصومه.. المرشد الأعلى فى إيران «هتلر جديد».. أمير قطر السابق حمد بن خليفة «مضطرب نفسيا».. مثلا.

لقد شغل الدنيا بالصدمات التى يعيد بها السعودية إلى العصر الحديث الذى لا ينظر إلى الوراء لنجدة من يعجز عن اللحاق به.

وفى الوقت نفسه لم يتردد فى مواجهة المشروعات الإيرانية والتركية فى المنطقة بما ضاعف من علامات الاستفهام التى يثيرها يوما بعد يوم.

كل ذلك يجعل منه شخصية غير عادية يسعى الصحفى لسماعها وتأملها والتعرف عليها فقد أصبح طرفا فى كثير من المعادلات الداخلية والإقليمية والدولية.

لقد قطعت رحلة خارجية وعدت إلى القاهرة قبل ساعات قليلة من موعد دعوة تلقيتها للقائه وسط مجموعة متميزة من الصحفيين والإعلاميين والكتاب السياسيين جرت فى بيت السفير السعودى أحمد قطان المطل على نيل الزمالك بعد أيام من تصعيده وزير دولة للشئون الإفريقية.

إننا أمام رجل جرىء.. هادئ.. ثابت.. واثق فى نفسه.. لايهتز من أشد الأسئلة حرجا.. يمتلك إجابة غير مترددة لكل ما يواجه به.. يرد بمعلومات وفيرة ليؤكد دون شك أنه دارس للملفات الشائكة قبل فتحها.

إن أكثر تلك الملفات صعوبة ملف التشدد الدينى الذى نسب إلى بلاده واعتبر محرضا على الإرهاب الذى اكتوى بناره القريب قبل البعيد.

بصراحة سياسية يقول: «تصور السادات أنه يمكن استخدام الإخوان للتهدئة والاستقرار والشىء نفسه حدث فى السعودية لكن تلك الجماعة تسللت إلى مؤسسات التعليم والقضاء والإعلام وتمددت فى عروقها وبعد الثورة الإيرانية «شتاء 1979» ومحاولة «جهيمان العتيبى» احتلال الحرم المكى «فى ديسمبر من نفس العام» ارتفعت صيحات التشدد أكثر».

وبالصراحة نفسها يضيف: «تحول التشدد إلى إرهاب وظهر أسامة بن لادن ونفذت هجمات 11 سبتمبر لإحداث شرخ بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط وبدأ الغرب ينظر إلينا بكراهية وفى المقابل نظرنا إليه نظرة تآمرية».

قرر الأمير الشاب: «إنه لن يعيش فى هذا العصر المظلم بعد أن أصبح الوضع فى السعودية مؤلما للغاية» وعندما أتيحت له الفرصة لم يتردد فى تغييره إنقاذا للأجيال الشابة التى لا تقل نسبتها عن ربع المجتمع وكثيرا منها تعلم فى أرقى الجامعات الغربية.

كان أمامه فقهيا ثلاثة أسس تقرها الشريعة الإسلامية: «لا نقول لشىء حرام طالما مختلف عليه والضرورات تبيح المحظورات وقبول الضرر الأصغر تجنبا للضرر الأكبر».

ونظر محمد بن سلمان إلى الرجل الوقور الجالس بينه وبينى قائلا: «أليس كذلك يا شيخ صالح؟ «ورد الشيخ صالح الفوزان «العالم الجليل» مؤيدا ومساندا.

وعاد ولى العهد ليضرب أمثالا: «كانت الحفلات الموسيقية تقام أيام الرسول وتحضرها النساء فهل يمكن أن نقول إن الرسول ليس مسلما؟».

وسبق أن ذكر أن قاضية التجارة فى المدينة كانت امرأة.

وانتهى للقول بأننا لا نعيد تفسير الإسلام وإنما نعيده إلى أصوله.

لم تعد الشرطة الدينية تعترض النساء فى الطريق العام وسمح لهن بتشغيل شاحنات الغذاء ورحن يتحدثن عن أنواع السيارات التى يمكن قيادتها وتطهر القضاء من خمسين قاضيا إخوانيا وأقرت شركة أبيسوس للاستطلاعات بأن 74 فى المائة من السعوديين يوافقون على هذه الإصلاحات.

هنا نسمع منه: «شريعة الله واضحة والحدود التى وضعتها لا تزيد عن أصابع اليد الواحدة وتركت باقى الأمور للناس تخطئ وتصيب ولكن المتطرفين فرضوا أنفسهم أوصياء على البشر من المهد إلى اللحد وكان علينا رفع هذه الوصاية». وراحت الأرقام تتكلم..

خلال السنوات الثلاث الماضية تراجعت نسبة المتشددين من 60 % إلى 10% وانتقل 30 % إلى الوسط وأصبح التنويريون 50 % على الأقل فيما يشبه المعجزة التى تغير من صورة السعودية فى العالم كله.

وحسب ما ذكر: «كان ذلك التغير فى مصلحة الإسلام قبل أن يكون فى مصلحة السعودية».

وبنفس السماحة تغيرت النظرة إلى الشيعة فى السعودية وتولى بعضهم مسئولية إدارة أرامكو -الشركة الأكبر للنفط فى البلاد- واختير البعض الآخر للمجالس البرلمانية والمؤسسات الإعلامية.

ولم يقف التفسير الصحيح للدين عند رد الاعتبار للمرأة وإنما امتد إلى السياحة التى كانت توصف فى كتابات وتصريحات المتشددين بأنها «أصل الشرور».

فى أكتوبر الماضى أعلن محمد بن سلمان عن مشروع نيوم الذى سيمتد بين السعودية ومصر والأردن لتحويل البحر الأحمر إلى أكبر منطقة جذب سياحى باستثمارات تصل إلى 500 مليار دولار ويتضمن المشروع خمسين جزيرة سعودية.

فى أكتوبر الماضى أعلن محمد بن سلمان عن مشروع نيوم الذى سيتمدد فى ثلاث دول يربط بينها خليج العقبة هى مصر والسعودية والأردن لتحويل البحر الأحمر إلى أكبر منطقة جذب سياحى بإنشاء 50 منتجعا و7 نقاط بحرية و4 مدن صغيرة يسكنها 4 ملايين نسمة.

وأثناء زيارته الأخيرة إلى القاهرة جرى توقيع اتفاقية خاصة مدتها 50 سنة لاستثمار المنطقة المصرية السعودية فى نيوم وبينما تساهم السعودية بعشرة مليارات دولار أخذت مصر حصتها بمشاركة فى الأراضى وخصصت ألف كيلومتر مربع فى جنوب سيناء عند شرم الشيخ.

وتجرى الآن مراجعة تخطيط المشروع ليبدأ التنفيذ فى العام القادم لعدة سنوات حتى يكتمل ويتحقق وصف «ريفيرا البحر الأحمر» الذى أطلقه ولى العهد على المشروع.

ولم يكن من الممكن أن يمر أول لقاء مع الملك القادم للسعودية دون سؤاله عن قطر وكانت إجابته مذهلة: إنه لا يهتم بهذا الملف كثيرا وتركه لمسئول أقل من وزير يتصرف فيه وإن أكد أن قطر لم تحقق هدفا واحدا منذ جرت مقاطعتها من مصر والسعودية والإمارات والبحرين.

ولكنه يضيف: بعد خروج بريطانيا من منطقة الخليج كانت مؤسسات حكمها فى أبو ظبى التى راحت تطالب باقى الإمارات بالوحدة حتى حققتها بين سبع إمارات «أبو ظبى ودبى وأم القوين وعجمان والشارقة ورأس الخيمة والفجيرة» ورفضت قطر الدخول فيها رغم أنه لم يكن بها ما يقيم دولة فلا مؤسسات ولا ميزانية ولا قوات دفاعية أو أمنية.

وحكم قطر الشيخ خليفة بن حمد ولكن ابنه وولى عهده ووزير دفاعه حمد لم يكن يمنحه الاحترام الكافى وكثيرا ما كان يقاطعه فى اجتماعات قادة الخليج خاصة بعد تحرير الكويت ولا تبرير لذلك سوى أن حمد مضطرب نفسيا ويعانى من شعور بالنقص والدونية فلم يتردد فى الانقلاب على والده «يونيو عام 1995» أثناء سفر الأب إلى الخارج.

لم يجد حمد أمامه سوى الاستعانة بالإخوان والقاعدة وغيرهما من الجماعات المتطرفة لإثبات تميزه فأصبحت بلاده قاعدة وخزانة لهم وشجعهم على القيام بعمليات إرهابية فى مصر وغيرها بعد أن منحهم جوازات سفر قطرية.

ويستطرد ولى العهد: قطر تزور الحقائق ولا تشكل شعرة بسيطة وإن كنا سنسمح بحضورها القمة العربية التى ستعقد خلال الشهر الجارى فى الرياض.

والمؤكد أنها لم تؤثر فى السياسة الأمريكية بنفس القدر الذى تؤثر به السعودية التى لها استثمارات فى الولايات المتحدة تصل إلى 800 مليار دولار.

ويؤمن ولى العهد بعمق العلاقة التاريخية بين مصر والسعودية ويرى أن لا أحد يقدر على قطعها ولو كان فى قمة السلطة فى البلدين وهى تتجاوز المصالح الاقتصادية إلى التوافقات السياسية «فالدولتان لهما نفس الحلفاء ونفس الأعداء».

فى خانة الأعداء تقف تركيا التى تريد إعادة الخلافة العثمانية وتقف إيران التى تريد فرض المذهب الشيعى على كثير من دول العالم لتحقق نبوءة المهدى المنتظر ورغم النجاح الذى حققته فى كثير من المناطق إلا أن ذلك آخذ فى التراجع بعد التحركات السعودية المكثفة والفاضحة وأقرب دليل على ذلك أن قوات التحالف تسيطر الآن على 95 % من اليمن.

ويضيف محمد بن سلمان: إن هناك من يرى أنه طالما كانت احتمالات سقوط النظام فى إيران صعبة فلم لا نتفق معها؟ والرد على ذلك أن الاتفاق مع إيران مثل الاتفاق مع داعش لأن هدف النظام الإيرانى هدف أيديولوجى «يصعب قبوله» وليس أمامنا سوى محاصرته حتى لا يلعب فى دولنا ولو انتهى من تلقاء نفسه سنعود إلى إيران.

ويستطرد: نحن وحدنا لنا الكتلة الأكبر فى الشرق الأوسط والائتلاف السعودى المصرى الإماراتى ركيزة قوة تتطابق فيها السياسات وتتوزع الأدوار.

وليس صحيحا أن العرب فى أسوأ حالاتهم فمن بين 22 دولة عربية لا نجد سوى دول محدودة تعانى المتاعب «سوريا وليبيا واليمن مثلا» مما يعنى أن أكثر من 80 % منها فى حالة رائعة لكننا نركز على السلبيات ولا نركز على الإيجابيات ونركز على الضعف والخلل ولا نركز على القوة والتماسك.

والدليل على ذلك ما يحدث فى مصر من تحديث وتطور بطريقة وصفها بـ «الهمة الفرعونية «وهو ما أثار تفاؤله بمستقبل مصر التى استهدفت زيارته لها مجالات اقتصادية أكثر من غيرها.

وبنفس الحماس تحدث عن السلام بشرط إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية تحتاج إلى قيادة فلسطينية موحدة ومدعومة وعليها تجاوز عقدة الأمن فى إسرائيل ولو لعدة سنوات فالأهم ضمان وجود الدولة وضمان حماية المقدسات والحصول على أكبر قدر من الحقوق.

وعندما سئل عن تغير النظام السياسى فى بلاده أجاب: إن طبيعة القبائل التى يتكون منها المجتمع السعودى تجعل لنظام السعودية السياسى طبيعة خاصة وهى الإجابة نفسها التى ذكرها من قبل إلى صحيفة واشنطن بوست عندما سألته عن حقوق الإنسان لكنه أضاف: «المعايير مختلفة ولكن إذا نجح شىء فلن نقوم بتعديله».

استمر الحوار أكثر من ساعتين وكان يمكن أن يستمر لزمن أطول لولا ارتباطه بموعد فى الأوبرا لحضور مسرحية هناك بدعوة من الرئيس عبد الفتاح السيسى.

لقد كنا فى حضرة شخصية مميزة تجسد صورة حكم جديد فى العالم العربى.