محمد مسعود يكتب: وزارة الإعلام.. والبقرة المقدسة

مقالات الرأي



1- إعلامية متهمة بالخطف، وآخر بنشر أخبارا ومعلومات من شأنها الإساءة لجهاز الشرطة، وحالة انفلات وتخبط يشهدها الوسط الإعلامى، كيانات تولد وتدعم، وأخرى ماتت إكلينيكيا، خبرات ومواهب وأسماء رنانة جالسة بين جدران منازلها، دون عمل، وذلات وأخطاء وجرائم ساذجة يرتكبها إعلاميون يطلق عليهم البعض «كبارا» !.

هل هؤلاء الكبار فى حاجة لدورات تدريبية؟، لرفع كفاءاتهم، بداية من اختيار موضوع التناول، مرورا بتحضيره، نهاية بطرحه وبطريقة وأسلوب تقديمه؟، أم أن اللهاث وراء نسبة المشاهدة والحصيلة الإعلانية هى من تجرهم لتلك الأخطاء التى تحولت بشكل مدهش إلى جرائم؟.. واستكمالا للأسئلة هل هناك هدف محدد لكل ما يعرض؟، أم أن الأمور تسير وفقا لعشوائية الإعلام.. حيث لا هدف، ولا طرح.

المشهد بشكل عام لا تستطيع أن تستنبط منه شيئا، لا إعلام رسمى حقيقى حتى الآن، ولا دور فعلى وملموس للهيئة الوطنية للإعلام، سوى توجيه التحذيرات ومنع بعض المذيعين من الظهور لفترات كعقاب لهم، وحتى الإعلام الخاص، خال من المحتوى إلا من رحم ربى، غير أن هذا يتنافى تماما مع الجهود المبذولة عسكريا واقتصاديا وسياسيا، كل هذه القطاعات تطورت بشكل ملحوظ وبجهد مشكور، إلا قطاع الإعلام.. فلازال يتقهقر.

2- فى حديث لى مع الكاتب الكبير الراحل أسامة أنورعكاشة عميد الأدب التليفزيونى، شرح لى مخاوفه من أن يكون الإعلام تابعا للإعلان، وكان غاضبا من وجود فواصل إعلانية فى المسلسلات الدرامية، مؤكدا أن الإعلان فى طريقه ليكون البقرة المقدسة التى يركع أمامها الإعلام.

والآن.. على مستوى قطاعات الدولة، توقفت الدراما، سواء فى قطاع الإنتاج باتحاد الإذاعة والتليفزيون أو فى شركة صوت القاهرة، أو مدينة الإنتاج الإعلامى التى كانت تنتج قبل عشر سنوات، ما يزيد علي 40 مسلسلا فى العام الواحد، لكبار المؤلفين والنجوم والمخرجين، وكانت الدراما المصرية تصدر لجميع بلدان الوطن العربى، بدون شراء فورمات مسلسل أجنبى، أو السطو على فكرة أو تمصير عمل وادعاء حقوق ملكيته الفكرية.. أو إعادة إنتاج الأفلام السينمائية القديمة، وأنتج قطاع الإنتاج أعمالا خالدة لم تخل من القيم.. لاتزال تتمتع بأعلى نسب المشاهدة.

كل ذلك كان يحدث لأن هناك فنانا خطط لحدوثه، وترك المجال للمبدعين ليطرحوا أفكارهم بحرية مطلقة، وكان من بين هؤلاء المبدعين المخرج محمد فاضل، صاحب الأيادى البيضاء على الدراما المصرية «أبوالعلا البشرى، أنا وأنت وبابا فى المشمش، صيام صيام، عصفور النار، والراية البيضا».

فى المسلسل الأخير، وقف محمد فاضل فى نفس صف أسامة أنور عكاشة، وصف بطلهما المشترك الدكتور أبوالغار فى وجه قبح فضة المعداوى.. كانت الرسالة واضحة من مخرج وفنان كبير مهموم بقضايا وطنه، قبل أن يتحول ذلك الفنان لمشرف على لجنة الدراما التى تحاول فرض الوصاية على المؤلفين بالتحكم فى أفكارهم وما يودون كتابته، وكان الأحرى به إن كان مهتما بمستقبل الدراما فى هذا الوطن اتخاذ عدة قرارات من شأنها إعادة الانضباط لسوق الدراما المصرية بدلا من تقويض حريتها، ودق أحد مسامير نعشها.

3- هل نحن فى حاجة إلى وزارة إعلام، يكون على رأس أولوياتها ضبط الأداء الإعلامى وتحديد سياسة إعلامية واضحة، بعيدا عن العشوائية فى اتخاذ القرار والتصريحات الرنانة دون أفعال تذكر، وزارة إعلام تكون قادرة على خلق إعلام منافس يوازى ما يتحقق من نجاحات فى قطاعات عديدة.

وزارة إعلام تكون قادرة على إعادة الروح لجسد الكيانات الإنتاجية لاستعادة أمجاد وريادة مفقودة.

بلد كبيرا فى حجم مصر فى حاجة إلى وزارة إعلام لا تتأثر بالبقرة المقدسة.. تقدم أعمالا وبرامج ليس من شأنها الربح والمكاسب المالية، فعندما تبنى الأوطان، يجب أن تكون البداية ببناء الإنسان وتشكيل وعيه، بدلا من حالة الشتات والفوضى الإعلامية التى قد تجعل المواطن عرضة لإفساد دماغه بإعلام مضلل تصدره دولة أخرى.

وربما ما يدلل على أهمية الإعلام وضرورة تنميته أن دولة فى حجم «الصغيرة» قطر، لديها إعلام صنع هالتها الفارغة.. ونحن فى أم الدنيا فى حالة خواء إعلامي.