حمدي رزق يكتب: "سلم نفسك" لـ"خالد جلال"!

الفجر الفني



مهم أن تشاهد رائعة المخرج الكبير خالد جلال الجديدة «سلم نفسك» كتحذير صارخ من عمليات التسليم العقلى الضارية فى المجتمع المصرى، وعندما يرفع الستار يستلمك خالد جلال وشبابه فلا يتركون لك مجالاً للإفلات من الحالة التنويرية التى تعصف بذهنك فتوقظك على خطر محدق، خالد جلال يستنهض المواطن المصرى، يشحن بطاريات المقاومة، يفجر الطاقة الإيجابية، الانتماء للوطن حصن أمان.

خالد جلال لا يصرخ فى عرضه «سلم نفسك»، العرض مزيج من الحنين إلى أيام مضت، يوم كان الإنسان إنساناً، وكان الصدق عنواناً، و«حب الوطن فرض عليه، أفـديه بروحـى وعينيه»، تنساب الروح الوطنية من بين مشاهد العرض بلا زعيق، «خالد» يصوغ مأساة عقل سلّم نفسه طواعية للشائعة فصارت حقيقة، وصار البشر يفتون فيما لا يعلمون فتضيع الحقيقة وتشيع الكذبة، فيفقد المواطن منعته ويسلّم نفسه مغيباً تماماً تحت وهم المعرفة، أبوالعريف يصير أبا جهل عن جهل.

خالد جلال نوع من المخرجين الأسطوات، أسطى خشبة، مسرحجى، يتفنن فى صوغ مشاهده الخاطفة على مهل ويصوغها فى أناة، فتخرج من تحت يديه حتة قطيفة ناعمة حتى الضحكة من القلب، شغل خالد جلال يشرح القلب الحزين.

سر خالد جلال فى فرط حماسه الداخلى يكاد يتفجر إبداعاً، يصنع من الفسيخ شربات سائغ شرابه لذة للمشاهدين، ورشجى متمكن من أدواته، واثق من قدراته، يطوّع المواهب لنصوص ارتجالية تتحول إلى حالة احترافية مذهلة.

لا تصدق أبداً أن هؤلاء «الغيلان المسرحية» الذين لا يتركون لك فرصة لالتقاط الأنفاس، شباب هواة مسرح تعهدهم خالد جلال بالرعاية، يسقى مواهبه الفن المسرحى بالملعقة، «خالد» يجيد صقل المواهب، يجليها إبداعاً وينظمها فى عقد فريد يفيض بهاء على خشبة المسرح، وهو فى الكواليس جد سعيد حتى تطفر من عينيه الدموع، وفى الختام يحتضن أولاده بامتنان.

سلم نفسك لخالد جلال ولن تندم، تود لو طال العرض طويلاً طويلاً، خلاصته «يا بخت من بكانى وبكى عليا ولا ضحكنى وضحك الناس عليا»، خالد يبكيك ويبكى معك على حالنا وما وصلنا إليه من تفريط وكذب وخداع وفتى عن جهالة واحتقار واجتراء وافتراء، «سلم نفسك» مكاشفة قاسية ضاحكة ساخرة، وقفة مع النفس ومع الذات ومع أنفسنا ومع العالم من حولنا لماذا تحولنا لماذا تغيرنا لماذا صرنا على ما نحن عليه؟، يشدد على الانتماء الذى هو طوق النجاة.

المسرح عند خالد جلال وش بابه ليس نزهة خلوية، بل مكاشفة وتشخيص وعلاج بمبضع جراح يعرف طريقه سالكاً إلى موطن الداء، سخريات مريرة بطعم السكريات المحروقة، ينطق بها شباب يقفون على المسرح لأول مرة بعد أن وقفوا بذكاء على مسرح الحياة.

المسرح عند هؤلاء رسالة والخشبة مدرسة، والرقى إبداع، مسرحية خالد جلال «التجريبية» تخلو من المقبلات المصنوعة والوجوه الملونة، شباب وجوههم مقبولة وإفيهاتهم مهضومة، وذكاؤهم فطرى يقطر إبداعاً. محظوظ «خالد» بكبشة المواهب، 27 موهبة فى عرض واحد ساعتين من المتعة الخالصة النظيفة الراقية، مسرح كما يجب أن يكون المسرح تتحقق فيه كل نظريات المسرح دون تعقيد أو افتعال أو اهتبال أو لحس عقل.

المقال نقلا عن "المصري اليوم