عقود عرفية تمنح الأقباط "طلاقا غير رسمى" بعيدا عن الكنيسة

العدد الأسبوعي



شيرين اتفقت مع زوجها على النفقة والرؤية فى عقد من نسختين.. وماهر وقع اتفاقاً لحماية أبنائه


يواجه الأقباط المنفصلون أو الراغبون فى الحصول على الطلاق، أزمات مريرة، ورغم أن أشهرها الحصول على الطلاق أو على تصريح من الكنيسة بالزواج الثانى فإن أكثر تلك المشكلات تعقيداً، هو لجوء كثير من الزوجات إلى الطلاق العرفى من أزواجهن، بعيداً عن الكنيسة. «شيرين، ف»، 35 عاماً، انفصلت عن زوجها بعد 3 سنوات، أنجبت فيها طفلة ولكن استحالة العشرة مع زوجها دفعها للعودة إلى بيت أبيها وبعد خلافات دامت أكثر من 7 سنوات لم تستطع الأم الحصول على الطلاق حيث لم تر الكنيسة سبباً للتفريق بين الزوجين وفق الإنجيل.

وطبقاً للائحة 2008 لا يجوز الطلاق إلا إذا وقع أحد الزوجين فى الزنى، ومؤخراً أقر المجمع المقدس تعديلات فى مارس 2016، أضاف فيها بعض الأسباب الأخرى للطلاق إلا أن الواقع العملى جعل هذه التعديلات كان لم تكن.

المشكلة التى تواجه شيرين لم تعد الطلاق أو الحصول على تصريح بالزواج بقدر ما تلخصت فى الطفلة التى بدأت ترتاد المدرسة، خصوصاً مع استمرار الخلافات مع الزوج بشأن الصغيرة بداية من حق الحضانة والرؤية، بالإضافة إلى النفقة، لذا اضطرت الأم بعد الاتفاق مع أسرتها وأسرة زوجها وبحضور محاميى الطرفين إلى تحرير عقد عرفى ينظم علاقة الأبوين بالصغيرة.

ويقول «ماهر، إ»، بعد انفصالى عن زوجتى منذ 11 عاماً، قررنا ألا ندخل فى نزاعات قضائية خاصة أن لدينا 3 أطفال، لذا لجأنا فى البداية للحل الودى بحضور كبار العائلتين ولكن تفجر بعض النزاعات اقترح محامى الزوجة تحرير عقد يتم تسجيله بالمحكمة وضعنا بنوده طبقاً للظروف المناسبة للطرفين بالتراضى، وحددت ما يقرب من نصف راتبى كنفقة لصغارى خاصة أن اثنين منهم فى التعليم والثالث يعانى من تأخر فى الكلام والحركة، ويحتاج نفقات إضافية، وبغض النظر عن خلافى مع الأم قررت إعلاء مصلحة أبنائى والتخلص من هذه الصراعات خاصة أننى لا أرغب فى الزواج مرة أخرى.


1- شبح الطلاق

أما «ك ،ى» فهى أم لثلاثة أطفال انفصلت عن زوجها بعد 9 أعوام، وتصف تلك الفترة بأنها كانت العصيبة على الأبناء ودخل انفصالها عن زوجها عامه الخامس، لم تنته خلالها المشاحنات بينهما، لكنها تؤكد لأنها لا تسعى إلى الطلاق خوفاً على سمعة أبنائها حتى لا يلاحقهم شبح طلاق أبويهم فيما بعد، وبعد عدة قضايا بينها وبين زوجها، حول الرؤية والنفقة اقترح عليهما أحد الأشخاص بتحرير عقد من خلال محامٍ يحددان فيه مسار العلاقة بينهما حول البناء والنفقات والرؤية، زالت دهشتها من هذا الإجراء بعد أن أطلعها المحامى على نسخ من عقود تم تحريرها لبعض الأزواج الأقباط ليطمئنها.

وحسب «ك.ى» حاول الزوج فى البداية المراوغة ومخالفة العقد بدعوى أنه غير ملزم ولكن المحامى هدده، فخضع فى النهاية للاتفاق، الذى تعتبره خطوة مفصلية أدت لاستقرار الأبناء ووفرت بعض نفقاتهم.


2- الطلاق هو الحل

يرى نادر الصيرفى، مؤسس حركة أقباط 38، أن عدم حصول الزوجين المنفصلين على الطلاق يزيد حدة التوتر بينهما ما ينعكس بالسلب ذلك على الأبناء، لأنه بمجرد الحصول على الطلاق تهدأ حدة الخلافات، ويمكن التوصل لحلول ودية بشأن النفقة والرؤية وغيرها، ولذلك، فالعقود التى يحررها بعض المنفصلين قد لا تجدى نفعاً إلا بعد الطلاق، مشيراً إلى أن بعض الأزواج حرروا عقود لتنظيم العلاقة بينهما دون اللجوء لمحامٍ كوسيلة للحل بحضور بعض من أفراد أسرتيهما.

ويضيف الصيرفى، إن العقد ليس له بنود ثابتة فلكل حالة ظروفها التى تحكم طبيعة البنود، ولكن هناك خطوطاً ثابتة من نفقة ومواعيد رؤية وحضانة الصغار، وكذلك قد يتم الاتفاق على فترة ينتقل فيه الصغار للإقامة لدى الطرف غير الحاضن.

من جانبه يقول سعيد عبدالمسيح، المحامى، إن الأطفال قد يكونوا أسوأ حالاً فى حال الانفصال بسبب تحول أحد الطرفين للإسلام والمشكلة تكمن أن الأم فى كل الأحوال يجب أن يكون من حقها حضانة الأطفال حتى عمر 15 عاماً، إلا أن هذا لا يطبق فى حالة إذا تحول الأب للإسلام، ويغلب القاضى لائحة الأزهر على مادة قانونية أصيلة، وفى هذه الحالة لا تنفع العقود أو الدعاوى القضائية.


3- النفقة مقابل الرؤية

يقول «ج، ر»، إنه انفصل بعد شهور من الزواج، وكانت الزوجة حاملاً، ثم تركت منزل الزوجية على إثر خلافات عادية، وانتقلت إلى بيت أبيها، وبعدها لم يرها أو ير طفلته رغم حصوله على حكم بالطاعة، فإن الزوجة لم تنفذه وسقط حقها فى النفقة، ولكنها حصلت على نفقة للصغيرة، وبينما ظل يدفع حقوق الطفلة بات يعانى كثيراً ليرى طفلته ما دفعه للمراوغة فى دفع النفقة كوسيلة للضغط على الزوجة ولكن دون جدوى.

ويضيف الأب، إن أحد ضحايا الأحوال الشخصية اقترح عليه فكرة مخاطبة أهل زوجته والاتفاق على مبلغ محدد كنفقة وموعد لرؤية الطفلة وكذلك يوم فى الشهر تنتقل فيه للإقامة معه لتراها جدتها، وبالفعل تم التوصل إلى اتفاق تم تحريره كعقد بين الطرفين يحدد واجبات كل طرف وتم حفظ نسخة محامٍ كل طرف.


4- عودة لائحة 38

ترجع بداية مشكلة الطلاق فى الكنيسة الأرثوذكسية إلى عام 2008، عندما أصدر الراحل البابا شنودة الثالث، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، تعديلات جذرية على لائحة الأحوال الشخصية واختزلت التعديلات أسباب الطلاق فى «علة الزنى» فى حين أن لائحة 1938، كانت حددت عناصر متعددة للطلاق بمنها حسب المادة 54 من اللائحة «إذا أصيب أحد الزوجين بجنون مطبق أو بمرض معد يخشى منه على سلامة الآخر يجوز للزوج الآخر أن يطلب الطلاق إذا كان قد مضى ثلاث سنوات على الجنون أو المرض وثبت أنه غير قابل للشفاء».

و«يجوز أيضاً للزوجة أن تطلب الطلاق لإصابة زوجها بمرض العنة إذا مضى على إصابته به ثلاث سنوات وثبت أنه غير قابل للشفاء وكانت الزوجة فى سن يخشى فيه عليها من الفتنة»، وورد أيضاً فى المادة 55: «إذا اعتدى أحد الزوجين على حياة الآخر أو اعتاد إيذاءه إيذاء جسيماً يعرض صحته للخطر جاز للزوج المجنى عليه أن يطلب الطلاق»، وتطرقت المادة 56 لسبب آخر «إذا ساء سلوك أحد الزوجين وفسدت أخلاقه وأنغمس فى الرذيلة، ولم يجد فى إصلاحه توبيخ الرئيس الدينى ونصائحه فللزوج الآخر أن يطلب الطلاق»، بينما تقول المادة 57 «يجوز أيضا طلب الطلاق إذا أساء أحد الزوجين معاشرة الآخر أو أخل بواجباته نحوه إخلالاً جسيماً ما أدى إلى استحكام النفور بينهما وانتهى الأمر بافتراقهما عن بعضهما واستمرت الفرقة ثلاث سنين متوالية».

ومع استمرار النزاع حول القضية يفرز الواقع مشكلات جديدة لهؤلاء الأزواج تبحث عن حلول قانونية واجتماعية أبرزها وضع الأبناء حيث الأب والأم منفصلان عملياً لكنهما متزوجان رسمياً.

وفى فبراير الماضى اتفقت الطوائف القبطية الثلاثة الأرثوذكسية والإنجيلية والكاثوليكية على أجزاء كبيرة من مشروع قانون خاصة بالأحوال الشخصية، ولكن لم يتم تقديمه بعد إلى مجلس النواب، وتضمن المواد التى تدرسها الكنائس الثلاث عدة أسباب الطلاق تحل كثير من المشكلات إلا أن المتضررين من قضايا الأحوال الشخصية لم يلمسوا نتائج لتلك التعديلات ولا تزال المعاناة مستمرة.


5- دور المجتمع المدنى

ويؤكد كمال زاخر منسق التيار العلمانى المصرى، أن قضايا الطلاق للأقباط لا تزال معلقة ولم تحسم بعد، وهذا يعنى أن استمرار الخلاف بين الزوجين سيؤدى إلى عدم الاتفاق بشأن الأبناء، مؤكداً أن العقود التى يضطر الأزواج أو بعض المحامين لتحريرها هى عقود عرفية غير مسجلة وغير ملزمة، وقد يخرج عليها أحد الطرفين فى حالة النزاع والعناد المستمر وبالطبع فإن الأطفال هم الضحية.

ودعا زاخر، وزارة التضامن الاجتماعى إلى ضرورة تأسيس منصة لرعاية الأسر وأطفال الأزواج المنفصلين مؤكداً أنه يجب على منظمات المجتمع المدنى الاهتمام إلى هذه القضية، بشكل أكبر من اهتمامها بالصراع السياسى وشدد على ضرورة أن تقوم الكنيسة بدورها الرعوى والالتفات لهؤلاء الصغار واحتوائهم حتى لا يخرجوا للمجتمع مشوهين نفسياً، وإذا كانت الكنيسة لا تمتلك القدرات للقيام بهذا الدور فعليها السعى لتشجيع المجتمع المدنى للقيام بهذه المسئولية.


6- تكافل مادى كنسى

ويرى إسحق فرانسيس، رئيس حملة تمرد القبطية، أن عودة لائحة 1938 سيكون الحل الجذرى لتلك المشاكل لأن هناك نحو 650 ألف حالة لم تفصل فيها الكنيسة تجاهلت فيها وجود الأبناء الذين لا يعيشون فى أسر مستقرة فى ظل هذا النزاع، بالإضافة إلى مشكلات الإنفاق عليهم.

ويضيف فرنسيس إنه إذا كانت الكنيسة تصر على موقفها من الطلاق، فيجب عليها تخصيص صندوق تكافل يسمح للفتيات المنفصلات بالإنفاق على أنفسهن وعلى صغارهن حتى لا يتحولن لفريسة ومطمع وإذا التزمت الكنيسة بهذا الصمت فنحن نطالب الرئيس عبدالفتاح السيسى بسرعة التدخل، لأن هناك مئات الأطفال والزوجات بلا مصدر رزق وتم حرمانهم من الحصول على معاش المطلقات أو معاش والديهم بسبب عدم الحصول على الطلاق.