محمد أكرم دياب يكتب: تربية الاستيفا

ركن القراء



قادتني الظروف للتواجد في احد اقسام الشرطة بعد منتصف الليل، قصدنا القسم لينهي احد أصدقائي محضر بسرقة متعلقات منه بعد مقابلة رئيس المباحث و حديث هنا و كلمة هناك توجهنا للـ"إستيفا" ، جلسنا على أحد الرخمات البيضاء وأمامنا جلس أمين شرطة وبدأ في الاستفسار من صديقي عن ملابسات الحادث، وقتها بدأت أتفقد ماحولي متهم .. عسكري.. ضابط ..شعار الشرطة في خدمة الشعب.. ارشادات نقيب لملازم لانهاء احد المحاضر.. قطع المشهد صوت استنجاد وصراخ يختلط معه صوت صاعق كهربائي"الكتريك" ثم "انا اسف حرمت خلاص انا اسف ".

صدر الصوت من غرفه خشبية  مجاورة لباب القسم الرئيسي وقف أمامها امناء شرطة وضباط حديثي التخرج ورجل شابت لحيته واجزاء من شعره ، بعد دقيقة خرج حامل الالكتريك وبدأ بإرهاب من بالداخل "عينك في الارض .. ايدك جنبك " .. حاضر .. ماسمعش صوتك ومتقولش حاضر .. ثم نظر الى زملائه من لابسي الميري وسأل "عندكم حد له في العيال الصغيرة في التخشيبة ندخله الواد ده ".. يرتفع الصوت من الداخل "لاا والنبي لاااا ".

 أتته الاجابه لا ياباشا معندناش .. نظر الى داخل الغرفة وقال ياخسارة خلاص نبيته جوا ثلاثة ايام من غير اكل وشك للحيط وايدك لفوق، تركه وخرج ليتحدث مع المتفرج صاحب الشعر الابيض، من الحديث الذي اشتركت فيه وضح لي الامر القصة بدأت قبل عامان حينما تعرف حامل أثر الاليكتريك في جسده على صديقين وضعوه في بداية طريق قادته نهايته لذلك المشهد الذي سيشكل ذكرى سوداء لن تزاح باقي عمره. 

كان من الاوائل في دراسته حتى المرحلة الاعدادية وفي بداية سن مراهقته، استقبله بإستبدال درسه يدور بلاي ستيشن تعرف فيه على أثنين أغراه بحريتهم في السهر واللعب وخروجهم من سلة التضييق المنزلي والمذاكرة المستمره، صادقهم وبدأ في تجربة حياه جديدة تمناها قديما جرب السجائر للمرة الأولى تبعها بأول سيجارة للحشيش وعمره لم يتخطى الخمسة عشر عاما، تلك الحياه تحتاج مصاريف تضاحي مصروفه . 

استعاض عن ذلك بأجر الدروس الخصوصية لكنها لم تكفي، خاصة بعد معرفة والده الامر وهروبه من المنزل، بعدها جرب التسول ووجد فيه دخل مجدي لحياة الفشل، طارده اخاه وابوه عاد الى المنزل وهرب مرة اخرى واخرى بدأ ببيع مايمتلك موبايل لاب توب، واصبحت اسرته العدو الأول المطارد للذة عيشته الحالية، حتى جاء اليوم الذي اقتاده والده لغرفة الاستيفا،، أملا في تربية ميري تعوض فشله في تربية المنازل .

وقف المربي الجديد خارج القسم بعد إنتهاء الحديث مع والد المعذب بالالكتريك، ونادى "تعالى هنا وايدك تكون في جنبك ووشك في الارض "، تحرك الأخير بجسم مرتعش ووجه مقفهر من البكاء خطوات قليلة من غرفة التربية  حتى وصل لموضع الضابط. 

180 درجة حجم التغير في معاملة الضابط للحدث خارج باب القسم، "انت اخويا الصغير ليه مزعل اهلك ابوك ده تشيل جزمته فوق راسك يلا بوسه " .. استمع لشكواه من أهله  بقلب اخ كبير حقيقي وتحول من ضابط لأخصائي اجتماعي كسب حب من عذبه قبل دقائق .. أعطاه النصائح "لازم تنجح وتسمع كلام اهلك علشان تبقى زميلي ماتبقاش متهم عندي " .. ونظر الى ابوه كي يضمن الحفاظ على مجهوده في تربية المتمرد "رقمي معاك ولو حصل اي حاجه منه كلمني لو انا مع وزير الداخليه هاجيلك احبسه".

في الحقيقة وقفت حائرا بعد انتهاء الموقف بسلام حار بين العائلة بما فيها الطفل للضابط ، طريقة التربية التي لم تستغرق سوى دقائق برغم قسوتها أفضل من قسوة الشارع عليه افضل من ضياع مستقبله، حقيقة احترمت الداخلية كلها من موقف الضابط لكني نقمت على الاب فهذا الموقف لن يزال من عقل ابنه وقد يزيد الفجوه في علاقتهما، وواجهني سؤال لم اجد له اجابة حتى الان ماذا نفعل مع ابنائنا حتى نبعد عن تربية الاستيفا؟.