د. بهاء حلمي يكتب: الصيانة فى مصر بين الواقع والمأمول

مقالات الرأي



تُعد الصيانة العنصر الأساسى فى الحفاظ على أى مبنى أو منشأة أو طريق أو مرفق أو أى معدات أو آلات ومركبات وغيرها، كما تعتبر الصيانة عاملاً مهماً فى توفير عوامل الأمن والسلامة وتجنب الأخطار التى قد تنجم عن إهمالها مثل انهيار المبانى وتعطل المصانع والمعدات وانعكاس ذلك على سلامة الأرواح والأمن والاقتصاد.

فى الواقع يبدو أن الصيانة ليست ضمن الثقافة التى يؤمن بها قطاع عريض من الأفراد بالمجتمع لاسيما صيانة المساكن والمنشآت التى تتعدد فيها الجهات الحكومية ومن ثم تتبدد فيها المسئوليات، ويُشار إلى أن صيانة المبانى والمنشآت كانت فى أسوأ أوضاعها قبل حركة العمران وإنشاء التجمعات والكمبوندات السكنية وصدور نظام اتحاد الملاك ثم اتحاد الشاغلين إلا أنها تحتاج إلى المزيد من الاهتمام.

إن مفهوم الصيانة لا يقتصر على المبانى أو المنشآت أو الطرق والمرافق بل يمتد إلى كل ما هو حيوى مثل مجرى نهر النيل الذى تسبب فى حدوث شحوط للكثير من البواخر والرحلات النيلية بأسوان والأقصر خلال الأيام الماضية بسب عدم إجراء الصيانة اللازمة على الرغم من تحصيل وزارة الرى للمبالغ المقررة يومياً على المراكب لتطهير مجرى النيل أولا بأول، كما أن الصيانة ضرورية لكل المعدات والآلات بكافة المصانع والمصالح والهيئات وكل العناصر الخدمية الأخرى.

وبغض النظر عن تعدد تعاريف الصيانة فيمكن القول بأنها هى العمليات المنظمة التى تتم على جزء أو مجموعة من الأجزاء بغرض إصلاح العطل أو التنبؤ به لمداركته قبل حدوثه للحفاظ على كفاءة الأداء والسلامة وتقليل التكلفة الاقتصادية.

فإذا كانت الصيانة وقائية بغرض الوقاية من الأعطال مثلاً، فقد تكون تصحيحية أو علاجية، وقد تكون طارئة لإصلاح مشكلة ما، إلا أنه يوجد أيضاً الصيانة التنبؤية وهذا المفهوم ظهر حديثاً فى الدول الصناعية وتعتبر تطوراً للصيانة الوقائية، حيث تعتمد على مبدأ التنبؤ بعطل إحدى الماكينات على سبيل المثال، وترتكز عملية التنبؤ على بعض الشواهد والدلائل مثل مراقبة الحالة للماكينة أو المعدة من أجل التنبؤ بنوع العطل وموعده قبل حدوثه مما يؤدى إلى توفير المال.

وتعتمد الصيانة التنبؤية على آليات تتناسب مع الشيء المستهدف بالصيانة، فإذا كانت معدة فتكون بقياس الاهتزازات والفحص البصرى وتحليل الزيوت والأشعة فوق الصوتية وتحت الحمراء وأداء المواتير، وذلك لعمل الصيانة اللازمة والملاءمة بما يحقق الأهداف المأمولة المتمثلة فى زيادة عمر الماكينة وتقليل وقت توقف الإنتاج وزيادة الاعتمادية على المعدات وخفض النفقات المصروفة على العمالة وقطع الغيار وتحسين جودة المنتج وتحسين بيئة العمل والأمن الصناعى وتوفير الطاقة.

ويجب أن تقوم الصيانة على أسس وإدارة علمية ورقابة وعدم الركن أو الاعتماد على التشريعات واللوائح الملزمة فقط بل يجب أن تمتد ثقافة الصيانة إلى كافة المواقع ولكل المواطنين من منطلق أننا شركاء فى بناء الوطن والحفاظ على ثرواته وبالتالى نظافته وعدم إلقاء المخلفات إلا فى الأماكن المخصصة لذلك.

ولا يفوتنا بالضرورة صيانة المبانى والمساكن والطرق ومخرات السيول والمرافق والكبارى والمعابر وخطوط السكك الحديدية ومترو الأنفاق والمصاعد وكل الخدمات الأساسية والثانوية بشكل دورى ومنتظم وفق مفهوم الصيانة الوقائية لضمان الكفاءة والسلامة وعدم تكرار الحوادث مثل سقوط المصاعد ومقتل من بداخلها.

لذلك نرى أهمية دراسة جميع الجوانب الثقافية والتشريعية والإدارية والاجتماعية والإعلامية لمفهوم وآليات الصيانة بغرض وضع استراتيجية للنهوض بالصيانة للحفاظ على ما تم إنجازه وإنفاقه من أموال على المشاريع التى تحققت خلال الفترة الماضية ليس من قبيل الحفاظ على المال العام فقط بل للحفاظ على مستقبل الأجيال القادمة، ولابد من تفعيل الصيانة الوقائية والتنبؤية للمبانى والمرافق المختلفة والصيانة الميكانيكية والصناعية وغيرها، وأن يتم ذلك اعتماداً على العلم ونشر ثقافة التخطيط والمتابعة للصيانة المخططة، والدورية والمستمرة والتوفيقية والمجدولة والصيانة غير المخططة اعتماداً على الموارد البشرية التى تعتبر العامود الفقرى لأى نظام ناجح ومتطور.