د. حماد عبدالله يكتب: "التعليم الصناعى" والوجاهة الاجتماعية!

مقالات الرأي



أتحدث اليوم عن أهم مراحل التعليم في بلدنا مصر، وهي مرحلة التعليم الأساسى، حيث ينشأ الطفل المصري في مدرسة محببة للنفس، ينتقل بعدها إلى المستوى الأعلى حتى المستوى الجامعى.

وكانت خمسينيات القرن الماضى قد شهدت اهتماماً بالتعليم، وخاصة الفنى والصناعى والزراعى والتجارى، بعد أن اتجهت "مصر" في عهد الراحل "جمال عبد الناصر" إلى التصنيع، فبدأت الدولة العمل على تخريج شباب على مستويات مختلفة لسد احتياجات سوق العمل، من التعليم الصناعى (خاصة) من مرحلة الإعدادية الصناعية، ثم الثانوية الصناعية، وأعطت الدولة الحق لأوائل خريجى كل مرحلة بحقه في الالتحاق بالمستوى الأعلى، بما فيها أوائل خريجى التعليم الثانوى الصناعى للالتحاق بالجامعات المصرية في الكليات ذات الصلة بالمهنة (كل في مجال تخصصه!!)

وكنت أنا أحد هؤلاء (النجباء) من الطلاب الذين التحقوا بالتعليم الجامعى، بعد حصولى على درجة متقدمة من أوائل الثانوى الصناعى عام 1965، حيث أتذكر حينما أدخلنى والدى (رحمه الله) هذا النوع من التعليم، إيماناً منه بأهداف "جمال عبد الناصر"، وكذلك القدرة المعيشية المتواضعة التي كانت تعيشها أسرتى (الفقيرة) فكان التوجه للتعليم الصناعى، هو قرار أيضا اقتصادي، للأسرة، حيث كان التعليم الجامعى مكلفا للغاية، قبل مجانية التعليم واحتياج الأسرة لعضو منها (منتج) يساعد في إيجاد (دخل إضافى) للمعيشة، وكتبت حينها أمامى (لقد أخطأ القدر بدخولى التعليم الصناعى ويجب أن يصحح خطأه) أي والله العظيم، هذه الجملة  كنت أكتبها في صدر كل (كراسة أحملها) أو في مكان بارز في المكان الذي أستذكر فيه دروسى، حيث كنت صاحب طموح لا حد له وأريد أن أستكمل دراستى الجامعية وقد كان!

وهذا لم يكن لعيب في نظام التعليم الصناعى حينها، بقدر ما كنت أحمله من طموح، غرسته في قراره نفسى اهتماماتى منذ أن تعلمت القراءة على يد الشيخ محمد (رحمه الله) في كتاب "المحمودية" بالحبانية في حى المغربلين، حيث أصبحت (ناهماً ) للقراءة، فنهلت من كتب "نجيب محفوظ، وتوفيق الحكيم ويوسف إدريس وإحسان عبد القدوس وأنيس منصور، وطه حسين والعقاد"، ولكن كان التعليم الصناعى يهتم أول ما يهتم بتخريج شاب يستطيع أن يدير آلة، وأن يقف على خط إنتاج، وكانت الدراسة تشمل كتبا مستوردة من "إنجلترا"، وأعتقد أنها من (رويال كوليج) أكبر مركز للتعليم الفنى في "إنجلترا".

وكانت هذه الحقبة من الزمن ترتبط بالوجاهة الاجتماعية بأصحاب المؤهلات العليا، فلو على سبيل المثال تقدم شاب يحمل دبلوم صنايع لفتاة يحبها، فهناك أكبر عقبة أمام حصوله عليها، حيث الأهل يبتغون لابنتهم أحد خريجى الجامعات المصرية، حتى الخدمة العسكرية قد صنفت مدة الخدمة بثلاث سنوات للمؤهلات المتوسطة، وعام ونصف العام على الأكثر لحاملى المؤهلات العليا،  لقد كان هذا المؤشر هو الوحيد الذي يقف أمام طموح شباب هذه المرحلة من الزمن، رغم اهتمام الدولة بهذا النوع من التعليم، وأستطيع أن أجزم بأن خريجى هذه المدارس هي التي قادت القطاع العام في كل مجالات الإنتاج، حتى إن الشاهد على ذلك النقابة الخاصة بهم، وهي نقابة التطبيقيين، وهي من أعظم النقابات المهنية في مصر، وأغناهم على الإطلاق.

 فكان لى حظ أن أنال تعليما محترما اسمه صناعى، ثم كلية الفنون التطبيقية  جامعة حلوان، وما قد استطعت تحصيله من علم بعد ذلك من دراسات عليا في إيطاليا، وكذلك دكتوراه في الفلسفة من نفس الجامعة وهي الوجاهة الاجتماعية المطلوبة!

 

   Hammad [email protected]