"كل هذا الهراء".. عز الدين فشير يحكي مأساة شباب يناير على فراش غربيين

الفجر الفني



استطاع الروائي المبدع عز الدين فشير، بأسلوبه السهل الممتنع، أن يحكي في روايته الأخيرة "كل هذا الهراء" مأساة جيل من الشباب المتخبط التائه في صراعات الحياة بداية من قبل اندلاع الثورة وحتى نهاية ٢٠١٦.

حالة من التخبط والكآبة واليأس يعيشها بطل الرواية عمر الذي شهد على مدار سنوات عمره الاثنين وعشرين مالم يشهده الكثيرون طوال حياتهم وحتى وفاتهم.

تمثل نظرة عمر السوداودية في الحياة قطاع كبير من شباب مصر الذي راوده الأمل مع اندلاع ثورة ٢٥ يناير وحتى نهاية عام ٢٠١١، لتتوالى عليه المآسي والحوادث الجسام التى يحفظها الشعب عن ظهر قلب ولا يعرف ومن ورآها ومتى تنتهي.

قصة وطن
تبدأ أحداث الرواية بوجود عمر وأمل في الفراش وهما الغريبان عن بعضهما حيث لم يتقابلا سوى بضع مرات على مدار عامين، جمعتهما الصدفة للقاء في حفل بمناسبة خروج آمل من السجن بعد عام كامل انتهى بتنازلها عن الجنسية المصرية لصالح الأمريكية.

أمل الحالمة التي جاءت إلى مصر بحثًا عن هوية طالما افتقدتها منذ سافرت إلى أمريكا وهي في السادسة من عمرها، فهي في نظر الأمريكان مصرية مسلمة، وفي نظر العرب أمريكية منحلة لا تعرف شيئًا عن الإسلام، في محاولة أخيرة منها للتعرف على هويتها وجذورها تسافر إلى مصر في يناير ٢٠١٠ تحاول تغيير أوضاع فشل فيها من سابقوه، تعطيها الثورة أملًا بأن القادم أفضل، حتى يلقى القبض عليها بتهمة "تقسيم مصر وإسقاط الدولة".

يتبقى لأمل ساعات معدودة قبل أن تودع مصر، تطلب من عمر أن يبقى معاها ويسرد عليها قصته، وبعد أن يوافق عمر، يحكي قصته المأسوية التي تبدأ برحيل والدته بعد قدومه للحياة، وتربيته في كنف أب تحول من محامي حالم إلى إرهابي ومقاتل، ونشآته وسط جماعة إرهابية في السودان وهروبه من تنفيذ حكم الإعدام في الساعات الاخيرة، وقدومه لمصر في مرحلة المراهقة.

يسرد عمر حكاية مصر خلال السنوات الست الأخيرة من ٢٠١١ وحتى ٢٠١٦، ممثلة في قصص والداه، وأصدقائه، والمحيطين به، فيخبر أمل عن والداه فخر الدين الذي ذهب للبحث عن إرهابي في الصحراء وهو على علم بإنه لن يعود، وعن ابن خالته تامر وصديقيه محب ووائل جمعهم حب النادي الأهلي، ليفقدا حياتهما في أحداث بورسعيد، وعن هند الناشطة في مجال الدفاع عن المتضررات من العنف الجنسي والتي تتعرض بدورها للاغتصاب على يد ضابط شرطة مفترض به حمايتها لا انتهاكها، وعن صديقه الوحيد شادي الذي اكتشف معاه العالم والذي التحق بجماعة بيت المقدس الإرهابية بعد مقتل حبيبته في أحداث فُض رابعة ٢٠١٣، وعن بهاء وشريف اللذان واجهها رفض المجتمع والمحيطين لهما بعد إعلان مثليتهما الجنسية بالهروب إلى نيويورك، وعن دينا زوجة ضابط أمن الدولة أيمن التي فضلت الزواج به على حبيبها ابن الجيران الفقير ثم عادت لحبيبها وبعدها اختارت زوجها والحياة التقليدية والشكل الاجتماعي.

تابوهات
ناقش فشير على لسان عمر وأمل قضايا الثورة، والفساد والحريةالجنسية، والمثلية الجنسية، الخيانة، وتداخل الدين مع السياسة، والبيروقراطية، والفقر، والغنى، والهوية، وعمل مؤسسات المجمتع المدني، والإرهاب، والتدين الظاهري.

تحدث فشير عن شباب فقد حلمه وتفاؤله، وعن آخرين لايزال يراودهم بصيص أمل، وقدم روشتة أخيرة للقراء على لسان أمل التي طالبت عمر بأن يقتنع بأن كل ما يحدث مؤقت وفي طريقه للزوال والفناء.

استخدام اللغة
أراد فشير في روايته مواجهة قرار القبض على الروائي الشاب أحمد ناجي بتهمة خدش الحياء العام بعد نشر جزء من روايته "استخدم الحياة" والتي استخدم فيها لغة صريحة جعلت فشير يتسأل عن ماهية اللغة والوصف الأدق لأفعال يومية وأجزاء في الجسم، وعن عجز لغة يتحدثها ثلاثمائة مليون شخص عن توفير مرادفات لا تصنف نابية لأجزاء في الجسم، وتحايلًا على القرار القضائي استخدم فشير "فعل يحبس القضاة من يذكر اسمه".

كما حذّر فشير القرّاء أصحاب القلوب الضعيفة والأحاسيس الخلفية والدينية والوطنية المرهفة في بداية الرواية من أن تخدش حياءهم، وهددهم في خالة واجه كاتب العمل القضاء كما حدث مع أحمد ناحي فأنه سيكتب رواية أخرى يفضح فيها تفاصيل الانحطاط دون مراعاة لأي محاذير.

لم يجد فشير طريقة أنسب من حديث غريبين على الفراش ليصدم المجتمع المدعي بأنه صاحب الفضيلة وممثل للإله على الأرض، "كل هذا الهراء" رواية جريئة تستحق القراءة مرات كثيرة لإعادة النظر في العديد من الأمور التي يعتبرها البعض حقائق ومسلمات.