هاني سامي يكتب: لجنة محمد فاضل لذبح الدراما المصرية وتخريب صناعتها

الفجر الفني



الكرسى والمنصب له حسابات أخرى خاصة وان كان جاء كمنحة أو عطية من الدولة، فمهما كانت مساحة إبداعك بل وقامتك لابد ان تخضع أسيرا لتلك الحسابات حتى تحتفظ بمكاسب ما سواء علنية أو خفية.

 

يحضرنى هنا وأنا اكتب عن لجنة الدراما التى شكلتها الهيئة الوطنية للإعلام برئاسة المخرج محمد فاضل، ان اذكر واقعة هامة لاديب نوبل نجيب محفوظ كانت عام 1959 حيث كان يشغل وقتها مدير التصنيف والرقابة السينمائية – الرقابة على المصنفات الفنية حاليا – وقام الموسيقار العبقرى محمد فوزى بتقديم أغنية "مصطفى يا مصطفى" بلحن فرانكو اراب، وكان من المفترض ان تؤدى الأغنية المطربة العالمية داليدا إلا أنها اعتذرت لأسباب مجهولة ولكن الرقابة رفضت الأغنية بدوافع من أهل الظلام بحجة أن المقصود من "يا مصطفى" هو الزعيم الوفدي مصطفى النحاس، و"7 سنين في العطارين"، هي إشارة إلى سقوط الملكية منذ 7 سنوات وقتها، فسرق مطرب اخر الأغنية ونسبها لنفسه وغناها فى أوروبا وانتشرت وحققت نجاحا عالميا وارباحا غير مسبوقة واختصم فوزى قضائيا الى ان تم تسوية الامر.

 

هذه احد الخسائر التى حققتها المصادرة بفعل هلاوس السياسة وقتها على يد مبدع فى حجم وقامة نجيب محفوظ الذى أضاع على مصر فرصة تقديمها موسيقيا بشكل كان سيمنحنا مكانا اخر بين دول العالم المتقدم فى هذا الامر الذى انتهى تماما بوفاة محمد فوزى صغيرا فى السن، فنجيب محفوظ هو من امسك السكين وذبح الحلم، بدوافع مريضة أهمها الحفاظ على الكرسى، أضاعت على وطن فرصة إرضاء لشخص واحد الأغنية لا تمت له بصلة وهو زعيم الوفد مصطفى النحاس ولكنها نظرية المؤامرة التى تحكمنا فى كثير من الاحيان ، وربما تكون هذه الواقعة هى الوحيدة المشينة فى تاريخ اديب نوبل.

 

ما فعله نجيب محفوظ يكرره الآن مخرج من المفترض انه أفنى ثلثى عمره فى مكافحة المصادرة والرقابة على الفن والإبداع وهو محمد فاضل  الذى جاءت تصريحاته بعد تعرضه لهجوم كبير بعد توليه رئاسة ما يسمى بـ " لجنة الدراما "، عبارة عن مجرد دفاع عن نفسه فقط ولا يرد على اهم سؤال يطرحه الجميع امامه وهو: ما هى مهام لجنة الدراما التى تترأسها؟ لتجد فاضل يترك ويتجاهل الإجابة ويدافع عن نفسه وحينما يتم الضغط عليه بعض الشىء ليجيب على السؤال تأتى الإجابة خزعبلية وكأنه قادم من كوكب اخر غير الذى نعيشه، فنصب نفسه وصيا على مجتمعات باتت محاصرة من الاقمار الصناعية والسماوات المفتوحة، وحينما تضغط عليه اكثر لتخرج بإجابة يقبلها عقلك تجد اجابات من نوع: انها مجرد لجنة لضبط الايقاع "اى ان المخرج الكبير صار ضابط ايقاع اللجنة"، لجنة الدراما ليست رقابية لكنها تعاون ومشاركة مع القنوات الفضائية، رفضت الوصاية على أعمالى 50 عامًا.. ولن نتحكم في المبدعين، أقدس حرية التعبير والإبداع.. وفرض قيود وسلطة على الكتابة إهانة لي شخصيًا.

 

 ومنذ ديسمبر عام 2017 وحتى منصف فبراير 2018 ولم يجب فاضل عن السؤال وهو : ما دور لجنة الدراما ولانسمع سوى مراوغات مملة وتدعو للغثيان احيانا دفعت المخرج الكبير مجدى احمد على لشن هجوم على فاضل بعد ان تحدث معه كثيرا ولم يفهم منه  دور تلك اللجنة ، كما خرج النجم الكبير عادل امام عن صمته وقال " احنا مش ناقصين لجان فاشية " وهو ما دفع مكرم محمد احمد للاعتذار العلنى للنجم عادل امام ، ولكنه اعتذار متأجر جاء بعد ان قام النجم الكبير بتسويق مسلسله الجديد " عوالم خفية " حصريا لقنوات خليجية بعيدا وهربا مما  قررته تلك اللجنة بتحديد سقف للاجور والتسويق وهى خطوة خطيرة لو تكررت من من نجوم اخرين لكانت سببا فى خراب صناعة الدراما كلها واقتصادياتها على يد فاضل، حيث بلجوء النجوم لنفس ما قام به عادل امام وحذوهم حذوه ستذهب كل مكاسب الصناعة لقنوات اخرى وسيلهث المعلن نحوها وتضيع القنوات المصرية الرسمية منها والخاصة بعد ان تفقد مسلسلات النجوم الكبار التى ستهرب من وصاية فاضل ولجنته لمن يحقق لهم احلامهم وينعم بكامل المكاسب الادبية والمادية والمعنوية التى كانت بين ايدينا ونبكى حسرة عليها وقتها، كما انه بتلك الخطوة نسمح بتدخل من ليس لديهم خبرة درامية فتجد ضغوطا من القنوات التى تشترى هذا المسلسل او ذاك لتشغيل كوادر غير كفء ويؤثر هذا بالطبع على جودة الصناعة التى نتباهى بها بين الامم.

 

لم تكن التصريحات الفردية لمجدى احمد على وعادل إمام رد الفعل الوحيد القوى بل خرج كل من جبهة الإبداع وجمعية كتاب السينما ببيانات جاء فيها أنهم يرفضون وضع ضوابط تقيد حرية الإبداع في الأعمال الدرامية، وإصدارها قائمة بالمواضيع التي لها أولوية من وجهة نظرها، والتي ينبغي على صناع الدراما تناولها واعتبار هذه القائمة بمثابة وصاية غير مقبولة، ولاحظت بوجود خلط بين الإعلام والفن خصوصاً وبين الدولة وإعلامها الرسمي، ودور مؤسسات الإعلام عموماً، واضاف البيان : لا نستطيع أن نجد مثالاً واحداً في التاريخ لقيام مؤسسة من مؤسسات الدولة بدور مماثل إلا في ألمانيا النازية في عهد هتلر ووزير دعايته جوبلز الشهير وإستديوهات أوفا التي كانت تنتج المواضيع والرسائل التي يوافق عليها و يشجعها جوبلز .. هل تلك هي الصورة التي نرغب في أن يكون عليها المشهد الفني في مصر! فن تحت الوصاية! فن مدجن ، استاذنا الفاضل محمد فاضل .. فن تحت الوصاية لم يكن لينتج أعمالك الرائدة ولهذا فأن الواقفون على رصيف فيلا أبو الغار يدعونك للعودة لصفوفهم و الوقوف معهم.. حتى لا تضطر الدراما المصرية إلى رفع الراية البيضا أمام الدراما العربية وحتى لا تصبح الريادة التي نتشدق بها هي وهم لا يصدقه غيرنا  .. بيان كان اشبه بانفجار عساه يوقظ المخرج الكبير من غفوته ويذكره بتاريخه ولكنه مازال متشبثا باللهو داخل بيت جحا ولكنه بعد تلك البيانات للاسف خرج فاضل ليقول ردا عليها " ان من يهاجون اللجنة لديهم سوء نيه !" ، انه منهج ديتكاتورى لم نعتد عليه من فاضل.

 

احد أعضاء تلك اللجنة خرج علينا بتصريح مفزع ولكن يبدو انه اضطر لإطلاقه لمنح مساحة قوة وأرضية للجنة أمام المبدعين وإرضاء للدولة التى نقف خلفها ومعها جمعيا او قل كسب " بنط " عندها .. وجاء التصريح من الكاتبة والناقدة الكبيرة خيرية البشلاوى والتى قالت (صناعة الدراما فى مصر الآن تشهد صراعا شيعيا سنيا، بعدما منع عرض مسلسل يروج للمذهب الشيعى، فحينما يكون لدينا جمهور واع نعرضه أما فى هذه الظروف فمن الصعب عرض مثل هذه النوعية من الأعمال بعد أن أدركنا كيف يتم استخدم الدراما كسلاح مثل المفخخات الإرهابية (وكان قبلها تساءل فاضل مدافعا عن نفسه فى احد المواجهات : وهل نسمح بظهور المثلية الجنسية على الشاشة؟

 

 شعرت بعد تلك التصريحات ان لجنة فاضل تمسك بفزاعات تبعد بها من يهاجمها او يكشف وجودهم الفاقد المعنى والغرض وبدا من هذه التصريحات انفصال تلك اللجنة عن واقع التكنولوجيا وثورتها فقد صار هناك قنوات تبث افكار كل التيارات الدينية فى العالم وهناك انترنت يشاهد فيه المرء مايريده، ودللت تلك التصريحات ايضا على شيخوخة أعضاءها التى تخطى أعضاءها جميعا السبعين والثمانين وهذه ليست قرينة ضدهم ولكن نتساءل اين دور الشباب ودورهم فى هذه اللجنة، وقطاع الشباب والاهتمام به توجه دولة ورئيسها الآن؟

 

كنت أتمنى ان تناقش لجنة دراما فاضل أسباب تراجع وتوقف جهات الدولة فى انتاج الدراما المسئولة مثل مدينة الإنتاج الاعلامى وقطاع الإنتاج بالتلفزيون برئاسة احمد صقر وشركة القاهرة للصوتيات والمرئيات ، تلك الجهات رغم انها المعنية بتقديم الدراما التى نريدها جميعا واهم المسلسلات فى تاريخ الدراما المصرية انتجتها جهات الدولة، كنت اتمنى ان تحقق لجنة فاضل فى تراجع تسويق المسلسل المصرى فى الدول العربية وسطوة التركية والايرانية المدبلجة سوريا، كنت اتمنى ان يبحث فاضل ولجنته سبب سيطرة اللهجة السوقية على الدراما ووضع حلول لتلك الأزمة، انكم تذبحون الدراما وتخربون صناعتها وتطردوها خارج الوطن، هذه للأسف هى الحقيقة وان كانت نواياكم حسنة.