أحمد فشير يكتـب: الفعـل لـ"أمشـير"

مقالات الرأي



"روحي يا طوبة ياللي ما بليتيلك عرقوبة.. طيب سلفني عشرة يا أخويا يا أمشير وأنا أخلي لك الجلد على الحصير" وفي رواية أخري "أخلي العجوزة جلدة والصبية قردة".. هكذا حفظتها جدتي وسمعتها منها وما زلت أسمعها خاصة حينما تعصف بنا الرياح بداية من ٩ فبراير على وجه الدقة، ولا شك أن المصريين برعوا في ضرب الأمثال وأجروا حوار حقيقي بين شهرين قبطيين ليشرحوا أحوال الطقس بهذه الطريقة السهلة من حيث الفهم، الدقيقة في التشبيه دون تكلف.

 

ولعلك عزيزي القارئ نظرت إلى "النتيجة" المعتاد تثبيتها على الحائط في مكان لا يتغير رغم قدوم الأعوام وذهابها، ولعلك تطلعت السنة القبطية التي دومًا ما تقطن في مستطيل صغير بورقة النتيجة، علي يمينها سنة الميلاد ويسارًا تأتي سنة الهجرة، كنت ستجد أننا نجونا من برودة "طوبة" الشديدة "وملحقناش نفرح" مستعدين لرياح "أمشير" العاتية، وذلك اليوم الخميس ١ أمشير ١٧٣٤ قبطية.. وعلى غرار أغنية الاستاذ طارق الشيخ "كفي نفسك" بقول لك "دفي نفسك".


ويقولون: "الاسم طوبة والفعل لأمشير"، والمغزى ألا تخدعك المسميات، فأمشير دائمًا ما ينازع طوبة علي الشهرة بالبرودة وخصوصًا أن رياحه تكون محملة بالأتربة والغبار "ياما في الجراب يا حاوي زي ما بيقولوا"، وعن الشخص البارد "البِلط" شبهوه: "أبرد من مية طوبة" والشاهد أن المياه تكون في هذا الشهر أبرد من أي شهر آخر.

 

واليوم مطلع أمشير، سادس شهر في السنة القبطية بالتقويم الفرعوني أو المصري، وبالتفصيل بدأ عام 4241 قبل الميلاد، وهو مطلع السنة 6295 فرعونية/مصرية، وهذه السنة هي 1734 قبطية، وتتكون من ١٢ شهر أيضًا، تبدأ بتوت وتنتهي بمسري، وتستخدمه الكنيسة الأرثوذكسية لتحديد مناسباتها.

 

والفلاحون قديمًا، كانوا على هذا التقويم؛ نظرًا لارتباطه بالزراعة من وقت الفيضان والجفاف حيث مياه النيل حتى زراعة المحاصيل وحصدها، ولكن لم يعد منتشرًا بعد ظهور الآلات الزراعية الحديثة والصوب والهندسة الجينية وما شابه ذلك، وبالرغم من أن النشأ لم يعرفوا شيئًا عن هذا التقويم إلا أن "ناس زمان" ورثوه لأبنائهم فمنهم من تذَّكر فبلغ ومنهم من نسى فضيع.

 

وإذا أمعنا النظر في أسماء الشهور القبطية كلاً بمفرده؛ لاكتشفنا أن لكل شهر سبب في تسميته، فهي تعود إلى أسماء آلهة وأعياد دينية فرعونية، فنجد طوبة الشهر الخامس على سبيل المثال يُنسب إلى الإله "طوبيا" وهو إله نزول المطر عند الفراعنة، وهو مرتبط أيضًا بموسم النمو بعد الفيضان في مصر حيث كانت الأراضي تبدأ تُخضر نباتها وتغطي المحاصيل الغيطان.

 

أما عن الأمثال الشعبية فانطلقت أيضًا متأثرة بمضمون زراعي مرتبطة بملامح البذر والحصاد، وأشهرها:

 الشهر الأول توت: "اروي ولا تفوت"، بمعنى حتى وإن كان الري كثيرًا فلا يضر الأرض.

٣- هاتور: "أبو الدهب منثور" و "إن فاتك هاتور اصبر لما السنة تدور"، يقصد به اصفرار المحصول واقتراب حصاده.

٧- برمهات: "روح الغيط وهات" دليل على جمع المحصول.

١١- أبيب: "فيه العنب يطيب"، يعني شهر حصاد الكروم.

 

وختامًا..أود أن أبوح عن شئ، لم تكن نظرتي إلى الشهور القبطية "تاريخية" بحته، ولكن تفحصها بدقة وظهور ما خلف السِتار، فهناك عِبر عن هذه الشهور انعكست على الإنسان وحياته، وحقيقة لم يسعني المقام أن أهضم كل هذا مرة واحدة ولكن شيئًا فشيئا سأذكرها في مرات أخرى إن قدر الله البقاء لي ولكم.


للتواصل مع الكاتب: [email protected]