السينما المصرية تتحدث عن نفسها وتتطلع للمستقبل في عيد الكتاب

الفجر الفني



تتحدث السينما المصرية "عن نفسها وتتطلع للمستقبل" في عيد الكتاب أو الدورة التاسعة والأربعين لمعرض القاهرة الدولي للكتاب المستمر حتى 10 فبراير الجاري تحت عنوان "القوة الناعمة - كيف؟".

وهذه الدورة التي بدأت منذ 27 يناير الماضي تشهد بالفعل اهتماما غير مسبوق بالسينما أو "الفن السابع" سواء على مستوى العروض السينمائية للزائرين أو الندوات، فضلا عن تكريم 3 من رموز السينما المصرية وهم المخرجون علي بدرخان وداود عبد السيد وخيري بشارة والاحتفاء بإبداعات سينمائية نادرة للفنانة الراحلة شادية.

وكذلك يتضمن هذا العرس الثقافي المصري الذي يعكس التفاعل البناء بين الكلمة والصورة عرض مشاريع سينمائية لطلاب المعهد العالي للسينما ومداخلات بنظرة مستقبلية لفن الرسوم المتحركة في مصر.

وإذا كان المطرب الجزائري خالد حاج إبراهيم والشهير عربيا وعالميا ب"الشاب خالد" قد وصف مصر "بالمدرسة الكبيرة التي يتعلم منها كل المطربين والفنانين العرب"، منوها بأنه "تعلم الكثير من الموسيقى المصرية خلال مسيرته الفنية" فإن الجزائر الشقيقة وهي ضيف شرف الدورة الحالية لمعرض القاهرة الدولي للكتاب موضع حفاوة على مستويات متعددة في هذا المعرض ومن بينها السينما التي لم تغفل أهمية إبراز الفيلم الشهير "معركة الجزائر" الذي أنتج عام 1966 وتوج من قبل بجائزة "الأسد الذهبي" لمهرجان فينسيا السينمائي ويعرض بطولات لأبناء الجزائر إبان معارك الاستقلال .

وإذ تسعى العروض السينمائية المتعددة بالدورة الحالية لمعرض القاهرة الدولي للكتاب للاستفادة من الإقبال الجماهيري الكبير على هذا المعرض لنشر الثقافة السينمائية وتعريف الجمهور بأطياف متعددة للفن السابع من بينها الأفلام الوثائقية والتسجيلية، فضلا عن التاريخ العريق للسينما المصرية وروادها مثل الفنان محمد بيومي فإن هذا الحضور الواضح للصورة في عيد الكتاب أو "الكلمة" يعبر بإيجابية عن حقيقة ملموسة في الواقع الإبداعي العالمي وهي التفاعل والتداخل بين شتى تعبيرات الإبداع ومايسمى "بالنصوص المفتوحة" والجامعة مابين الشعر والنثر والصورة وحتى الفن التشكيلي.

ومن الطبيعي أن يتضمن هذا العرس الثقافي المصري الذي اختار المبدع عبد الرحمن الشرقاوي كشخصية المعرض فيلمه الشهير "الأرض" الذي كتبه فيما أخرجه يوسف شاهين ليكون من روائع السينما المصرية وقد اشترك الراحلان العظيمان أيضا في صنع فيلم "جميلة" الذي لم يغب عن الدورة الحالية لمعرض القاهرة الدولي للكتاب ويحظى دوما بإعجاب المصريين ببطولات المناضلة الجزائرية جميلة بو حيرد.

واللقاءات مع رواد قاعة السينما التي تحمل اسم المخرج الكبير يوسف شاهين في هذا المعرض الذي يعد من أهم وأكبر معارض الكتب في العالم تكشف فورا عن شغف الكثير من الشباب على وجه الخصوص بالفن السابع وسط اتفاق على أهمية مايقدم في هذه القاعة يوميا من عروض وفعاليات وأطياف ساحرة.

والطالب الجامعي كريم شعبان ليس وحده الذي يتردد بصورة شبه يومية على "قاعة يوسف شاهين" في معرض القاهرة الدولي للكتاب فحالة الولع أو الشغف بالفن السابع ظاهرة بوضوح على مستوى الكثير من الشباب، غير أن مايثير الإعجاب إدراكهم لتطورات السينما على مستوى العالم وحرصهم على أن يستعيد الفيلم المصري أمجاده وحضوره المتألق في المسابقات والمهرجانات العالمية.

ومع أنه لايدرس السينما فإن كريم شعبان يتحدث باستفاضة عن المستجدات في المشهد السينمائي العربي والصعود المثير للإعجاب لأفلام صنعها لبنانيون وفلسطينيون، منوها على وجه الخصوص بفيلم "قضية رقم 23" للمخرج اللبناني زياد دويري الذي اختير مؤخرا للمنافسة ضمن مسابقة أوسكار الأمريكية الشهيرة.

وفيما تتفق معه الطالبة الجامعية ريم هشام في الشعور بالسعادة لدخول البلد العربي الشقيق لبنان لأول مرة ضمن المنافسين على جوائز أوسكار بعد أن اختير فيلم "قضية رقم 23" بين الأفلام الخمسة المرشحة بجائزة أفضل فيلم أجنبي خلال الحفل ال90 لتوزيع جوائز الأوسكار في شهر مارس المقبل فإنها لاتخفي تطلعها لحضور فيلم مصري ضمن الأفلام المتنافسة على هذه الجائزة في احتفاليات قادمة.

وتشير زميلتها الطالبة الجامعية هالة محمد إلى اسم "يوسف شاهين" الذي يتوج القاعة المخصصة للأنشطة السينمائية في الدورة الحالية لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، معربة عن أملها في فوز أفلام ومبدعين مصريين في الفن السابع بجوائز عالمية مثل جائزة اليوبيل الذهبي لمهرجان كان السينمائي الدولي في فرنسا والتي توج بها يوسف شاهين في عام 1997.

وواقع الحال أن أسئلة السينما المصرية مابين الماضي والحاضر والمستقبل مطروحة بكثافة في الدورة التاسعة والأربعين لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، فيما كان المخرج علي بدرخان قد شدد على "أهمية الالتزام بمعايير التخصص في مهام الإخراج السينمائي" ضاربا المثل بالمخرج يوسف شاهين الذي ولد يوم 25 يناير 1926، وقضى في 27 يوليو 2008 وكان ملتزما بما يصفه بدرخان "بمعايير التخصص" والاستئناس بآراء المتخصصين في المجالات المتعددة للفن السابع.

ومع أن المخرج علي بدرخان رأى أن مستوى السينما المصرية في السنوات الأخيرة تقدم كثيرا "على مستوى المونتاج والتصوير والأداء الحركي للممثلين" فإنه اعتبر أن هناك ندرة في كتاب السيناريو المميزين وأن "الانحدار في المحتوى يرجع لقلة الكتاب المجيدين".

وفيما اتفق المشاركون في ندوة عقدت أمس "الأحد" بالمعرض بعنوان "السينما المصرية أحد مصادر القوى الناعمة" على أهمية تأثير "الفن السابع" في مواجهة التطرف ومحاربة الإرهاب فأعاد الناقد طارق الشناوي الذي أدار هذه الندوة للأذهان إبداعات سينمائية مصرية تسعينيات القرن الماضي للفنان عادل إمام والكاتب وحيد حامد تشكل إسهاما ثقافيا مصريا أصيلا على هذا المضمار.

ولئن كان من الطبيعي أن تستحوذ العلاقة الوثيقة بين السينما والقوة الناعمة على مداخلات بعض المشاركين في هذه الندوة وهم المخرج سمير سيف ورئيس هيئة الرقابة على المصنفات الدكتور خالد عبد الجليل والناقدة ماجدة موريس فان رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب والدكتور هيثم الحاج علي أكد على "أهمية الالتفاف حول القامات الفنية والأدبية حتى يتسنى لنا مد جسور التواصل بين الأجيال المصرية وتنتعش بذلك قوة مصر الناعمة التي هي محور الدورة الحالية لمعرض القاهرة الدولي للكتاب".

كما يتجلى هذا المعنى الثقافي في قول وزير الثقافة الأسبق والناقد الأدبي الكبير الدكتور جابر عصفور "هناك دول كثيرة ثرية وتمتلك قدرات عالية لكننا كدولة نمتلك أكثر منها كما وكيفا والدليل على ذلك أسماء وصور كبار نجوم السينما المصرية الذين جعلونا نفتخر بأننا مصريون"، مؤكدا على أن مصر ستبقى حاملة لشعلة التنوير ولن تتخلى أبدا عن رسالتها الفنية.

ولاجدال أن حرية الإبداع شرط لاغنى عنه لازدهار السينما المصرية التي تشكل أحد أهم عوامل القوة الناعمة لمصر، كما اتفق أصحاب المداخلات في الندوات السينمائية بالدورة الحالية لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، غير أن هناك حاجة ملموسة أيضا للاهتمام بالجوانب المهنية وتقنيات الفن السابع التي تتطور عالميا بسرعة مثيرة للدهشة.

والنظرة الثقافية التاريخية للسينما المصرية تكشف عن اهتمام أصيل بالجوانب المهنية والتقنية في سياق العمل الاحترافي مع تفوق على مستوى الشكل والصورة كما يتجلى أسلوب شيخ المخرجين المصريين محمد كريم.

ومحمد كريم هو أول من اشتغل بالإخراج السينمائي من المصريين وعرف بالعناية الفائقة "بالمنظر ولوازمه ومحتوياته" وكان يقدم الطبيعة في أجمل صورها وهو مايتجلى في أفلام مثل "زينب" و"الوردة البيضاء" ودارت أغلب أفلامه حول مواضيع عاطفية وغنائية.

والسينما المصرية كان لها فضل السبق في إدخال "الواقعية" في الفن السابع بالمنطقة كلها بإبداعات المخرج كمال سليم منذ عام 1939 وظهور فيلم "العزيمة" ليدشن مدرسة الواقعية في مواجهة الرومانسية المغرقة لشيخ المخرجين المصريين محمد كريم.

أما كمال سليم بواقعيته فعالج مشاكل اجتماعية من صميم الواقع المصري عن طريق تقييم "شخصيات مصرية نعرفها تماما لأنها تعيش معنا ونلتقي بها كل يوم في حياتنا اليومية" وفي عام 1965 اختار الناقد والمؤرخ السينمائي الفرنسي جورج سادول في كتابه "قاموس الأفلام" فيلم العزيمة لكمال سليم كواحد من الأفلام العالمية في تاريخ السينما.

بل أن سادول اعتبر هذا الفيلم المصري الذي ظهر عام 1939 "يفوق الأفلام الفرنسية والإيطالية التي ظهرت في الفترة ذاتها"، فيما جاء صلاح أبو سيف ليمسك كمخرج مصري كبير بخيط الواقعية من جديد ولتعبر أفلامه مثل "الأسطى حسن" و"ريا وسكينة" و"الفتوة" عن اللحظة التاريخية المصرية.

وتبلور هذا الاتجاه بمزيد من الوضوح في "القاهرة 30" و"بين السماء والأرض" و"بداية ونهاية" و"القضية 68" وكان هذا الفيلم الذي دشن ماعرف "بالواقعية النقدية" وهناك أيضا كمال الشيخ صاحب أسلوب الإثارة والتشويق، فيما لاحاجة للإفاضة في إنجازات يوسف شاهين للفن السابع المصري والعالمي وحرفية المخرج نيازي مصطفى وتمكنه من أدواته في أفلام المغامرات والصراعات وتميز أفلام المخرج فطين عبد الوهاب المفعمة بروح الضحك والمرح و"استاذية" حسن الإمام في أفلام الميلودراما.

وسيبقى اسم المخرج توفيق صالح طويلا في ذاكرة السينما، فيما عرف بأسلوب الواقعية الجديدة المتأثر بالمدرسة الإيطالية مع إبداع مصري خالص وأصيل كما تبدى في "صراع الأبطال" و"درب المهابيل" واستحق هذا المخرج الذي قضى مؤخرا إعجاب وتقدير كل عشاق السينما لإبداعاته الرفيعة المستوى والتي دخلت على الرغم من قلة عددها في قائمة أفضل 100 فيلم مصري.

وفي سياق الاهتمام الواضح بالفن السابع في عيد الكتاب المصري قد يكون من المفيد استعادة ماقاله المؤرخ الأمريكي هوارد زن في كتابه "قصص لاتحكيها هوليوود أبدا" أن مهمة المبدع سواء كان يكتب أو يخرج أو ينتج أو يمثل في أفلام أو يعزف موسيقى ليست فحسب إلهام الناس وتقديم السعادة لهم وإنما تعليم الجيل الصاعد أهمية تغيير العالم.

ومع كثافة الفعاليات السينمائية في تلك الأيام بمعرض القاهرة الدولي للكتاب قد يرى البعض عن حق أهمية طرح أفكار جديدة بشأن الفن السابع المصري، فيما تبقى مقولة للفنان الكبير عادل إمام عن السينما كان قد طرحها في صيغة سؤال :"ماهذا الاختراع الرائع، السينما العظيمة التي دخلنا في أعماقها ومن خلالها أحببنا الخير وكرهنا الشر " ؟! دالة على جوهر السينما أو "الفن السابع".

ولئن أكد الدكتور جابر عصفور مرارا على أن مصر بكل هذا الكم من إعلام الفن "لايمكن أن تهزم أمام قوى الظلام" فإن الفنان الكبير عادل إمام ينوه دوما بأن "الفن متأصل في مصر من أيام الفراعنة" معيدا للأذهان أن "السينما المصرية هي أم السينما العربية".

والسينما المصرية قدمت في عصرها الذهبي نجوما مازال العالم يتذكر إبداعهم الفني وحضورهم الطاغي بل أن أحدهم وهو الراحل الحاضر عمر الشريف ترك بصمة لاتمحى في الثقافة الغربية وداخل هوليوود على حد تعبير مارلون براندو عراب السينما الأمريكية الراحل وأحد أعظم ممثلي القرن العشرين، أما المخرج الأيرلندي جيم شيريدان فقد اعتبر أن عمر الشريف "يبقى بلا جدال أهم نجم سينمائي قدمه العالم العربي للدنيا كلها".

والسينما المصرية - كما تقول ذاكرتها الموثقة - حققت منذ ثلاثينيات القرن العشرين مكانة فنية وثقافية بارزة لمصر في محيطها العربي والإقليمي والقاري بل أن الفيلم المصري كان موضع ترحيب في دور العرض السينمائي بدول مثل فرنسا واليونان وإيطاليا وبريطانيا والنمسا وألمانيا وسويسرا وحتى البرازيل.

والمشهد السينمائي المصري الراهن يستعيد عافيته بعد أن بدا شاحبا حتى قياسا على أفلام تقدمها دول عربية أخرى، بينما بدت تيمة "البلطجي والراقصة والمطرب الشعبي" التي تشكل قوام موجة الأفلام الهابطة ظالمة لإبداعات وأفكار وخبرات السينمائيين المصريين وخاصة الجيل الشاب في صناعة كانت يوما ما من أهم مصادر الدخل القومي للبلاد ويقدر عدد العاملين حاليا في هذه الصناعة بنحو 300 ألف شخص.

وفيما تشكل السينما وسيطا ثقافيا إبداعيا هاما لدعم العلاقات والتواصل الحميم بين الشعوب فإن مصر تمضي بخطى لافتة على صعيد توظيف إبداعات"الفن السابع" في تواصلها مع الأشقاء بالقارة الأفريقية وبما يحقق التفاعل الحقيقي بين الثقافة المصرية وثقافات القارة السمراء.

وهاهي مدينة الأقصر تستعد للدورة السابعة لمهرجانها السينمائي الأفريقي الذي سيعقد اعتبارا من 16 مارس المقبل وحتى 22 من الشهر ذاته تحت شعار "سينما لغد أفضل".

وأمسى مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية يشكل بؤرة ثقافية مشعة للتواصل الثقافي السينمائي بين مصر والدول الأفريقية الشقيقة ونجح في جذب نجوم كالفنان الأمريكي داني جلوفر، فيما يحظى هذا المهرجان "بورشة سينمائية أصبحت من أهم الورش السينمائية الأفريقية ويشرف عليها المخرج الأثيوبي الكبير هايلي جريما"، بينما أضحت السينما الأفريقية دالة على إمكانات "المخزون الإبداعي الأفريقي".

ولعل هذا المخزون الإبداعي الأفريقي يتجلى أكثر وأكثر في الدورة المقبلة لمهرجان الأقصر السينمائي، بعد أن أظهر عيد الكتاب الحالي في القاهرة ولع الشباب بالفن السابع وطموحهم للتجدد وتجديد الشاشة وقوالبها الإبداعية..ولعل الدورة ال49 لمعرض القاهرة الدولي للكتاب هي البشارة بسينما لغد أفضل وأطياف خلابة تداعب صفحة النيل وهامات النخيل !.