هتك عرض وصَلب وتعذيب حتى الموت.. 6 ضباط وأميني شرطة يحتجزون "مجند" دون إذن قضائي (نص تحقيقات)

حوادث



- كاميرات المراقبة تكشف كذب مفتش مباحث فرقة قسم الأهرام وتزويره محضر أسباب وفاة المجني عليه.

- المجني عليه طلب جرعة ماء وهو "مصلوب" في قطع خشبية دون استجابه من الضباط.

- المجني عليه استغاث بالضباط قبل وفاته بدقائق ورفضوا إسعافه حتى فارق الحياة.

- المتهمون احتجزوا والدته وشقيقه وصديقه وأقاربه دون إذن قضائي وعذبوا بعضهم.


تفاصيل مروعة ترويها أوراق القضية رقم 13 لسنة 2017 حصر نيابة حوادث جنوب الجيزة الكلية، تكشف عن ساعات رعب شهدها قسم شرطة الهرم، وتحوله إلى "سلخانة" من خلال قيام 6 ضباط وأميني شرطة، باحتجاز الشاب العشريني، محمود سيد محمد حسين (مجند)، داخل القسم لمدة 22 يومًا، دون إذن قضائي، وتعذيبه بشكل بشع وهتك عرضه و"صلبه" و"تعليقه" و"صعقه" بأماكن حساسة ومتفرقة بجسده حتى وفاته، خلال استجوابه في إحدى القضايا، وكذلك احتجاز أفراد أسرته وصديقه دون إذن قضائي وتعذيبهم.

ضمت قائمة المتهمين بالقضية التي حصلت "الفجر"، على نسخة منها، كل من، بهاء الدين محمد سالم، 47 سنة، مفتش مباحث فرقة قسم الأهرام، وعصام نبيل رجب، 43 سنة، وكيل مباحث فرقة الأهرام، وعمرو أحمد حجازي، 38 سنة، رئيس مباحث قسم شرطة الأهرام، وطارق مدحت عبدالحميد، 31 سنة، معاون مباحث قسم شرطة الأهرام، وهاني محمود عجلان، 28 سنة، معاون مباحث قسم شرطة الأهرام، ومحمد أحمد عتلم، 30 سنة، معاون مباحث قسم شرطة الأهرام، ورجب نعمان عبدالظاهر، 46 سنة، أمين شرطة بقسم الأهرام، وأمير إسماعيل عبداللطيف، 32 سنة، أمين شرطة بقسم الأهرام.

بدأت الواقعة عندما تلقت النيابة العامة بتاريخ 6 مارس 2017 إخطارا بوفاة المجند "المجني عليه"، ووجود شبهة جنائية في وفاته نتيجة وجود أثار تعذيب شديدة ونزيف من أماكن متفرقة بالجسد، رغم إدعاء المتهم الأول، مفتش مباحث فرقة قسم الأهرام، تعرض المجني عليه لهياج شديد وسقوطه على الأرض وتعرضه لهبوط في الدورة الدموية ووفاته، على إثر استدعاءاته المتكررة في القسم لاستجوابه في جناية قتل "جدته" وسرقة مصوغاتها الذهبية.

حققت النيابة العامة في الواقعة، واستمعت لأقوال الشاهد الأول محمد سيد حسين، 18 سنة، طالب بالصف الثالث الثانوي (شقيق المجني عليه)، والذي جاءت أقواله لتفجر المفاجأة وتكشف عن خيوط الواقعة، حيث أقر شقيق الضحية أنه تم ضبطه وشقيقه منذ أكثر من 20 يومًا لاتهامهما في قضية قتل جدتهم زكية فرغلي منصور، وكان ذلك بمعرفة الضابطين عصام نبيل وهاني عجلان، بتاريخ اكتشاف واقعة مقتل جدتهم.

وقال الشاهد، إنه منذ بداية فترة احتجازه قد تواجد رفقتهم عمه المدعو إبراهيم محمد حسين والمدعو هشام السيد، صديق شقيق المجني عليه، والذي ظل محتجزا برفقتهما حتى وفاة الأخير "شقيقه"، ثم والدته والتي غادرت بعد فترة من احتجازها.

وأضاف أنه بعد مرور قرابة الأسبوع على احتجازه وشقيقه المجني عليه وصديق شقيقه، بدأت وقائع التعدي عليهم لحملهم على الاعتراف، ورصد وقائع التعدي على شقيقه ما بين حالات أخبره بها شقيقه وحالات شاهدها بنفسه وأخريات سمع فيها صوت استغاثة شقيقه وصراخه هو وصديقه هشام السيد، وأخريات ناظر بعدها أثرها بجسد شقيقه.

فقد أبصر قبل وفاة شقيقه بقرابة الأسبوع طلب الضابط عصام نبيل، للمجني عليه واقتياد الأخير إليه ودخوله إليه بإحدى مكاتب ضباط المباحث، وقد وضع على ظهر المجني عليه خشبتين متقاطعتين كـ "الصليب" ويداه مقيدة ومرفوعة إلى أعلى، وتعدى حينها على شقيقه ضربا بعصيان أفراد شرطة "لا يقف على هويتهم"، أعقبها اقتياد صديق المجني عليه "هشام"، وممارسة التعدي عليه بذات الكيفية.

وأوضح أنه في إحدى المرات والتي كانت منذ قرابة 10 أيام السابقة على سؤاله، وعقب اقتياد شقيقه كعادتهم لمكتب أحد الضباط، شاهده لدى عودته وهو مقيد اليدين بالأصفاد الحديدية يبكي، إذ تم حجزه في تلك المرة رفقته بالحجز الإداري، حينها أبصر به أثار التعديات التي مورست عليه من تورم بيديه وأثار إصابات بموضع الأصفاد الحديدية وتورم بالجانب الأيمن من الوجة والأذن والرقبة، وكان بصدره من الناحية اليمنى بقع حمراء اللون.

وأنه في تلك المرة قرر له المجني عليه أن الضابط "عصام نبيل"، هو محدث إصابته، وأنه وأعوانه قاموا بتعليقه من يديه بالأصفاد الحديدية، وأن ما بوجهه أثر التعدي عليه بعصي، وأن البقع الحمراء بصدره هي من جراء صعقه بصاعق كهربائي، موضحا أن شقيقه وصديقه قد غادرا ديوان القسم عدة مرات للإرشاد عن مكان ما، أخرها قبل وفاته بقرابة اليومين.

أما عن يوم وفاة المجني عليه فقد شهد أن شقيقه كان محتجز بغرفة "التسجيل" الملاصقة لقفص الحجز الإداري – محل إحتجازه هو – وأن صديق شقيقه كان محتجز بالغرفة المقابلة لها، وأنه بذلك اليوم تم إقتياد شقيقه المجني عليه وصديقه لإعاده مناقشتهما ثم عادا بعد قرابة النصف ساعة.

وتابع، أنه عقب عودتهما تم تعليق كل منهما بأصفاده الحديدية على نافذة الغرفة المحتجز بها حتى حضر إلى شقيقه أحد الضباط الذي حدد أوصافه ومرافقيه وهم كل من "محمود ومحمد وإسلام"، وقد أحرز الضابط عصي طولها حوالي متر وأحرز كل من "محمود وإسلام" خراطيم بلاستيكية.

وقد سأل الضابط المجني عليه عن مكان إخفاء المصوغات الذهبية الخاصة بجدته، وبدأوا تعديهم عليه، وظلوا يتعدون عليه قرابة 15 دقيقه، ثم تركوا المجني عليه، وعاد إليه الضابط "هاني عجلان" متعديا عليه بيده على ظهره قرابة 15 دقيقة أخرى.

وأوضح أن المجني عليه حاول تخفيف أثار التعليق الموجعة، فحاول رفع ثقل جسده بوضع قدميه على "دولاب" بجوار الشباك المعلق به، فقام فردين أخرين هما "رجب نعمان وأمير" وهما من أفراد قوة مباحث الهرم، بالتعدي عليه بالأيدي على ظهره وساقيه لإنزال قدميه حتى يتحقق لتعليقه على يديه أثره.

وظلا يتعديان عليه قرابة 15 دقيقة بالأيدي حتى بدأ المجني عليه في الإستغاثة مقررا عدم قدرته على التنفس وإحساسه بمفارقته الحياة وخروج الروح من الجسد فلم يستجب له أحد، حتى أبصر الشاهد شقيقه وقد انحنت رأسه للخلف وسكن في وضع تعليقه من يده بالأصفاد الحديدية، وحينها أيقن وفاته.

واصلت النيابة العامة تحقيقاتها وإستدعت الشاهد الثاني هشام السيد حسانين – 24 سنة – حرفي (صديق المجني عليه)، والذي أقر بأن علاقة صداقة تربطه بالمجني عليه منذ 10 سنوات، تعددت فيها لقاءاتهما والتي كان أخرها قبيل مقتل جده المجني عليه، بيوم واحد، وأنه في اليوم الثاني لمقتل جدته، تفاجأ بالضابط "محمد عتلم"، وأفراد شرطة لا يقف على هويتهم، يلقون القبض عليه من مسكنه، مصطحبينه لديوان قسم شرطة الهرم، وهناك ظل محتجزا لمدة تفوق 20 يوم.

وأضاف أنه يوم وفاة المجني عليه، وفي وقت العصر، أصوات التعدي على المجني عليه وإستغاثة الأخير، وقد ميز من بين تلك الأصوات صوت الضابط "هاني عجلان" والذي نطق بإسمه المجني عليه في إستغاثاته بالكف عن التعدي عليه منه، بعدها إنتقل المعتدين، ومن بينهم الضابط هاني عجلان، لمحل إحتجازه هو وتعدوا عليه بالضربات على ظهره بعصي خشبية.

وأضاف أنه جرى التناوب في الإعتداء عليه مرة وأخرى على المجني عليه المتوفي، حتى مطلع العشاء، حينها سمع المجني عليه مناديا الظابط سالف الذكر يستعطفه ليسقيه "شربة ماء" ثم سكن بعدها.

وأردف بأنه حينها حل وثاقه وكان أصابه الإعياء من كثرة التعدي عليه حتى فقد الوعي ليستفيق بمكتب الضابط "محمد عتلم"، والذي منه جرة نقله لإحدى المستشفيات فتلقى بعض الدواء ثم تم إصطحابه لأقسام شرطة العمرانية ثم الوراق ثم الطالبية، وقبيل إطلاق سراحه إلتقى الضابط "محمد عتلم" والذي أمره بمبارحة مسكنه والسفر لبلدته بمحافظة سوهاج للتداوي والتواري عن الأنظار، فإمتثل لأوامره وظل هناك لمدة فاقت الشهر حتى عودته مرة أخرى.

وقد روى شهود الإثبات من المحتجزين في القسم وعددهم 8شهود أخرين ساعات الرعب داخل القسم التي عاشوها ليلة مقتل المجني عليه، حيث أكدوا بأنهم كانوا محتجزين على ذمة قضايا أخرى، وسمعوا وشاهدوا وقائع التعذيب عدة مرات بحق المجني عليه المتوفي وشقيقه.

وأضافوا أن أخرها كان يوم الواقعة، حيث سمعوا صراخ صادر من غرفة ملاصقة للحجز الإداري من جهة اليسار، وشاهدوا من خلال نافذة بجدار الحجز الإداري، المجني عليه معلقا وهو يستغيث ويتم التعدي عليه بالضرب بالتناوب من أشخاص عديدة حتى وفاته.

لتستمع النيابة بعد ذلك لأقوال الطبيب الشرعي أيمن أحمد حسان، والذي أكد أن وفاة المجني عليه تعزي إلى مجموع ما ألم به من إصابات دون أن تكون إصابة بعينها هي السبب في إحداثها، وقدم تقرير مفصل بالإصابات الكبيرة التي جاءت في جميع أنحاء جسده تقريبا، وإحتماليه حدوثها وفقا لرواية الشهود.

لتقوم النيابة العامة بمعاينة ديوان القسم، وتبين لها وجود كاميرات مراقبة مثبتة ببعض أرجاءه، فتم ضبط وحدة تخزين معلومات تلك الكاميرات، وبتفريغ محتواها تبين أن بداية المعلومات المسجلة بها تبدأ من 21 فبراير 2017، وبفحصها أمكن مشاهدة والدة المجني عليه صباح يوم 2مارس 2017، حال خروجها من ديوان القسم بمفردها.

وكذلك في ذات اليوم، أمكن مشاهدة المجني عليه المتوفي، عائدا لديوان القسم في تمام الساعة الرابعة وواحد وأربعين دقيقة رفقة المتهم الخامس "هاني محمود عجلان"، وعدد أخر من أفراد الشرطة، وبيده أصفاد حديدية دالفين لوحدة مباحث القسم.

وهنا إكتشفت النيابة كذب المتهم الأول مفتش مباحث فرقة قسم الأهرام، والذي إدعى أنه جاء يوم 6مارس 2017، بينما أثبتت الكاميرات وجود الضحية في تاريخ سابق عن ما إدعاه المتهم الأول في المحضر رقم 3890 لسنة 2017 إداري قسم شرطة الهرم، واحتجازه دون إذن قضائي، وتزويره لهذا المحضر.

إنتقلت النيابة وبصحبتها شقيق المجني عليه إلى القسم، مساء الأربعاء الموافق 8مارس 2017، لمعاينة محل حجزه والذي ثبت مطابقته لأقواله من حيث الوصف وملاصقته لمحل حجز شقيقه المتوفي، وأثناء إجراء المعاينة تم التقابل مع المحتجزين، والذين شهدوا جميعا بصحة الواقعة.

وتم إجراء عملية التصوير الفوتوغرافي للمتهمين الستة الأوائل أثناء إستجوابهم بمعرفة أحد خبراء مصلحة تحقيق الأدلة الجنائية وذلك لعرضهم على شهود الواقعة، وتم العرض على شقيق المجني عليه فتعرف على صورة المتهم الأول وحتى الثامن، وإتهمهم بقتل شقيقه تعذيبا، كما تم عرض الصور على صديق المجني عليه فتعرف على المتهمين الثاني والخامس والسادس، كما تم العرض على والده المجني عليه والمحتجزين في القسم والذين تعرفوا عليهم أيضا.

وإنتهت تحقيقات النيابة التي باشرها المستشار محمد خالد عوض وكيل النائب العام بنيابة حوادث جنوب الجيزة، تحت إشراف المستشار حاتم فاضل المحامي العام الأول لنيابة جنوب الجيزة، بإكتشافها قيام المتهمين خلال الفترة من 13 فبراير 2017 وحتى 6مارس 2017، بتعذيب المجني عليه داخل قسم شرطة الهرم حتى الموت، لحمله على الإعتراف بإرتكاب جريمة قتل جدته وسرقة مصوغتها الذهبية في جناية القتل رقم 2770 لسنة 2017 إداري قسم الهرم.

وقيامهم بتقييد المجني عليه وتعليقه بنافذة إحدى غرف وحدة البحث الجنائي، وتناوبوا تكرار التعدي عليه أثناء فترة احتجازه ركلا ولكما وصفعا بالأيدي بإستخدام عصي وصواعق كهربائية بمواضع شتى بعموم جسده، فيما صلبه المتهم الثاني (وكيل مباحث القسم) وقيد جسده في قطعه خشبية.

واتهمتهم النيابة باحتجاز المجني عليه وأقاربه بدون أمر أحد الحكام المختصين بذلك، وبغير الأحوال المصرح فيها بالقبض على ذوي الشبهة، واقتادوه لقسم شرطة الأهرام، وحجزوه مقيدا لمدة جاوزت 20 يوم، فيما نسبت للمتهمين الثاني (وكيل مباحث القسم)، والثالث (رئيس المباحث) تهمة هتك عرض المجني عليه بالقوة بعدما جرداه من ملابسه وكشفا عورته وابقياه عاريا على مرأى منهما ومن المتواجدين بوحدة البحث الجنائي بقسم الشرطة.