منال لاشين تكتب: السيسى بين الرئاسة والترشيح

مقالات الرأي



لدينا أزمة سياسية عبرت عن نفسها بصورة صارخة خلال البحث عن مرشح أمام الرئيس

السيسى من إثيوبيا: "عايز تحقيق شفاف وسريع عما حدث لهشام جنينة"

رفض فكرة المليون توكيل وأصر على تقديم 137 ألف توكيل.. فهل وصلته معلومات تدين التوكيلات الأخرى؟

فاجأ الحكومة برفض تأجيل رفع أسعار المترو والسكك الحديدية إلى ما بعد الانتخابات


من الصعب إجراء فصل كامل بين المرشح للرئاسة عبدالفتاح السيسى وبين الرئيس عبدالفتاح السيسى، وأنا لا أقصد الفصل القانونى أو استغلال سلطة الرئيس لصالح المرشح، ولكننى أقصد مسئولية الرئيس السيسى وحكومته عن المشهد الانتخابى الذى تمر به مصر.فما نمر به اليوم هو نتيجة منطقية لسياسات وأحداث السنوات الماضية، ولا يمكنك أن تقوم بتخزين المعارضة فى الثلاجة لحين الانتخابات أى انتخابات.. رئاسية أو برلمانية أو محليات. وبالمثل لا يمكن أن تستمر مهزلة مرشحى الباراشوت. الذين ينتظرون فى قصورهم أو منفاهم الاختيارى أربع سنوات بدون حس ولا خبر ُ، ثم يقررون فجأة الترشح للانتخابات الرئاسية. وكأنهم ذاهبون إلى رحلة أو اجتماع عمل، وليس لممارسة عمل سياسى يتطلب أفعالا وتراكمات على أرض الواقع وارتباطا مع شريحة من الجماهير يعبرون عن مصالحهم ومستقبلهم.

وبهذا المعنى فإن كل الأسماء التى مرت على ساحة الانتخابات الرئاسية ليس بها سوى اثنين فقط ينطبق عليهما هذا المفهوم السياسى، أحدهما استمر فى الترشح وهو المرشح عبدالفتاح السيسى والآخر انسحب من معركة الانتخابات وهو السياسى والمحامى خالد على، أما بقية الأسماء - ومع احترامى للجميع - فهم لا يدركون الفرق بين السياسة والاجتماعات العائلية التى لا تحتاج منك سوى إبلاغ الأهل أنك قادم إليهم.


1- تحركات الرئيس

فى السياسة الإخراج أهم من السيناريو أحيانا، والمؤامرة مثل القنبلة يجب أن تفككها بحرص وذكاء حتى لا تنفجر فى وجهك. هذه قواعد بديهية فى السياسة. وهكذا تفجرت قنبلة هشام جنينة فى وجه الحكومة. فبعد أيام من انضمام هشام جنينة لحملة سامى عنان فوجئ الجميع بالاعتداء على المستشار هشام جنينة. وأنا أعرف أن جنينة له صلات بالإخوان، وقد يكون جنينة إخوانيا، ولكنه ليس بلطجيا بالتأكيد. ولاشك أن حادثة جنينة تسىء للحكومة، وانطلق خصوم مصر والنظام فى حملة تشويه كبرى ولها ما يبررها، ولكن قبل هذا أو ذاك جاء التحرك من الرئيس السيسى. فقد كان الرئيس السيسى فى إثيويبا عندما انفجرت حادثة المستشار جنينة. وبحسب معلوماتى فإن الرئيس اتصل من إثيوبيا وكان غاضبا، وطلب الرئيس السيسى من بعض العاملين معه ضرورة إجراء تحقيق شفاف وسريع وإبلاغه بالنتائج فورا عن موضوع المستشار جنينة.

لم تكن هذه هى المرة الأولى الذى يتصرف الرئيس ويطلب تحقيقات إضافية من جهات مختلفة، حدث ذلك عندما قتلت الناشطة «شيماء الصباغ» فى مظاهرة سلمية بالورود وكان الرد على الورود بالرصاص الحى. طلب الرئيس السيسى تحقيقا شفافا ومن جهات أخرى غير الجهات الأمنية. ولم يكتف السيسى بذلك، ولكن أكد لوزير الداخلية السابق حقيقة مهمة، لو كانت شمياء الصباغ ماتت برصاص الشرطة فسوف يفقد الوزير منصبه. وبالفعل فقد الوزير منصبه فور انتهاء التحقيقات التى أثبتت أن شيماء استشهدت برصاص ضابط.

وإذا تصرف الرئيس السيسى تجاه حادثة المستشار هشام جنينة، فإن تصرفه تجاه استمرار خطة الدعم كان مفاجئا للحكومة نفسها.لقد أعدت الحكومة عدتها على تأجيل إجراءات رفع أسعار بعض الخدمات مثل أسعار المترو وقطار السكة الحديد، وكان سبب التأجيل تصور الحكومة أن كل رئيس يسعى لتأجيل قرارات رفع الأسعار قبل إعادة ترشحه أو قبل الانتخابات الرئاسية.وهذا تقليد حدث فى مصر كثيرا قبل ثورة 25 يناير. فكل القرارات التى «تعكنن» على المواطن يتم تأجيلها حتى تمر الانتخابات الرئاسية على خير.ولكن الرئيس السيسى رفض هذا المنطق. فهو لا يريد أن يضحك على الشعب، ولا يريد أن يستغل الرئيس عبدالفتاح السيسى أى موقف لصالح المرشح عبدالفتاح السيسى.

المثير للغيظ والغضب مرة أخرى أن هذه الروح الأخلاقية والسياسية للرئيس لا تبدو على نفس النحو فى المناخ السياسى فى مصر ولا فى التعامل السياسى للحكومة مع الأحزاب وأهل السياسة. عندما تقارن بين تصرفات الرئيس السياسى وبين ما آل إليه المناخ السياسى فى مصر تكتشف أن ثمة أخطاء أو بالأحرى خطايا، وأن هذه الأخطاء أوصلت مصر إلى هذه الصورة المضطربة والسخيفة والمحرجة فى ثانى انتخابات رئاسية بعد الثورة.


2- مناخ خانق

قال المتحدث باسم حملة المرشح السيسى: الحملة ليست مسئولة عن وجود مرشحين آخرين منافسين، وأضاف بشكل ساخر: مش معقول المرشح هيقدم مرشحين منافسين معاه وهو رايح يقدم أوراقه. وتجاهل المتحدث أن مسئولية تهيئة المناخ السياسى لانتخابات رئاسية كانت أو برلمانية أو محليات. تتحمل حكومة الرئيس السيسى جانبا كبيرا من مسئولية الفراغ السياسى الذى أدى إلى غياب المرشحين حتى اللحظات الأخيرة من عمر الترشح.

فالرئيس السيسى لا يبدو مهتما أو مشغولا بالأحزاب السياسية الشرعية. لا يلتقى بها كثيرا. لا يشركها فى دراسة وإبداء الرأى فى الملفات المهمة للوطن. وربما يقابل الرئيس بعض شباب الأحزاب فى مؤتمرات الشباب، ولكنه يظل لقاء للشباب، وليس لقيادات الأحزاب.

وبالمثل أدت بعض تصرفات جهات حكومية إلى اتخاذ أحزاب معارضة موقفا سلبيا من الانتخابات. الحزب المصرى الديمقراطى فوجئ بالقبض على أمين تنظيم الحزب، وأدت التحريات إلى أن الرجل يحصل على تمويل أجنبى لمجرد أنها وجدت فى منزله 18 ألف جنيه. وتطورت القضية أمام المحاكم، والقاضى يحكم بالأوراق التى أمامه،والنتيجة أن أمين الحزب حكم عليه بالسجن ثلاث سنوات.ومن حق الحزب أن يعتبر أن ما حدث من قبض وتحريات بأمين التنظيم هو تحرش سياسى متعمد. وقد ألقى القبض على عدد من شباب هذا الحزب وأحزاب معارضة أخرى. مرة أخرى هذه رسائل سياسية سلبية تحسب على النظام السياسى، وإن كانت خارج عباءة الرئيس السيسى. ما حدث مع النائب خالد يوسف من افتعال ونشر فضيحة جنسية له كان رسالة قاسية جدا ليس لخالد يوسف فقط، بل لمعارضين كثر فضلوا الابتعاد تماما عن المناخ السياسى، لأن ثمن الاختلاف صار فادحا. ويأتى تشويه المعارضة والمعارضين وكل من يتجرأ من الاقتراب للترشح للرئاسة لتكمل المناخ المسموم.مرة أخرى قد تكون الحكومة ليست مسئولة عنه مسئولية مباشرة، ولكنها من ناحية أخرى مسئولة عن مواجهة هذا التشويه وهذا التسميم للمناخ السياسى فى مصر، فهى وإن لم تضبط متلبسة بالجرم فعلى الأقل وفى أضعف الإيمان لم تقاوم هذا الجرم السياسى.


3- المرشح السيسى

واعتقد أن بعضا من هذا لم يكن بعيدا عن تفكير المرشح عبدالفتاح السيسى.فقد أصر على الاعتماد على توكيلات المواطنين، ولم يرض باستخدام تزكيات النواب للترشح. وقد وصلت التزكيات لـ546 تزكية، وهو رقم أضعاف أضعاف ما يحتاجه المرشح للترشح للانتخابات. فالمطلوب قانونا 20 تزكية فقط، ولكن السيسى لا يريد أن يكون مدينا بترشحه لبرلمان أو نواب. فقد كان مبدأه «مفيش فواتير علىّ لأحد» ويبدو أن كثيرين أرادوا توريطه فى الفواتير ولكنهم فشلوا. كانت حملة السيسى تفكر فى التقدم بمليون توكيل ترشح. وذلك نوع من استعراض قوة مرشح له شعبيته. ولم يكن صعبا الوصول للمليون.فالتوكيلات لصالح السيسى تجاوزت 900 ألف توكيل.وكان من الممكن أن تصل للمليون بسهولة. ولكن السيسى لم يكن متحسما لفكرة مليون توكيل. خاصة أن بعض رجال الأعمال والسياسيين جمعوا توكيلات للمرشح السيسى. مرة أخرى هو لا يريد أن يكون مدينا لأحد، كما أنه لا يمكن الوثوق فى جمع مليون توكيل من خلال مجموعة كبيرة دون وقوع أخطاء. وبعض هذه الأخطاء تسرب للمجتمع من توكيلات جماعية فى مصانع وشركات خاصة. وربما أجبر بعض رجال الأعمال عماله أو موظفيه على التوكيلات، والأخطر ربما تصور بعضهم أنه صاحب فضل فى ترشح الرئيس وطالب مستقبلا بالمقابل. لهذا كله تم الاكتفاء بـ137 ألف توكيل فقط. وهو عدد ضخم مقارنة بالمطلوب قانونا. وهو 25 ألف توكيل.ولكن لا يكفى حذر الرئيس فى طريقة ترشحه ليرفع مستوى الانتخابات، فغياب المنافسين يظل علامة مؤثرة والطريقة التى ترشح بها المرشح المنافس للرئيس لا ترسم صورة زاهية أو ملونة لثانى انتخابات رئاسية.

وهذه الصورة تفرض على الجميع (حكومة ومعارضة) أن نسعى إلى فتح النوافذ والأبواب السياسية، وإلى تنشيط حركة السياسة فى مصر والكف عن إعلان السياسة مهنة خطرة وخبيثة. الكف عن اتهام كل معارض بالخيانة والعمالة. يجب أن تقوى العلاقة بين الحكومة والأحزاب والحركات السياسية. وأن نحمى سمعة المعارضين فى الإعلام كما نحمى سمعة المسئولين.يجب أن نفتح صفحة جديدة يكون للسياسة فيها مكان فى الصفوف الأولى، ويكون للمعارضين صوت مسموع وفاعل. فلا يمكن وضع المعارضة فى الثلاجة لحين الحاجة إليها. ولا يمكن أن نساهم فى موت العمل السياسى ثم نستدعى الموتى من القبور للمشاركة الفعالة.فالسياسة هى الوعاء الوحيد والممول الأوحد للمرشحين فى كل وأى انتخابات.