مي سمير تكتب: العمليات السوداء لـ"الموساد" فى 70 سنة

مقالات الرأي



اعتمد على آلاف الوثائق السرية واللقاءات مع عملاء مخابرات سابقين


فشلت فى اغتيال العلماء الألمان العاملين ببرنامج

الصواريخ

المصرى

تل أبيب قتلت «بن بركة» المعارض المغربى مقابل تجسسها على القمة العربية قبل «النكسة»




كشف الكتاب الجديد للصحفى الإسرائيلى، رونين بيرجمان، والذى يحمل عنوان «انهض واقتل أولاً: التاريخ السرى للاغتيالات الإسرائيلية»، الصادر منذ أيام، العمليات المخابراتية التى أخفق فيها الموساد، بجانب كشف أساليب الاغتيال التى استخدمها الجهاز من معجون الأسنان المسموم، والذى يقتل بعد شهر والطائرات بدون طيار، إلى الهواتف المحمولة الملغومة، والإطارات الاحتياطية المفخخة لقتل شخصيات بالدول المنافسة.



أقنع رونين بيرجمان، المراسل العسكرى فى صحيفة يديعوت أحرونوت، العديد من عملاء الموساد والشين بيت والجيش، ليرووا قصصهم، وبعضهم لم يخش من ذكر اسمه الحقيقى.

وبعد إجراء ألف مقابلة والحصول على آلاف الوثائق السرية، و8 سنوات من البحث والتدقيق وضع بيرجمان، كتابه فى أكثر من 600 صفحة.


1- سنوات من البحث

فى عرضها للكتاب أشارت جريدة الإندبندنت البريطانية أن عنوان الكتاب «انهض واقتل أولاً» مقتبسة من تلمود اليهودية القديمة: «إذا كان شخص ما يأتى لقتلك، انهض واقتله أولاً»، ويقول بيرجمان: «نسبة كبيرة ممن قابلتهم ذكروا هذه العبارة كمبرر لعملهم»، وهو ما يتطابق مع رأى المحامى العسكرى الذى أكد أن هذه العمليات «حرب مشروعة».

ورغم المقابلات العديدة التى أجراها الصحفى الإسرائيلى مع رؤساء الوزراء السابقين إيهود باراك وإيهود أولمرت، فإن بيرجمان قال إن الأجهزة السرية الإسرائيلية سعت للتدخل فى عمله، وعقدت اجتماعا فى عام 2010 حول كيفية تعطيل أبحاثه وتحذير موظفى الموساد بعدم التحدث معه.


2- هيستريا عبدالناصر

قدم موقع «تايمز أوف إسرائيل» عرضًا مفصلاً للكتاب ولقاء مع مؤلفه وحسب الكتاب كان «الموساد» مصاباً بـ«هيستريا الزعيم الراحل جمال عبدالناصر»، خصوصاً فى ستينيات القرن الماضى، مع تعاون مصر مع بعض العلماء الألمان لتطوير إمكانياتها العسكرية.

أسفرت هذه الهستيريا عن عملية داموكليس وهى حملة سرية من الموساد فى أغسطس 1962 استهدفت العلماء والفنيين الألمان، الذين كانوا يعملون سابقاً فى برنامج الصواريخ بألمانيا، والذين كانوا يطورون الصواريخ لمصر فى «مصنع 333»، حيث أرسل الإسرائيليون رسائل مفخخة للألمان واختطفوا آخرين.

يؤكد الكتاب أن حالة الهوس بعبد الناصر كانت سبباً فى سوء إدارة عملية استهداف العلماء الألمان العاملين فى مصر، وتسببت هذه القضية فى حرج كبير لإسرائيل خاصة بعد فشل العديد من عملياتها لاغتيال العلماء، منها إرسال طرد مفخخ الى عالم الصواريخ ولفجانج بيلز فى مكتبه والذى انفجر عندما تم فتحه فى 27 نوفمبر عام 1962 ما أسفر عن إصابة سكرتيره.

كما فشلت عملية إطلاق رصاص على أستاذ كان يعمل فى أبحاث فى الإلكترونيات فى مصر، وذلك أثناء وجوده فى مدينة لوراتش بألمانيا الغربية، وفشلت أيضاً محاولة اغتيال عالم الصواريخ هانز كلاينواشتر فى فبراير 1963، واكتملت سلسلة الفشل الإسرائيلى بعد القبض على اثنين من عملاء الموساد، بعد تهديدهما لابنة جينز جوركى خبير التوجيه الإلكترونى الذى يعمل فى مصر، حيث طلب العملاء منها مطالبة أبيها بضرورة العودة من مصر وإلا تعرضت للقتل، ما أدى إلى فضيحة لإسرائيل التى نفت علناً هذه الادعاءات، مؤكدة أن عملاءها يستخدمون فقط أساليب الإقناع السلمى.


3- عملية فردان وباروكة إيهود باراك

عملية فردان، هى عملية قامت بها قوات إسرائيلية فى 10 أبريل 1973، فى مدينة بيروت لاغتيال كمال عدوان، كمال ناصر وأبويوسف النجار، من قادة حركة فتح، بجانب تفجير مقر الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، حيث شارك فى العملية إيهود باراك متنكرًا فى زى امرأة سمراء، وأفيرام ليفين فى زى امرأة شقراء، تولى إيهود باراك الذى كان يشغل آنذاك منصب قائد وحدة سايريت ماتكال «وحدة استطلاع هيئة الأركان العامة التابعة لقوات الجيش الإسرائيلى» مهمة التقاط صور وجمع معلومات دقيقة عن مكان وجود القادة الثلاثة، وحاول الموساد على مدار أكثر من 40 عاماً إخفاء أن أحد العملاء السريين المشاركين فى العملية هرب بعد إصابته بالانهيار صعبى.


4- خدعة ميونيخ

يكشف الكتاب الأكاذيب التى روجت لها إسرائيل منها تفاصيل صادمة عن العملية الانتقامية التى قام بها الموساد ضد منفذى عملية ميونيخ 1972 وهى عملية احتجاز رهائن إسرائيليين نفذتها منظمة أيلول الأسود، أثناء دورة الأوليمبياد المقامة فى ميونيخ بألمانيا للمطالبة بالإفراج عن 236 معتقلاً فى السجون الإسرائيلية وانتهت العملية بمقتل 11 رياضياً إسرائيليا.

وحسب الكتاب فإن رئيسة الوزراء الإسرائيلية فى ذلك الوقت جولدا مائير، لم تصدر أمراً بقتل المشاركين فى العملية، ولم يتم تشكيل محكمة سرية أصدرت أمراً بقتل المنفذين.

وحسب الكتاب اتخذ الموساد على الفور قرارًا بتنفيذ عملية انتقامية، ولكن ما تم ترويجه عنها كان مجرد خدعة حيث فشلت تل أبيب تماماً فى الانتقام من منفذى عملية ميونيخ 1972.


5- عمليات وحدة القيصرية

يكشف الكتاب الستار عن قضية تورط إسرائيل فى اغتيال المعارض المغربى المهدى بن بركة فى أكتوبر 1965، والذى اختفى من فرنسا، وظلت عملية اختفائه لغزا أثار كثيرا من التساؤلات.

يقول الكاتب إن مئير أميت رئيس الموساد فى الفترة من 1963 إلى 1968، لم يقدم تقريراً كاملاً إلى رئيس الوزراء الإسرائيلى، ليفى إشكول، حول ما حدث وحقيقة تورط الموساد فى عملية اغتيال معارض سياسى بدولة أخرى، حيث لم يقم الموساد بالاغتيال ولكن ساعد السلطات المغربية فى التخلص من بن بركة رداً على سماح المغرب للموساد بوضع أجهزة تنصت فى قمة جامعة الدول العربية التى انعقدت فى الدار البيضاء، ما جعل إسرائيل واثقة من الفوز فى حرب 5 يونيو 1967، بعد الاستماع للخلافات بين القادة العرب، والتى وصلت لحد تبادل الرئيس الراحل عبدالناصر والعاهل الأردنى الراحل حسين، الصياح، وبعد شهر فقط، جاء المغاربة إلى الإسرائيليين وقالوا: «حان الوقت كى تدفعوا الثمن».

ويتحدث الكاتب عن مايك هرارى الذى أسس قسم القيصرية «قسم عمليات الموساد» فى السبعينيات بعد سلسلة من الكوارث بما فى ذلك التورط فى عملية بن بركة، والقبض على جواسيس إسرائيل إيلى كوهين فى سوريا وولفجانج لوتز فى مصر. ويكشف الكتاب الستار على قسم «كيدون» التابع لقسم قيصارية، الذى لا يتم الحديث عنه فى أروقة المخابرات الإسرائيلية رغم أنه المختص بالاغتيالات، والذى يتم تجنيد عناصره من الجنود السابقين بوحدات القوات الخاصة التابعة للجيش الإسرائيلى.

واعتمدت وحدة الاغتيالات فى الموساد بشكل خاص على أسلوب تسميم معجون الأسنان الخاص بالضحية المستهدفة، حيث قتل الموساد، وديع حداد، رئيس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والذى دبر عملية اختطاف عنتيبى عام 1976 بتسميم معجون أسنانه، حيث كان الموساد قادراً على الاقتراب جداً من الضحية وتحويل معجون الأسنان إلى أنبوب يحتوى على سموم مميتة، تم تطويره بعد جهد مكثف فى معهد إسرائيل للبحوث البيولوجية، حيث توفى حداد فى مستشفى بألمانيا الشرقية فى عام 1978.

كما أرسل جهاز أمن الدولة فى ألمانيا الشرقية «شتازى» تقارير إلى المخابرات العراقية، تحذرهم بضرورة الانتباه إلى علمائهم ومعجون أسنانهم، لأنهم يشتبهون فى أنه تم تسميمه، لذا أمرت المخابرات العراقية العلماء العراقيين الذين عملوا على تطوير القنابل، بنقل معجون الأسنان والفرشاة فى كيس معهم كلما خرجوا من العراق، ورغم ذلك نجح الموساد فى قتل اثنين منهم بالسم.

ويعد مائير داجان، رئيس الموساد والذى توفى فى أوائل عام 2016، أحد أهم مصادر بيرجمان، وفى نهاية حياته المهنية، اختلف داجان مع نتنياهو جزئياً حول إيران، ومن وجهة نظر نتنياهو فإن تقنيات الاستخبارات مثل بيع أجزاء خاطئة لمفاعلات إيران، التى تقوم بها إسرائيل والولايات المتحدة، ليست كافية، بينما رأى داجان إن هذه التقنيات، ومنها الاغتيالات، ستحقق الهدف.

فى حواره مع تايمز أو إسرائيل، أكد الصحفى الإسرائيلى رونين بيرجمان، أن كتابه تعرض لرقابة كبيرة وتم حذف أجزاء كثيرة، رغم ضرورة نشر معلومات عن أخطاء وخطايا الأجهزة الأمنية الإسرائيلية أو تورطها فى جرائم حرب، مثل اغتيال أحمد ياسين مؤسس حركة حماس، والذى تسبب فى اتساع النفوذ الإيرانى فى قطاع غزة، لأن الرجل كان يرفض تدخل طهران فى منظمته.