أحمد شوبير يكتب: جنون الانتقالات

الفجر الرياضي




تواصل سوق الانتقالات فى مصر وحول العالم جنونها اللامعقول، فمنذ صفقة انضمام النجم البرازيلى نيمار إلى باريس سان جيرمان الفرنسى والتى تخطت كل المعقول فى عالم الانتقالات، حيث يرجح البعض أن رقم انتقاله تجاوز الـ500 مليون يورو!


وهو ما أصاب العالم بالدهشة وأصاب سوق الانتقالات بالجنون التام فشاهدنا لاعبين لم يكن أحد أبدا يتوقع أن يتجاوز انتقالهم 20 أو 30 مليون يورو وجدنا ارتفاعاً لأسعارهم يتخطى الـ100 مليون يورو وما زال المسلسل مستمرا حتى الآن وما أتوقعه قريبا أن نسمع عن انتقال لاعب أوروبى برقم 500 مليون يورو فى ظرف سنوات قليلة ولا أنسى أبدا يوم أن انتقل النجم الأرجنتينى الأسطورة مارادونا منذ سنوات إلى برشلونة بمبلغ 15 مليون دولار وما صاحب هذا الرقم من دهشة وذهول فى الوسط الرياضى على الرغم من أنه كان اللاعب الأفضل بل الأوحد فى العالم أجمع وظل هذا الرقم متماسكا لفترة ليست بالقصيرة، ولكن ما حدث فى السنوات الثلاث الأخيرة فاق كل تصور وعقل وخيال. 

ولكن ما حدث فى مصر فى الآونة الأخيرة وتداعيات السوق الأوروبية على موسم الانتقالات فى مصر أصبح ينذر بأشد أنواع الخطر لعدة أسباب، أهمها أننا نعانى اقتصاديا كدولة وأيضا أنه من المعروف للجميع أن كرة القدم لا تدر دخلا معقولا للأندية خصوصا مع استمرار غياب الجماهير عن المدرجات، وهو ما يحرم الأندية من عائد مادى محترم كان من الممكن أن يكون عاملا مساعدا ومهما لزيادة دخل الأندية كما هو الحال للكثير من الأندية الأوروبية، والتى تعتمد أحيانا بشكل أساسى على إيرادات التذاكر ناهيك أن البث التليفزيونى والدعايات فى مصر لا تفى بالغرض المطلوب منها للأندية على الإطلاق بل إن العديد من الأندية المصرية لا توجد لديها أصلا إدارة للتسويق وتعتمد على المجهود الفردى بالإضافة إلى وكالات الإعلان والتى لا هم لها سوى مكسبها المادى وتكون النتيجة أن النادى لا يكسب إلا أقل القليل، أما الباقى فيكون من نصيب الوكالات الإعلانية.

صحيح أن هناك بعض الأندية، وعلى رأسها الأهلى ثم الزمالك اختلفت الأمور عندها قليلا خصوصا الأهلى ولكن من ينظر إلى عقد الرعاية الأخير للأهلى والذى يعتبره الجميع أعلى عقد فى تاريخ الرياضة المصرية يجد أنه فى 3 سنوات كان المقابل 231 مليون جنيه أى أنه حوالى 75 مليون جنيه فى السنة، وبالنظر إلى المصروفات المطلوبة لتدعيم الفريق والصرف على المرتبات والمكافآت نجد أن المبلغ يعتبر متواضعا للغاية، فمثلا مرتبات العاملين بالأهلى تجاوزت 17 مليون جنيه أى أن المرتبات وحدها تكلف خزينة الأهلى 204 ملايين جنيه سنويا! مع الوضع فى الاعتبار أن كل اللعبات فى الأهلى أو أى ناد آخر لا تدر أى دخل للأندية بل إنها تكلف الأندية مصاريف باهظة نظرا لأننا مجتمع كروى فقط لا يهتم فى حياته سوى بمباريات كرة القدم حتى يهمه فى تحقيق أية انتصارات حتى ولو كانت عالمية أمام مباراة كرة قدم محلية! لذلك تصيبنى الدهشة والذهول الشديد من الارتفاع الجنونى فى أسعار اللاعبين فى الآونة الأخيرة ولا أعرف من أين يتم سداد هذه المبالغ الخرافية وكيف يمكن لمجالس إدارات الأندية أن توفى بكل التزاماتها المادية للاعبين والمدربين خصوصا وأن الأرقام تتزايد بصورة غير معقولة بالنسبة للسوق المصرية فلدينا لاعب اقترب سعره من 30 مليون جنيه! وآخر صاعد اقترب من 20 مليون جنيه والبقية ستأتى بالتأكيد طالما ظل هذا التنافس اللا معقول بين المسئولين عن إدارات الأندية لذلك أتوقع أن نرى قريبا أرقاما أعلى من ذلك بكثير ولن نصاب بالدهشة إذا رأيت خلال السنوات الثلاث المقبلة لاعبا بسعر 100 مليون جنيه ثم نشكو بعدها قلة الإمكانات ونصرخ من الارتفاع الجنونى فى الأسعار ولكن وللحقيقة فإن ما يحدث من بعض إدارات الأندية والمبالغ التى يتم الإعلان عن خصمها من اللاعبين كعقوبات فى بعض المخالفات أصبحت تثير الشارع المصرى بشدة فليس من المعقول أن تقرأ عن عقوبات بـ100 ألف جنيه وأحيانا أكثر للاعب تأخر عن المران، وننتظر من موظف لا يتجاوز أجره 2000 جنيه شهريا أن يكون سعيدا بمثل هذه الأخبار! فى النهاية المنظومة كلها تستحق إعادة النظر وإعادة الانضباط لهذه السوق إلا سيأتى اليوم الذى لا يمكننا فيه أن نسيطر عليها ولن تجدى أبدا أية محالات لوضع سقف لهذا الجنون وسنندم وقتها أشد الندم وقت لا ينفع فيه الندم أو أن الأفضل أن نصبح مثل معظم الدول الإفريقية والتى تفتح أبوابها للاحتراف الخارجى ووقتها تصبح كرة القدم مصدرا للدخل بدلا من مصدر للصرف المجنون.