في ذكرى ميلاد "الأبنودي".. تعرف على تأثير شعر "الخال" بالأنظمة السياسية

تقارير وحوارات

عبدالرحمن الأبنودي
عبدالرحمن الأبنودي



ظل موقفه من السلطة مثار لغز كبير بين منتقديه، إلا أن علاقته بالجماهير بقيت ثابتة بفضل استخدامه الذكي للهجة الصعيدية المطعّمة بنفس سردي ساخر، منذ أوائل الستينيات، انحاز شاعر العامية "عبد الرحمن الأبنودي" إلى صوت البسطاء والمهشين والفقراء.

 
عبد الرحمن الأبنودي".. جاء من الصعيد باحثاً عن دور في مجتمع كان يشهد آنذاك تغييرات سياسية واجتماعية، مع اندلاع "ثورة 23 يوليو" 1952 ومعارك "عبد الناصر" مع الغرب لتأكيد استقلالية قراره السياسي، لاسيما تعبيره عن المشروع القومي الناصري، وعرفت أغنياته ورسومه الكاريكاتورية انتشاراً جماهيراً.

 

السجن بتهمة الإنتماء إلى تنظيم شيوعي
وفي منتصف الستينيات حين تعرض للسجن عام 1966 بتهمة الإنتماء إلى تنظيم شيوعي صغير اسمه "وحدة الشيوعين"، كانت غالبية أعضائه من الكتاب والفنانين أبرزهم جمال الغيطاني، وصلاح عيسى، وصبري حافظ، والناقد إبراهيم فتحي. سجنوا جميعاً ثلاثة أشهر قبل الإفراج عنهم استجابة لشرط وضعه جان بول سارتر لزيارة مصر قبل أيام من نكسة الـ 1967 التي كانت زلزالاً دفع الكثير من أبناء هذا الجيل إلى مراجعة قناعات سياسية وفنية.

 

"وجوه على الشط" وتجربة أبناء مدن القناة
 يروي الأبنودي أنه اكتشف خلال وجوده في السجن أن "الشيوعية ليست طريقاً لتحقيق الذات أو تقديم الخير إلى الفقراء"، جاءت النكسة ليرى كل الأحلام تنهار، وكان أول رد فعل على النكسة الأغنية التي كتبها لعبد الحليم حافظ بعنوان "عدى النهار"، أغنية جاءت عتاباً لناصر ودعماً لاستمراره زعيماً،  إنّها مفارقة جيل لا مفارقة تخص شخص الابنودي الذي خرج إلى الجبهة ليكتب "يا بيوت السويس"، ديوانه "وجوه على الشط" الذي يروي تجربة أبناء مدن قناة السويس بعد تهجيرهم إثر العدوان، التي استندت إلى شخصية إبراهيم أبو العيون الصعيدي الذي استقر في قرية "الجناين" قرب القناة.

السجن في عهد "عبد الناصر"
في عهد عبد الناصر بالرغم من تعرضه لتجربة السجن في عهد جمال عبد الناصر إلا أنه تربطه بالزعيم الراحل محبة وثقة كبيرة، فنجد نظرة الأبنودي لـ"عبد الناصر" مختلفة تماما عن ما حاول البعض إفسادها قائلاً أنذاك: "لا ننسى أن عبد الناصر هو الذي قال ارفع رأسك يا أخي..انتهى عهد الاستعباد"، ورد علي الهجوم علي عبد الناصر قائلا " يا من تهاجمون عبد الناصر قولوا لنا: ماذا فعلتم؟ لولا عبد الناصر ما استطاع الفقراء من أمثالي أن يتعلموا.

 

التضييق الأمني على الأبنودي في عهد السادات
وهذا النص ذو نفس ملحمي لافت، إلى جانب سطوة الحس الساخر والعميق بالمسافة بين السلطة وأحلام الناس، بعد وفاة ناصر، بدأ السادات التضييق الأمني على الأبنودي الذي رفض «أمن الدولة». سافر إلى تونس لاستكمال مشروعه في جمع السيرة الهلالية. وفضل التفرّغ لكتابة الأغنية كحل لتجنب المواجهة الجديدة؛ لكنّ تحرش السلطة لم ينته، واستطاع الأبنودي الخروج من مصر بعدما يئس الأمن منه،مسافرًا إلى لندن لمنفى اختيارياً لثلاث سنوات، أنهاها عبد الحليم مستخدماً "سلطته" في السماح له بدخول مصر.

 

موقف "الأبنودي" من اتفاقية "كامب دايفيد"
 اعتقد السادات أنّ الأبنودي سيكون صوته، فأعلن رغبته في تعيينه "وزيراً للثقافة الشعبية"؛ لكن الأبنودي رفض اتفاقية "كامب دايفيد"، وكتب قصيدته الشهيرة "المشروع والممنوع"، وهي أقسى نقد وُجِّه إلى نظام السادات، وكانت إحدى وثائق التسوية بين الابنودي واليسار الذي غضب رموزه من تقارب الابنودي والسادات. وبسبب هذا الديوان، جرى التحقيق مع الأبنودي أمام المدعي العام الاشتراكي بموجب قانون سمي «حماية القيم من العيب». يقول عبد الرحمن الأبنودي بلهجته الصعيدية الحادة: "في حياتي أخطاء بالغة القسوة، ندمت عليها، لكن في الشعر، لم أندم على شيء لأن الشعر مقدس، لا يأتي بقرار، هو هبة من الله".

موقفه من نظام "مبارك"
كان الأبنودي ضمن كثير من الكتاب الذين حذروا نظام مبارك من الثورة، لكن النظام يكن يسمع إلا نفسه قامت الثورة، وانتشرت قصيدة الأبنودى "الميدان" في ميدان التحرير بشكل لم تسبقه إليه أي قصيدة، وكان الثوار يحفظونها ويرتلونها، فكانت تلهبهم الحماس والقوة، وزادتهم إصرارا خصوصا في مقطع "آن الأوان ترحلي يا دولة العواجيز"، كما نجد قبل الثورة ديوانه الشعري "المشروع والممنوع" الذي ينتقد فيه النظام وانحاز للشعب ضد القمع والسلطة. كذلك غنّى الفنان على الحجار من كلمات الأبنودي أكثر من أغنية للثورة منها ضحكة المساجين.

  موقف الأبنودي من جماعة" الإخوان"
 كان الأبنودي مُعارضًا لحكم جماعة الإخوان وانتقد سياساتها وممارساتها بشكل علني، وانحاز إلى ثورة 30 يونيو وأعلن دعمه للرئيس عبد الفتاح السيسي مع إعلان ترشّحه لانتخابات الرئاسة الأخيرة، وكتب فيه أكثر من رباعية في ديوانه الأخير "الرباعيات".