د. نصار عبدالله يكتب: إيناس ومجاهد ووحيد المقال

مقالات الرأي



"وحيد المقال" هو الوصف الذى سبق أن أطلقته على ذلك المدرس بأكاديمية الفنون الذى كافأه الإخوان المسلمون على المقال الوحيد الذى كتبه فى حياته، فقاموا بتعيينه وزيرا للثقافة!، وقام هو من ناحيته برد الجميل إلى الجماعة!!، فبدأ حملة لتطهير وزارة الثقافة من المبدعين والمفكرين.. بل من المثقفين بوجه عام باعتبارهم الأعداء التاريخيين لجماعة الإخوان وللمنتمين إلى الإسلام السياسى بوجه عام، أولئك الذين لا نعرف منهم مبدعا واحدا قدم إبداعا فنيا ذا قيمة فى أى مجال من مجالات الإبداع!، وعلى رأس الذين قام «وحيد المقال» بعزلهم من مناصبهم كانت الدكتورة إيناس عبدالدايم رئيس دار الأوبرا وأحمد مجاهد رئيس الهيئة العامة للكتاب، وكلاهما كان قد أثبت جدارة استثنائية فى موقعه ما زلت آثارها باقية إلى الآن!، وإذا كانت الدكتورة إيناس بتعيينها وزيرة للثقافة قد استردت اعتبارها الوظيفى وكذلك اعتبار سائر المبدعين الذين تعرضوا للعسف فى عصر وحيد المقال الذى كان عصرا قصيرا جدا من حيث المدة وثقيلا جدا من حيث الوطأة!!، إذا كانت الدكتورة إيناس قد استردت اعتبارها الوظيفى، فإن اعتبارها الفنى ظل قائما طيلة الوقت لأن أى سلطة مهما بلغت من العتو ليس بوسعها أن تسلب الفنان كونه فنانا، وهذا هو الفرق بين الوزير المبدع، وبين اللامبدع حتى لو أصبح وزيرا!..أنتهز هذه المناسبة لكى أعيد نشر جزء من مقال نشرته هنا فى الفجر بتاريخ 9/6/2013 بعنوان : وحيد المقال وزيرا للثقافة «بعد أيام قليلة من تولى وحيد المقال منصبه الوزارى...فى تاريخ الفكر والفن والإبداع والكتابة لا نعرف مبدعا واحدا وحيد العمل، فلا نعرف مثلا فنانا تشكيليا لم يرسم طوال حياته إلا لوحة واحدة، ولا شاعرا كتب قصيدة واحدة ثم اكتفى!، ولا مطربا أو ملحنا، غنى، أو لحن أغنية واحدة!، ولا كاتبا للقصة القصيرة كتب قصة وحيدة فحسب.. الاستثناء الوحيد هو مدرس بأكاديمية الفنون تجاوز الخمسين عاما من عمره لكنه لم يكتب فى حياته إلا مقالا واحدا!!، وهو بهذا يستحق عن جدارة وصف: «وحيد المقال»... والمقال الذى كتبه «وحيد المقال» عنوانه: «وهم استنساخ الثورة» وقد نشره فى جريدة الحرية والعدالة فى أعقاب الانتفاضة الثورية التى اندلعت فى مصر بعد قيام الدكتور مرسى بإصدار إعلانه الاستبدادى المشئوم فى نوفمبر 2012 وهو الإعلان الذى صادر جزءا كبيرا من الحريات التى اكتسبها الشعب المصرى فى ثورة يناير 2011 ودفع فيها ثمنا غاليا من دماء أبنائه، حيث منح الرئيس نفسه من الصلاحيات والسلطات فى ذلك الإعلان المشئوم ما لم يتمتع بها طاغية مصرى من قبل، ومن بين هذه الصلاحيات التى منحها لنفسه سلطته فى تعيين منصب: «النائب العام» (التى مارسها بالفعل من خلال تعيينه لنائب عام جديد)، وكذلك تحصين قراراته من الرقابة القضائية، وبمقتضى ذلك الإعلان الاستبدادى الغاشم أكملت الجمعية التأسيسية الباطلة صياغة دستور معيب تم طرحه للاستفتاء عليه فى استفتاء بائس تعيس حيث لم يشارك فى الاستفتاء إلا 33% فقط ممن يحق لهم التصويت، من بينهم 64 % قالوا: «نعم»، أى أن جملة الذين قالوا نعم لا يتجاوزون 21%!! من جملة الذين يحق لهم التصويت!، بينما الباقون هم: إما مقاطعون، أو رافضون لذلك الدستور!! وهكذا كان من الطبيعى أن ينتفض الشعب المصرى ضد هذا العدوان الغاشم على حريته وكرامته وحقه فى وضع دستور تتوافق عليه الأغلبية من أبنائه. ويقولون له «نعم» بنسبة لا تقل فى أضعف الإيمان عن 50% ممن يحق لهم التصويت وليس 21% فقط. كان من الطبيعى أن ينتفض الشعب المصرى ضد هذا العدوان الذى صدر ممن جاء بهم الشعب نفسه إلى السلطة متصورا أنهم سيحفظون العهد ويحافظون على الأمانة، لكنهم خانوها وغدروا به وصادروا الحرية التى دفع دماء أبنائه ثمنا لها!!.. فى ظل هذا المناخ كتب «وحيد المقال» مقاله سالف الذكر، وخلاصته أن انتفاضة نوفمبر 2012 وما تلاها من انتفاضات هى حركات لا تنتمى إلى الثورة ولكنها تنتمى إلى وهم استنساخ الثورة، فالثورة فى رأيه قد حققت أهدافها بإزاحة نظام مبارك والمجىء بالنظام الراهن فى انتخابات حرة نزيهة ومن ثم فإن أية انتفاضة ضدها مقضى عليها بالفشل بالضرورة، وهكذا تتطابق رؤية كاتب المقال مع رؤية جماعة: «الإخوان المسلمين» للثورة، وكأن ثورة يناير 2011 لم يكن لها من هدف سوى أن تزيح نظام مبارك وتأتى بدلا منه بمن يرتضيه الشعب فى انتخابات نزيهة، ولما كان أبناء الشعب المصرى قد ارتضوا بالجماعة وحلفائها الإسلاميين ممثلين لهم فى البرلمان كما ارتضوا بالدكتور مرسى رئيسا، فإنه بالتالى لا يحق لأحد (فيما يرى الإخوان وحلفاؤهم) أن يعترض على ما يفعله الإسلاميون حتى لو صادروا مبادئ الثورة ذاتها: «عيش، حرية، عدالة اجتماعية»!!، وفى رأى كاتب المقال فإن الفصيل الذى يتصور أنه من خلال إقامة الخيام فى الميادين أو الخروج فى المظاهرات بنفس شعارات ثورة يناير يمكن أن يعيد إنتاج الثورة هو فصيل واهم لأن الثورة فى رأيه لا تستنسخ، ومثل هذه المحاولات التى يقوم بها هذا الفصيل أو ذاك من أعداء الإسلاميين مقضى عليها بالفشل الذريع فى رأيه وقد كوفئ كاتب المقال على مقاله بتعيينه وزيرا للثقافة مما أثار سؤالا مهماً لدى سائر المتابعين وهو: ألم تجد جماعة الإخوان بين مؤيديها (وهم ليسوا بالقليلين عددا رغم كل شىء) ألم تجد من بينهم من هو أثقل وزنا من ذلك الذى لم يعرف له أحد موهبة أو إسهاما فى مجال العمل الثقافى سوى مقاله سالف الذكر وسوى رسالتيه اللتين قام بنشرهما بعد ذلك بحيث تبدوان كأنهما مؤلفان جديدان؟